الغيمة السوداء فوق لبنان (تعبيرية- حسام شبارو).
المصدر: “النهار-سمير قسطنطين
سُنّة لبنان شكّلوا ظاهرةً في ستّينات وسبعينات القرن الماضي في دعم قضايا العرب. كان التأثير الشيعي في الحياة السياسيّة في لبنان وقتها محدوداً. هذا لم يمنع أن يرأس الحركة الوطنيّة الزعيم الدرزي كمال جنبلاط. السُنّة كانوا عروبيّين أكثر من سائر العرب، منذ رغبتهم في الوحدة مع سوريّا. آنذاك لمَعَ نجْمُ جمال عبد الناصر، فاستقطب السُنّة، وأَسمَتْ الكثير من العائلات أولادَها الذكور والإناث “جمال”، تيمّناً بعبد الناصر. كان الزعيم المصري، وبلا سوشال ميديا، قادراً بخطابٍ عبر “صوت العرب من القاهرة”، أن يُلهِبَ شوارع بيروت. ملأت صوَرُه بيروت أكثر مما ملأت شوارع القاهرة. القضيّة الفلسطينيّة أخذت حيّزاً كبيراً من مشاعر السُنّة اللبنانيّين. لم يجدوا صعوبةً في التماهي مع “أبو عمّار” الذي حَكَمَ بيروت في السبعينات. في الحرب سادت مقولة، حارَ نسبها بين أبو عمار والمفتي حسن خالد، وهي أنّ “الفلسطينيين هم جيش #السنّة في لبنان“.لم تبقَ قضيّةٌ تخص العرب والعروبة من الخليج إلى أقصى العالم العربي، لم يناصرها سُنّة لبنان في عِقْدَي الستّينات والسبعينات من القرن الماضي. مناطق كورنيش المزرعة، ومحيط جامع عبد الناصر، والطريق الجديدة، وشوارع طرابلس، تشهد إلى اليوم على بحّات الحناجر المؤيّدة للقضية الفلسطينيّة وقضايا العرب. بعدها جاء زمن تفتيتِ العالم العربي السنّي إنطلاقاً من إسقاط نظام صدّام حسين في الـ 2003. التفتيت أضعف الأنظمة العربيّة. كان همُّها فلسطين. صار همّها إيران. كانت القضيّة استعادة فلسطين. صارت القضيّة استعادة طُمأنينتهم في صراعهم مع إيران. حتّى الفلسطينيّون أنفسهم غير مختلِفين في العمق على مسار المفاوضات مع إسرائيل بقدر ما هُم مختلفون على فكرة “من يفاوض إسرائيل”، منظّمة التحرير أم حماس. حماس إتّهَمَتْ فتح بالتهدئة مع إسرائيل، فأزالتها من غزّة. لكنّ حماس لا تُطلق طلقة باتّجاه إسرائيل منذ سنوات.التفتيت أضعف الجميع. أوصلَ إلى عالم عربيٍّ إسلاميٍّ ضعيف. أقصى طموح الأنظمة صار محاولة ترتيب أمورها الحياتيّة. لم تعد متلّهية بالاستراتيجي منها. التفتُّت أوصل إلى #التطبيع مع إسرائيل بأيّ ثمن. أعود إلى بيروت والصرخات المدوّية والقبضات المرفوعة. ماذا بقي منها؟ من أجل مَن كانت؟ بماذا يشعر السنّة في زمن اندثارِ القضيّة الفلسطينيّة المُحزِن؟ كيف يدافعون عن زمنٍ كانوا فيه “ملكيّين أكثر من الملك”؟ وأعود إلى الوراء بضع عشراتٍ من السنين وأسأل: مِنْ أجل ماذا تغنّى المسيحيّون بـ “أُمّنا الحنون”؟ تباهوا لسنوات بصداقتهم مع الغرب، لكنّ الغرب في القرارات، أرضى سوريّا حافظ الأسد وخَذَلَهم. ومن أجل مَنْ شكّل الدروز رأس حربةٍ في القتال في سنوات الحرب؟ منظّمة التحرير حليفتُهُم رحَلَتْ عن بيروت، وسوريّا داعمتُهم دخلَت مع المختارة في حالة عداء طويلة وقاسية. وأفكّر الآن بالشيعة. هل يأتي دور خُذلانِهم على قاعدةà chacun à son tour؟ الكُلُّ أخطأ. ليس من بريء في قصّة خراب لبنان. القصّة اليوم تُركِّز على السُنّة لأنّ “الجرح بعدو سخن”. لكنّ الجميع، في زمنٍ ما، “حرق حالو” من أجل الآخرين. لم ينفع.كلامي ليس شماتةً بما حصل وبمن حصل. كلامي دعوةٌ إلى العودة إلى كنف لبنان. ليس بديلٌ من الوطن والدولة القويّة والجيش حامي الجميع. كلّ الانتصارات خارج الوطن وعلى حساب وحدة الوطن وهميّة.