الإيجابيّة المستجِدّة.. هل فعَل التلويح بالعقوبات فِعله؟!
خاص “لبنان 24”
فجأةً من دون سابق إنذار، عادت الإيجابيّة، التي تبقى نسبيّة بل ربما “وهميّة” حتى إثبات العكس، لتتصدّر المشهد السياسيّ العام في البلاد، على وقع الحديث عن حراك جدّي، ومرونة لافتة، بل “تنازلات متبادلة” وافق عليها الأطراف، وصلت إلى حدّ تخلّي “العهد” عن مطلب الثلث زائدًا واحدًا، بعد أشهر من المماطلة والمناورة.
من حيث الشكل كما المضمون، لا توحي “المبادرة” التي أحدثت هذا “الخرق”، والتي قيل إنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري يقف خلفها، بأنّها تحمل “عصا سحريّة” من شأنه إحداث أيّ “تغيير” في المواقف، ولو من باب “رفع العتب”، خصوصًا أنّها تقوم على طرحيْن موضوعيْن على الطاولة منذ اليوم الأول: توسيع الحكومة إلى 24 وزيرًا، واعتماد صيغة (8+8+8) بما لا يمنح أيّ فريق “امتياز” الثلث المعطّل.
لكنّ “السياق” الزمانيّ والمكانيّ أعطى على ما يبدو المبادرة “زخمها”، وصولاً إلى البيان السعودي-الفرنسيّ المُشترَك قبل يومين، في “تواصل” طال انتظاره وكثُر الرهان عليه، منذ الحديث عن زيارةٍ للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يبني عليها المتخاصمون في لبنان، علمًا أنّ هناك من يصرّ على أنّ “كلمة سرّ” الإيجابية المستجدّة، حقيقيّة كانت أم وهميّة، ليست سوى العقوبات التي لوّح بها الفرنسيّون، و”أرعبت” الكثيرين…
العقوبات “جُرّبت”!
يرفض الفريقان المعنيّان بـ”العقدة الحكوميّة”، أي “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، الحديث عن العقوبات بوصفها العامل “الحاسِم”، على خطّ “تسهيل” تأليف الحكومة، باعتبار أنّ “سيف” العقوبات جُرِّب سابقًا، حينما استهدفت واشنطن الوزير السابق جبران باسيل، وقبله الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وهو ما أدّى إلى “التشويش” على الجهود الحكوميّة، بدل تكثيفها وتسهيلها، كما يحلو للبعض الاعتقاد.
بالنسبة إلى الرئيس المكلَّف سعد الحريري، فإنّ التلويح بالعقوبات لم يغيّر في الواقع شيئًا، أولًا لأنّه “يدرك” أنه ليس المعنيّ بها، وهو ما أكّده له وسطاء ومقرّبون، خصوصًا أنّه يعمل بمقتضى المبادرة الفرنسية، وكلّ الشروط والمبادئ التي يصرّ عليها هي “متناغمة” مع ما يطلبه الفرنسيّون من الحكومة، بل إنّ “صراعه” مع الرئيس عون والوزير باسيل مبنيّ على رفض الفرنسيّين أن تكون الحكومة “نسخة” عن سابقاتها، وعلى مبدأ “القديم على قدمه”.
في المقابل، يؤكد المحسوبون على الرئيس عون، كما الوزير باسيل، أنّ التلويح بالعقوبات لم يؤثّر “قيد أنملة” على موقف “العهد”، علمًا أنّ استجابته للمبادرات ليست وليدة اليوم، في حين كان يصرّ الرئيس المكلَّف على أنّه قدّم “تشكيلته”، ويرفض أيّ بحث أو نقاش بغيرها، إلا إذا كان التخلّي عن الثلث المعطّل هو “التغيير” الذي يبني عليه البعض، مع أنّ بيانات القصر الرئاسيّ النافية للمطالبة به أصلاً باتت أكثر من أن تُعَدّ أو تُحصى.
تغيير “طفيف” يُبنى عليه
قد لا يكون مثل هذا الكلام عن “الثلث المعطّل” مقنعًا لكثيرين، ممّن يشيرون إلى أنّ “التغيير” الذي طرأ يقضي بموافقة “العهد”، إن صحّت وترجِمت، على أن يكون وزير “الطاشناق” من ضمن حصّة الوزراء الثمانية، بعدما كان يصرّ على “الفصل” بين الإثنين، علمًا أنّ مِن المَحسوبين على الرئيس مَن غمز من هذه القناة، بالقول إنّ الصيغة التي يُبحَث بها حاليًا ليست “8+8+8” بقدر ما هي “8+8+7+1”.
أكثر من ذلك، بين النفي والنفي المُضاد، ثمّة من يؤكّد أنّ “التلويح بالعقوبات” هو الذي فَعَل فِعْله، بعدما أدرك المعنيّون أنّ التهديدات أكثر من “جدية”، لأنّ صبر الفرنسيّين “نفد”، وباتوا يشعرون أنّ نداءاتهم المتكرّرة أضحت كلامًا في الهواء، لا يجد من يصغي إليه من الأساس، ويسأل هؤلاء: لماذا يوحي الرئيس عون، اليوم، أنّه يقبل بأن يُحتسَب وزير الطاشناق من حصّته، فيما كان مثل هذا الأمر مرفوضًا بالمُطلَق في السابق؟
ورغم أنّ هناك من يتحدّث عن عوامل “سلبيّة” تدفع إلى الاعتقاد بأنّ الإيجابيّة غير حقيقيّة، أو أنّها لم تكتمل بالحدّ الأدنى، على غرار إصرار الفريق “الرئاسيّ” على الحديث عن “عقدة خارجيّة”، فضلاً عن “سفر” الرئيس المكلَّف، إلا أنّ الأكيد أنّ ثمّة تغييرًا، ولو طفيفًا، رُصِد في الملفّ الحكوميّ، ينبغي البناء عليه، إما للوصول إلى ولادة الحكومة التي قد يكون أوانها فات أصلًا، وإما على طريقة “لحاق الكاذب إلى باب الدار”.
في ذروة الأجواء الإيجابيّة، قد يكون “مفاجئًا” السجال المتجدّد عمّن ينبغي أن يبادر فيتواصل مع الآخر، بين رئيس الجمهورية الذي ينتظر اتصالًا من الحريري “لطلب موعد”، والرئيس المكلَّف الذي ينتظر “إبلاغه” بالتوافق على الحلّ ليعود أدراجه، سجال لا يوحي بأنّ الحلّ وُضِع على “النار”، بالحدّ الأدنى، ورغم كلّ شيء…
المصدر: لبنان 24