قانون ليوم القيامة

نبيه البرجي-الديار

لا داعي لكي يقول لنا أصحاب السعادة النواب «أيها اللبنانيون الحمقى». لو لم نكن كذلك، هل كنا نعيد انتاج تلك الأوليغارشيا، دورياً، في صناديق الاقتراع ؟

كلود غيان، المستشار السابق في الاليزيه، قال لصحيفة «لوباريزيان» «لكأن لبنان المغارة المضاءة بالثريات!».

ما من لبناني، مهما بلغت حماقته، أن يتصور امكانية استعادة قرش واحد من ذلك المال. هذا القانون صيغ ليكون جاهزاً يوم القيامة، مع أن لذلك اليوم تشريعاته الخاصة. أي قاض، أي دركي، يستطيع أن يدق على باب أي من قصور ملوك الطوائف ؟

هؤلاء فوق المساءلة، وفوق المحاسبة. لا فارق بين أنصاف الآلهة وأنصاف الديناصورات في ادارة المغارة. فساد يفوق الخيال البشري . خبراء صندوق النقد الدولي يتحدثون عن «الشيزوفرانيا الراقصة» لدى أركان الطبقة السياسية. في الضوء يرتدون وجوه الملائكة. وراء الضوء وجوه الذئاب.

ماذا يتبقى من المال المنهوب (الدم المنهوب) اذا بقي ملوك الطوائف مثل امرأة القيصر فوق الشبهات. ضباط وقضاة، ومديرون عامون، ضالعون، والغون، في الفساد، وهم القهرمانات، وهم الجواري، في خدمة السلطان، دائماً على شاكلة … فيفي عبده.

برنار ايميه، رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية، والسفير السابق في بيروت، الذي كان من كبار الداعين الى فرض عقوبات على شخصيات لبنانية، عاد وأودع الرئيس ايمانويل ماكرون، وبحسب ما نقل الينا زميل يعمل في باريس، ملاحظات يستشف منها أنه مثلما الشخص في البلدان العربية هو الدولة، وهو النظام، الشخص في لبنان هو الطائفة، وهو الكاهن الأكبر…

هكذا، أي مسّ بالشخص، ولو كان بمواصفات قطاع الطرق، هو مسّ بالطائفة المقدسة.

البعض يعتبر أن رئيس الجمهورية، وأوراق الروزنامة تتساقط كما أوراق الخريف، انما يطلق النار على قدميه. وهذه هي حال الرئيس المكلف. والواقع أن الرجلين، باصرارهما على توسيع الهوة، انما يطلقان النار على رؤوس اللبنانيين ما دامت اللعبة تتجاوزهما، وما دام الدور يقتصر على اللعب في زاوية المسرح.

هل يبرر ذلك ما يتناهى الينا من بعض المستشارين، وجلّهم بالطرابيش العثمانية، من أن لبنان، مثل دول المنطقة، داخل الدوامة، في ضوء التلاطم الدولي ؟ لا مجال البتة لأي خطوة سوى الانتظار أكان ذلك على الكرسي الكهربائي أم كان على حبل المشنقة.

الكلام عن التدويل، أو عن الحياد، كلام في الوقت الضائع في هذه الجمهورية التي باتت على شاكلة «الضيعة ضايعة». المشكلة الأساسية ليست في التبعثر على خطوط التماس، وما أكثرها في المنطقة، وانما في كون الفساد هو اللعنة الكبرى في بلد يعاني من الاعتلال السياسي، ومن الاعتلال المالي والاقتصادي. هل للتدويل أو للحياد أي دور في الحيلولة دون الدولة والانفجار.

التدويل مستحيل في ذروة الصراع الدولي. الحياد أيضاً، ودون أن يكون هناك من مؤشر على امكانية تحويل الشياطين الى ملائكة. الفساد (فسادنا كلنا) هو بلاؤنا العظيم. حين دخل الرئيس رفيق الحريري الى السراي الحكومي. كان يعرف الداء والدواء.

اشترى رؤسات جمهوريات، الزوجات الفارهات أيضاً، ناهيك عن المقامات السياسية والمقامات الدينية. أمامي شعرت مرجعية دينية بالفجيعة لأنها نصحت بعدم تقبل سيارة مصفحة بمبلغ 150000 دولار حتى لا يتم تصفيح هذه المرجعية وربطها بالمرجعية السياسية.

الأوساط الفرنسية أوحت، أكثر من مرة، بأن ايمانويل ماكرون يزمع «تفجير القنبلة»، أن يكشف للرأي العام اللبناني أرصدة العشرات من أركان السلطة وأزلامهم في المصارف السويسرية، وغير السويسرية.

هنا يتردد، ديبلوماسياً، أن الولايات المتحدة حذرت من نشر أي معلومات تتعلق بشخصيات سياسية، وحزبية، معروفة بارتباطها بالخط الأميركي. متى لم تكن الادارات المتعاقبة عرابة الدمى المرصعة بالوحول ؟

لا تغيير في متحف الشمع، لتبقى الجمهورية جنة الحمقى. من زمان وهي … جنة الحمقى!!

Exit mobile version