عودة مصر (1): خروج الفرعون من القلعة

محمد بركات – أساس ميديا-الجمعة 02 نيسان 2021

إذا أردنا تحقيب الدور المصريّ في الإقليم، فسنكون مجبَرين على الركون إلى تاريخ محدّد، يكون بداية القياس والتشبيه. ولأنّ لبنان الجديد وُلد ذات 14 شباط، من رحم حريق التفجير الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري، فلنبدأ من هناك، لنرصد سيرة خروج الفرعون من قلعته الكبيرة، إلى محيطها الإقليمي.

في 2005، حين عبر المشروع الإيراني من وسط بيروت، حاملاً معه رفيق الحريري، كان عمر الرئيس المصري حسني مبارك 77 عاماً. شاخ في الحكم بعد 25 عاماً رئيساً، وبالطبع شاخت معه نظريّاته السياسية، وشاخت سياسته الداخلية. وكانت مصر – مبارك “مُحافِظة”، منغلقة على نفسها، تحاول صيانة “الاستقرار”. وهي الكلمة التي لم تغِب عن أيّ من خطابات مبارك. فقد كان الاستقرار إنجازه الأكبر، وسقط مع سقوطه.

لكن بين العامين 2000 و2010 كانت مصر تغلي. يروي أحد الضليعين بشؤون الأدب والفنّ، أنّ هذا العقد شهد “فورة روائيّة” غير مسبوقة. فقد كان النتاج الروائي السنوي يعادل نتاج عشر سنوات من الروايات في العقود السابقة. وهذا يعني، في ما يعنيه، أنّ الشباب كان “يُناقش” و”يقترح”. فالأدب مرآة المجتمع. ومصر – المدن كانت تغرق في الروايات المعترضة والتي تفكّك حرائق المجتمع وتنبىء بالانفجار.

مع الغليان الروائيّ، كان الغليان ينتشر في النقابات وبدأت الطبقة الوسطى، التي صنعها “الاستقرار”، تتحرّك على فوالق الزلازل التي أخذت تضرب المنطقة منذ 11 أيلول 2001 إلى احتلال العراق وأفغانستان، وصولاً إلى حريق البوعزيزي، في تونس القريبة… وسرعان ما وصل الحريق مطيحاً “استقرار” مبارك وحكمه.

وكما الهرم، كذلك هي “الدولة العميقة” في مصر. يسقط الرأس، فلا يتأخّر موظف عن دوامه في اليوم التالي. تسير ساعة الدولة بثبات تاريخيّ، ولا يسقط “الجنيه”، كما حصل في لبنان على سبيل المثال.

شهدت مصر موجتين ثوريّتين بين 2011 و2013. غيّر المصريون 4 رؤساء في ثلاث سنوات، خامسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أعاد “الاستقرار” إلى مصر منذ 2014. أربعة رؤساء يشبهون الحجر الأخير على رأس الهرم. ولا يتأثّر الهرم.

سبع سنوات على حكم الرئيس السيسي حتّى اليوم. استعادت مصر خلالها توازنها في الداخل. ثبّتت الجنيه بعد تعويمه. نهض الاقتصاد. وها هو السيسي يبني عاصمة ثانية، إدارية، على بعد 75 كليومتراً من القاهرة، بكلفة 300 مليار دولار…

سريعاً، خلال عام واحد فقط من رئاسته، اكتشف الرئيس السيسي أنّه لحماية القلعة المصرية، لا بدّ من الخروج منها. كأنّه اقتنع بنظرية المفكّر الجيو – استراتيجي جمال حمدان، الذي كان يقول إنّ مصر لم تنتصر في حرب داخل أرضها، ولم تنهزم في حرب خارج أرضها.

وبعدما كانت الدولة المصرية تتعافى من عام كامل من محاولات “الأخونة”، خرجت طائرات الجيش المصري لتدكّ معاقل الإرهابيّين في ليبيا في 2015، معلنةً خروج الفرعون من القلعة.

منذ تلك اللحظة، أدركت “الدولة العميقة” في مصر أنّ الأمن القومي المصري لا يبدأ في ميدان التحرير، ولا ينتهي في قناة السويس، بل يبدأ من ليبيا، ويمرّ في العراق، والأردن، والعلاقات المميّزة مع الإمارات والمملكة العربية السعودية، ولا ينتهي في سوريا، وصولاً إلى لبنان.

رسمت مصر، منذ 2015، وصولاً إلى حزيران 2020، حدودها في الإقليم. في 6 حزيران الفائت، بدأ رئيس مصر في رسم الخطوط الحمر من حول قلعته: “مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجويّة في ليبيا خطّ أحمر لأمننا القوميّ”. وفي 30 آذار 2021 رسم خطّاً جديداً: “المساس بمياه مصر خطّ أحمر”، وأضاف مهدّداً: “من يأخذ نقطة مياه من مصر يسبِّب حالة عدم استقرار في المنطقة لا يتخيّلها أحد. ولا يتصوَّرَنَّ أحدٌ أنّه سيكون بعيداً عن قدرتنا”.

هكذا بدأت مصر بالخروج من الانكفاء، إلى محيطها، وإلى دورها الإقليمي الذي أخذها ذات تاريخ، مع الرئيس جمال عبد الناصر، لتكون مبشّرة بالعروبة والوحدة العربية ولتكون قائدة العرب وبوّابتهم إلى المستقبل، وصنعت تاريخهم الحديث، من الجزائر إلى اليمن وسوريا وصولاً إلى لبنان…

 

كتب ياسر علوي في “الشروق”: أسطورة «مصر أولًا»: الدور الإقليمى ليس صدقة جارية

في الحلقة الثانية غداً: هل يولد مشروع عربيّ في القاهرة؟

Exit mobile version