الوقت- هل توجد كوميدا سوداء في العالم أكثر من حديث الولايات المتحدة الأمريكية عن حقوق الانسان، وهي الدولة الأكثر انتهاكاً لملف حقوق الانسان على مر العصور، فهي نشأت على القتل وتصفية الشعوب ابتداءاً من ابادة الهنود الحمر، مرورا بإطلاقها النووي على اليابان، ولا ننسى حربها على افغانستان وفيتنام والعراق وعنصريتها ضد شعبها، واليوم حربها على سوريا واحتلال اراضيها وحرق محاصيلها الزراعية وسرقة نفطها، وفوق كل هذا تتهم الادارة الامريكية الحكومة السورية بانتهاك ملف حقوق الانسان، ولا يمكن التعبير على هذا الامر سوى بالمثل الشعبي “شر البلية ما يضحك”.
إن مفهوم حقوق الإنسان بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية هو مجرد ورقة ضغط سياسية تستخدمها الادارة الامريكية ضد أعدائها في جميع دول العالم، ولكي تعرف سياسة واشنطن السنوية راقب تقرير حقوق الانسان الذي تصدره سنويا، ومن خلاله يتبين من حلفائها ومن الاعداء بالنسبة لها.
نفاق امريكا ظهر بشكل واضح في تقرير العام 2004، حيث تأخرت بإصدار تقريرها لعدة أسابيع بهدف أن لا يتزامن مع الصور البشعة والمخيفة والمثيرة للمرض والتقزز التي كانت تؤخذ لسجن وسجناء أبو غريب الذي يدار من الجيش الأمريكي والاستخبارات الأمريكية، وهو السجن الذي سجل أعلى درجات الإهانة للإنسان كجسم وروح دينا وإنسانية وأثبت للعالم أن المصالح تحكم كل شيء، وان البحث عن المعلومة يبرر كل الممارسات اللاإنسانية التي تمارسها الإدارة الأمريكية في سجن أبو غريب، وكان من المفترض أن ينشر هذا التقرير في نفس الأسبوع الذي تنشر فيه الصور البشعة لسجن أبو غريب، وكان من المفترض أن يحتوي التقرير على الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنة الماضية في كافة أرجاء العالم لتحسين الوضع الديمقراطي وحقوق الإنسان، وأن تأجيل نشر التقرير جاء بعد صور سجن أبو غريب.
والسؤال منذ متى كانت الولايات المتحدة نصيراً للحق لمجرد الحق؟ منذ متى كانت الولايات المتحدة نصيراً للمظلومين؟ منذ متى كانت الولايات المتحدة نصيراً للحريات وحقوق الإنسان؟ منذ متى كانت الولايات المتحدة مساندة لحقوق الشعوب في الاستقلال وممارسة إرادتها واتخاذ قراراتها دون تدخل منها؟. إن تاريخ الولايات المتحدة يقول عكس ذلك تماماً.
نفاق واشنطن وانتهاكاتها الصارخة دفعت المحللين الى القول بان امريكا أكثر الامبرطوريات دموية في التاريخ.. كانت هي الأكثر وقاحة بين نظيراتها في استخدام حقوق الإنسان كمبرر لتلك الدموية غير المسبوقة. وقريبا من هذا المعني، ذهب المفكر الأمريكي ناعوم شومسكي الى القول “من وجهة النظر القانونية أن هناك ما يكفي من الأدلة لاتهام كل الرؤساء الأمريكيين منذ نهاية الحرب العالمية بأنهم مجرمو حرب، أو على الأقل متورطون بدرجة كبيرة في جرائم حرب”.
أما بالنسبة لتقريرها الجديد، والذي استهدفت من خلاله سوريا التي تحارب الارهاب الامريكي على مدار عقد كامل، فقد جاء مسيساً بالمطلق، واظهر حجم نفاق واشنطن، وهذا ما أغضب سوريا ودفع بخارجيتها لاصدار بيان جاء فيه:
أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي سيئ الصيت حول حالة حقوق الإنسان في العالم وكما جرت العادة يتضمن هذا التقرير أكاذيب وادعاءات تتناول انتهاكات مزعومة في كل دول العالم تقريباً إلا أن التقرير يكشف عيوبه بنفسه ويفضح الأهداف الحقيقية لمثل هذه التقارير التي تظهر عنصرية وتدخلاً فاضحاً في الشؤون الداخلية للدول التي لا ترتبط بعلاقات تتميز بالتبعية للإدارة الأمريكية ومعدي هذا التقرير.
