“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
في وقتٍ لم تستفق فيه المنطقة بعد من صدمة الإتفاق الاستراتيجي الإيراني – الصيني، باغت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الوسط السياسي اللبناني بهجمة مرتدّة إتخذَ على إثرها القرار بـ”التوجّه شرقاً”، إذ دعا، عبر مستشاره الإعلامي، إلى قيام سوق اقتصادية مشرقيّة مشتركة تضم كلاً من لبنان، سوريا، الأردن والعراق. وفيما أكدت مصادر متابعة أن خطوة عون “منسّقة، وهي تتخطى مسألة الدعوة نحو الشروع بالمناقشات الجادة وصولاً إلى التنفيذ”، كان لبنان يُتمّم اتفاقه مع العراق حول التبادل الرباعي التجاري – الصحي – الزراعي – النفطي، ثم يتقدّم بإتجاه توسيع الخطوة نحو فتح سوق، تؤكد الدراسات أنها خطوة “إقتصادية ثورية” ذات مردود إيجابي على الدول المعنية بها، بينما كان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يخطو خطوة إلى الوراء، عبر تجاهله جميع الإنفراجات التي طرأت على مسار التأليف، واختياره، في توقيتٍ مستغرب و ملتبس، أن يتوجّه نحو الإمارات العربية المتحدة في زيارة قيل أنها لساعات.
لا يُمكن فصل خطوة الحريري المستجدّة والغير المفهومة الأهداف عن الإرباك الذي سادَ بيت الوسط منذ أن وطأت أقدام رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط قصر بعبدا. من هناك، حفر “البيك” الأمتار الأولى من صيغة “لا غالب ولا مغلوب” مع رئيس الجمهورية، ثم تفاهما سوياً على “إيكال “دفّة تسويقها إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري على أن يُكلّلها ببركاته التسووية، فجعل من المبادرة، ثلاثية الأضلع، ذات أبوّة مشتركة مع أقطاب ثلاث انضمَ إليهم لاحقاً “حزب الله ” بصفة “إستشاري” ليصبح اللاعب الرابع على خط التأليف.
خطوة البيك، وما تلاها من خطوة للحريري بإعلان قبوله “على مضض” السير بتشكيلة 24 وزيراً، لكن بشرط “أن يصدر “إعلان نوايا” مكتوب من بعبدا “يتضمن تخلياً واضحاً لا لبس فيه عن الثلث الضامن”، كما تفيد مصادر محيطة بتيّار “المستقبل”، هو الدليل على “العين الحمراء” التي بات ينظر فيها الحريري إلى جنبلاط، المتهم من قبل بيت الوسط بأنه “المسؤول عن إغتيال الصيغة الثمنطعشية التي سعى إليها الحريري سابقاً، عبر تخلّيه عنها لقاء تسوية مجهولة العناصر أبرمها مع رئيس الجمهورية”.
وفي حين قلّلت أوساط سياسية متابعة من شأن الرسالة المطلوب أن تصدرها بعبدا، على إعتبار أن عون قد سبق له وأن أعلن وفي أكثر من مناسبة، بأنه لا ينوي الاستحواذ على الثلث المعطل، وأن الرئيس “لا يحتاج إلى فحص دم للتأكد من مواقفه عند كل مرّة يُطرح فيها تأليف الحكومة بشكلٍ جدي”، دعت لإجراء “فحص دم للجهة المقابلة، للتأكد من حقيقة نواياها حيال التأليف، في ضوء ما حصل مؤخراً”.
في الشكل، لا يمكن تفسير مغادرة الحريري على الشكل الذي أتى، سوى أنها تستبطن رسالة موجهة إلى كل من عون جنبلاط وبري المطلوب منهم تأمين “الشرط المعضلة” الذي طلبه الحريري، أي نيل بيان تراجع من بعبدا. ثم أنه وفي مقامٍ ثانٍ، يشير إلى أن رئيس الحكومة المكلّف، ما زال أسير الشرنقة السعودية. وعلى ما يظهر في خلفية المشهد بالإستناد إلى التجارب السابقة، أن “رحلة الساعات” إلى الإمارات هدفها الأساس محاولة إستطلاع الموقف السعودي من أبو ظبي، أو توكيل الأخيرة مهمة معرفة موقف الرياض مما يحكى في لبنان عن تشكيلة من 24 وزيراً تتمثل فيها جميع القوى بشكلٍ مستتر، وبالتالي هو ينتظر إبلاغه من قبل أبو ظبي بنتيجة الاتصالات مع الرياض كي يُبادر إلى اتخاذ القرار المناسب حيال التقدم من عدمه، وهو شرط قد يمدّد إقامة الحريري في الربوع الخليجية إلى فترة مفتوحة.
