باختصار، المطلوب حكومة “ذات مصداقية” لإخراج لبنان من أزمته، هذا ما أكد عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان انطلاقاً من تشديدهما المشترك على وجوب أن تكون “حكومة قادرة على تنفيذ خريطة الطريق للإصلاحات المطلوبة”، باعتبار تشكيلها وفق هذه المواصفات “شرطاً لحشد مساعدة طويلة الأمد”… لكن فعلياً، ما يبدو طويل الأمد على أرض الواقع في البلد، هو تعنّت الطبقة السياسية الحاكمة وإصرارها على إفقار اللبنانيين وإذلالهم وقطع الطريق أمام أي يد عربية أو دولية تمتد لمساعدتهم.
أصبح لبنان، عملياً، بمثابة “طائرة مخطوفة” أوشك وقودها على النفاد لكنّ ربّانها يرفض الهبوط بركابها قبل أن يضمن تحويل فدية “الثلث المعطّل” إلى رصيده الوزاري… وعلى ذلك لا تزال المفاوضات الجارية لتحرير الرهائن اللبنانيين عالقة عند مربع تقاذف الشروط والمسؤوليات، بين “التيار الوطني الحر” ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، إلى درجة بدا معها “التيار” بالأمس كمن يسابق المكتب الإعلامي للحريري في إعلان نبأ سفره، من باب التصويب على مسؤوليته في تعطيل ولادة التشكيلة الوزارية، الأمر الذي اعتبرته أوساط “بيت الوسط” تحويراً لجوهر الموضوع وتهرباً من مواجهة الحقائق، فالحريري غادر في “رحلة عمل سريعة وهاتفه في جيبه، وإذا استجد أي معطى جدّي للتشكيل، لا تحتاج المسألة إلى أكثر من “تلفون” وهو جاهز للعودة فوراً لتوقيع المراسيم”.
وإذ تؤكد أوساط مواكبة للملف الحكومي أنّ الرئيس المكلف يبدي جهوزية للتأليف “أمس قبل الغد” بدليل تقديمه تشكيلة وزارية متكاملة من الاختصاصيين، ومحاولاته الدؤوبة لتدوير الزوايا مع رئيس الجمهورية على مدى 18 لقاء بينهما، تشير الأوساط في المقابل إلى أنّ “المشكلة الحقيقية لم تعد في مغادرة الحريري أو عودته، إنما في كون رئيس الجمهورية ميشال عون يبدو وكأنه “هون ومش هون” في ظل تسليمه مقاليد القرار الرئاسي في قصر بعبدا إلى جبران باسيل، مسلّماً تسليماً تاماً بشرط استحواذه على “الثلث المعطّل” في التشكيلة الوزارية العتيدة، وهذه هي العقبة الأساس التي لا تزال تجهض المبادرات وتمنع التأليف”، مشددةً في ما يتصل بمبادرة “الـ888” التي يرعاها رئيس مجلس النواب نبيه بري على أنها “ما زالت تصطدم بهذه العقبة، في ظل تمنّع باسيل عن إعطاء ضمانة صريحة بالتخلي عن شرط “الثلث المعطل” لإطلاق عجلة توسيع التشكيلة الحكومية إلى 24 وزيراً وفق صيغة لا تمنح أي طرف القدرة على تعطيل قرارات مجلس الوزراء”.
وبينما البلد ينهار وتتآكل مقدراته على مذبح ذهنية التحاصص المستحكمة والمتحكمة بمفاصل الدولة تحت إدارة سلطة 8 آذار، لم تتوانَ هذه السلطة حتى عن تحويل ثروة لبنان النفطية إلى “مشاع” مستباح شمالاً وجنوباً، وفق تعبير مصادر معارضة، موضحةً أنّ تلزيم الجانب السوري عمليات المسح والتنقيب عن الغاز والنفط لشركة “كابيتال ليمتد” الروسية، فضح مستوى “التواطؤ الرسمي اللبناني من خلال التعامي عن واجب ترسيم الحدود لحفظ حقوق اللبنانيين النفطية في البلوكات المتداخلة مع المياه اللبنانية قبالة ساحل طرطوس بواقع مساحة 750 كلم²”.
أما في الجنوب، فيطغى “التخبط” على أداء قوى 8 آذار في ظل “التناحر الحاصل بين أركانها حول مسألة المساحة التفاوضية مع إسرائيل بين 860 كيلومتراً مربعاً و2290 كيلومتراً مربعاً”، وتنقل المصادر أنّ الأمور لا زالت عالقة عند “احتدام الكباش حول مسألة تعديل المرسوم رقم 6433 بين قصر بعبدا وعين التينة”، مشيرةً إلى أنّ “عون يعتبر أن توسيع رقعة المساحة التفاوضية مع الجانب الإسرائيلي من شأنه أن يعزز موقع لبنان التفاوضي، بينما يعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ ذلك من شأنه الإطاحة باتفاق الإطار الذي أبرمه مع الجانب الأميركي وبحقوق لبنان النفطية كلها، لا سيما وأنّ استمرار المراوحة في الملف يؤدي في نهاية المطاف إلى بدء إسرائيل بعمليات التنقيب بمعزل عن الحقوق اللبنانية”.
وتحت وطأة الضياع الحاصل في إدارة ملف الترسيم البحري، يستمر تقاذف كرة المسؤولية بين رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ووزيرة الدفاع زينة عكر ووزير الأشغال ميشال نجار حيال مسألة توقيع المرسوم، بحيث يشترط دياب أن يوقعه كل من عكر ونجار قبل أن يصل إليه لتوقيعه، بينما ترى عكر وجوب أن يحظى بتوقيع رئيس الحكومة قبل توقيعها. وكشفت المصادر أنّ الفريق العوني يحمّل رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية مسؤولية مباشرة عن امتناع وزير الأشغال عن توقيع المرسوم لأنه “ماسك واجب” مع بري، معربةً عن اعتقادها بأنّ “هذا التخبط في الأداء على مستوى السلطة سيستمر طالما بقي “حزب الله” واقفاً موقف المتفرّج إزاء التجاذب الحاصل بين حليفيه عون وبري، من دون أن يتدخل لفضّ النزاع الحدودي المحتدم بينهما”.