وأضافت الخارجية: وعندما يتناول التقرير الجمهورية العربية السورية ودولاً لا ترضى عن سياسات الولايات المتحدة الامريكية مثل الاتحاد الروسي وكوبا والصين وفنزويلا وإيران وروسيا البيضاء على سبيل المثال فإن التقرير يذهب بعيداً في أضاليله وأكاذيبه التي كشفتها وعرتها شعوب هذه الدول ونسبة كبيرة من الرأي العام العالمي.
وأوضحت الوزارة أن الادعاءات الواردة في التقرير حول الجمهورية العربية السورية كلها مأخوذة من تقارير المنظمات الإرهابية وداعميها ومموليها في المنطقة والعالم.. حيث يتناسى معدو هذا التقرير الجرائم التي ترتكبها الإدارات الامريكية من انتهاكات خطيرة يعرفها كل العالم وفي الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها بما في ذلك الإجراءات القسرية أحادية الجانب التي تنتهك كل حقوق الإنسان ولا سيما حقه في الحياة.. الأمر الذي يثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بخصائص تتقدم فيها على العالم كله وتتمثل في كونها أكبر منتهك لحقوق الإنسان داخل حدودها وخارجها.
وبينت الخارجية أن نظرة على سجل الولايات المتحدة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان تظهر أنه لا توجد دولة أخرى تنافسها على ذلك إلا أن سيطرتها الهائلة على وسائل الإعلام والاتصالات تمكنها من إخفاء هذه الحقيقة عن شعبها فهل كانت الولايات المتحدة تحترم حقوق الإنسان عندما قامت بقتل جورج فلويد الأمريكي من أصل افريقي على مرأى كل الشعب الأمريكي وشعوب العالم؟
وتابعت الخارجية إن ادعاء الإدارة الأمريكية أن حقوق الإنسان هي أولوية في سياستها الخارجية يمثل قمة النفاق فها هو شعب سوريا يعاني في طعامه وصحته وشرابه وبيئته وفي مختلف نواحي الحياة الأخرى نتيجة للحصار الاقتصادي اللاإنساني الذي يهدف إلى تجويع وإفقار هذا الشعب علماً أن هذا التقرير المشؤوم لم يتطرق نهائياً إلى المأساة الحقيقية للشعب السوري والتي تتمثل بالإرهاب وتمويله من قبل الولايات المتحدة التي تقوم الآن بنهب البترول والقمح السوريين بشكل مكشوف مبينة أن الإدارة الأمريكية تثبت مرة أخرى أن تقاريرها موجهة بشكل أساسي إلى من لا يتماشى مع سياساتها ومصالح أدواتها في المنطقة وخارجها وخاصة الدول التي ترفض الخنوع لإملاءات واشنطن.
واكدت الوزارة في بيانها رفض استخدام موضوع حقوق الإنسان لتحقيق مصالح وأهداف سياسية، فسوريا هي الأحرص على حقوق شعبها وكرامته ومستقبله وإنه لا يحق لمن لديه سجل حافل في انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم كما هو حال الولايات المتحدة الامريكية أن يتحدث عن حقوق الإنسان.
إن ما يحكم السياسات الامريكة هو الغريزة العنصرية التي تتحكم بهم بشكل باطني، وعلى هذه الغريزة تترجم افعالهم اللانسانية، والاكثر غرابة انتقاضها للحكومات التي يتعرض جزء من مواطنينها لاقل الممارسات العنصرية الشبيهة لامريكا فهل يمكن ان نتخيل الموقف الامريكي اذا قتلت الشرطة في اي بلد عربي نصف العدد الذي قتلته الشرطة الامريكية من المتظاهرين من ذوي البشرة السمراء.