في هذا الوقت، ما زال التدقيق في هوية الحكومة جارياً. صحيح أن الصيغة الحالية هي الأقرب إلى منطق قبول الافرقاء بها، وهي أقرب كذلك إلى الولادة في حال توفّرت النوايا الصحيحة، بالإضافة إلى أن جميع أركان السلطة يؤكدون في مواقفهم، الظاهرة والمضمرة، أن المبادرة الحالية هي أقرب إلى منطق القبول ومدعومة من الأطراف التي تُصنّف عادةً في خانة المعرقلة، لكن الصحيح أيضاً أنها، ومن حيث الشكل والحديث عن المشاركة وطريقة التوزيع، يتبيّن أنها نسخة لحكومة “تكنو-سياسية” واضحة المعالم، أكثر من كونها إختصاصية صرف، كما أرادَ الحريري وتمنّى سابقاً، وربما هذا هو السبب الذي يسعى الحريري إلى نيل الرضى عليه، من الخليج تحديداً، الذي ما برح يرفض مشاركة ليس “حزب الله” فقط في الحكومة، بل الحزب وحلفائه!
وعلى المسار نفسه، ثمة سؤال آخر يحتل بال أكثر من متابع سياسي، مفاده أنه وطالما قد بانت سهولة إنتاج الحلول والدينامية السياسية اللبنانية في إنتاج الأفكار وتسويقها معطوفة على إحتمالات القبول لدى أكثر من مرجع، لماذا إذاً تمّ تعطيل البلد لزهاء الـ6 أشهر سعياً وراء حكومة ثمنطعشية ثبتَ الآن بما لا يحمل على الشك، بأنه لا مجال كي تولد ربطاً بأفضلية السير للحكومات الموسعة؟
في العودة إلى الواقعية، فإن صيغة “لا غالب ولا مغلوب” المتجسّدة في الـ24 وزيراً الموزعة على 3 ثمانات، ما زالت المشاكل تحوم حولها. ولغاية الآن، لم يجد المعنيون بها تفسيراً لطريقة إختيار الوزراء الطرف المسؤول عن توزيعهم، هل هوالرئيس المكلّف أم القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب؟ و “العلقة” تحديداً تحدث في حصّة رئيس الجمهورية، وقاعدة إختيار الوزراء المسيحيين ما زالت مجهولة، فهل سيعود الحريري ويلجأ إلى “لائحة” عون التي كانت في السابق من أسباب إسقاط الصيغة “الثنمطعشية”، أو أن الحريري سيُجالس عون ويبحث معه في الاسماء، أم أنه سيلجأ إلى منطق تبادل الأسماء عبر اللوائح الجوّالة؟
وثمة قضية لا تقل شأناً، على صلة بالمقاعد المسيحية الأربعة المتبقية من حصة الـ24 والتي تمنح المسيحيين 12 وزيراً. هنا، وفي حال منح عون 8 وزراء مسيحيين كما سبق وطلب، وذهب وزيران إلى حصة المردة يصبح العدد 10. الوزيران الحادي عشر والثاني عشر إلى أي حصة سيذهبان؟ وفي حالة إكتفاء الرئاسة + الطاشناق بـ8 وزراء من أصل 12 وترك مقعدين مجهولي المصير وآخر يُمنح إلى “المردة” ذات الكتلة المؤلفة من 4 نوّاب مسيحيين فقط، هل تكون الرئاسة + التيار قد أمّنا تصحيح التمثيل المسيحي في السلطة التنفيذية في ظل بقاء ما نسبته 25% من طبيعية هذا التمثيل، أي ربعه، خارج شورها السياسي؟