تحقيقات - ملفات

من يعبث بالمرسوم 6433؟

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

البحث جارٍ عمّن نبشَ موضوع الترسيم البحري مع سوريا وأسقطه على مسرح الأحداث الآن وهو موضوع قابل للحل متى قرر لبنان ذلك! هنا، يصلح القول أن ما جرى، وفي ظل الحملة المنظّمة التي واكبته وما تزال، يُعدّ عملاً مقصوداً عطفاً على التوقيت الذي أثير فيه والذي يتزامن والخوض في ورشة تعديل المرسوم رقم 6433 ، الذي يُحدّد المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة لناحية إدخال تعديل يشمل ضم 1430 كيلومتراً بحرياً مربعاً تقع إلى الجنوب من النقطة رقم 23 جنوباً.

النزاع السوري ـ اللبناني على الحدود البحريّة قابل للحل السريع متى جلس الطرفين على طاولة المفاوضات التقنيّة، لذا، لا يُمكن إعفاء تهمة “القوطبة” هنا، وإلّا، لماذا تم تكبير هذا الموضوع بهذا التوقيت بالذات وتقصّد إثارة موضوع ترسيم الحدود مع سوريا في ظل الورشة التي شرع لبنان بها تجاه حماية حقوقه المستولى عليها من الجانب الاسرائيلي؟ والذي يثير علامات الاستفهام أكثر، أن هذا الملف وبكل ما فيه وعلى الرغم من أن غماره تُخاض منذ زهاء 5 أشهر، لم يؤمّن طوال كل تلك المدّة متبرّعاً سياسياً واحداً يتولّى مؤازرته ولو ببيان! عند هذه النقطة، ثمة من يعتقد -وهذا حقه- أن المسألة وطريقة إثارتها، تحمل على الظن بوجود نوايا تجاه تشتيت الأنظار عن القضية الاساس، عبر خلق متفرّعات مقابلها أو حرف الأنظار عنها، مع العلم، أن دمشق بخلاف تل أبيب “العدوة” ليست متمنّعة ولم تكن كذلك حيال الجلوس مع الطرف اللبناني على طاولة واحدة والإتفاق على خط واحد وثابت.

وكما يجري العبث في الملف البحري مع سوريا، كذلك يحصل في موضوع المرسوم المُقترح تعديله حيال الحصّة الجنوبية. وما زالت المرجعيات السياسية حتى هذه اللحظة تتقاذف كرة النار بين بعضها، من دون أن يجرؤ أحد على إمساك المرسوم وبتّ أمر تعديله. قبل أيام ذكرنا في مقال سابق أن وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر “تحتجز” المرسوم لديها في مسعى منها لتأمين التوافق عليه، إلا أنه وللانصاف، ظهر أن عكر ليست المسؤولة عن رفع اقتراح المرسوم المعدل بل تنحصره مهمتها في إعداده، سنداً إلى رأي هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل، إذ يتبيّن وبحسب معطيات “ليبانون ديبايت” أن وزارة الخارجية بشخص الوزير شربل وهبة، بعثت بكتاب إلى وزارة العدل بتاريخ 12 شباط 2021 حمل الرقم 359/د طلب إستشارة لإبداء الرأي في 3 أمور:

من هو الوزير المختص بإعداد المرسوم وتوقيعه؟

من هم الوزراء الذين يستوجب عليهم توقيعه؟

ما هي إمكانية إصدار هكذا مرسوم بصورة إستثنائية في ظل حكومة تصريف الأعمال؟

وصل الطلب إلى وزارة العدل بتاريخ 15 شباط 2021 وأُودع مكتب الوزيرة تحت الرقم 62/أ ت. بعد 3 أيام جاءت الإجابة على الطلب، أي بتاريخ 17 شباط 2021، عبر إستشارة حملت الرقم 87/2021، حيث خلصت الهيئة إلى اعتبار أن المرسوم التعديلي للمرسوم 6433/2011 ،”يجب أن يُبنى على اقتراح كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير الأشغال العامة والنقل، كون المرسوم المنوي تعديله قد صدر بناءً على اقتراحهما ويحمل توقيعهما، بالإضافة إلى وزير الدفاع نظراً للدور الهام الذي يقوم به الجيش اللبناني في ترسيم حدود المياه الاقليمية اللبنانية والمنطقة الاقتصادية الخالصة”، مضيفة أن “الهيئة ترى أن إعداد المرسوم يجب أن يتم من قبل الوزارة”. مع ذلك، فإن الإستشارة الصادرة عن الهيئة، لا تُعفي وزيرة الدفاع أقلّه في جزء من المسؤولية، نظراً لكونها جمّدت نص المرسوم المعدّل لديها رغم ورود نتيجة الإستشارة إليها بتاريخ شباط 2021، وإيداع قيادة الجيش لديها لوائح إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمنطقة البحرية الجنوبية بموجب كتاب حمل الرقم 2320/ع م/أ س تاريخ 4 آذار 2021. وبدل تصحيح الخطأ بإرسال إقتراح المرسوم المعدّل فوراً إلى رئاسة مجلس الوزراء، حفظته مدة عشرين يوماً، لتعود وترسله إلى السراي بتاريخ 23 آذار 2021. وذريعة التأخير أن عكر، كانت تحاول تأمين تفاهم سياسي ليُصار إلى معالجة الموضوع بهدوء ورويّة وتأمين التوافق عليه، وحال تأكّدها من عدم وجود أي إمكانية لذلك، تركت القضية لتسلك مسارها الطبيعي، وهو بنظر مراقبين أسهم في تورطها في مسؤولية التأخير بطريقة أو بأخرى.

المثير للريبة في كل المسار، هو ما حصل في السراي. وبحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، بادرت رئاسة مجلس الوزراء إلى ردّ اقتراح المرسوم إلى وزارة الدفاع بذريعة أن الوزيرة لم توقّعه، مع العلم أن هيئة الاستشارات وضعت بعد اطلاق وزير الاشغال العامة والنقل لإقتراح التعديل الذي يجب أن يصدر من قبله كما هو الحال في المرسوم الاساسي. فلماذا يعمل رئيس الحكومة على تضيع الوقت وهو يعلم أن بدء استخراج الغاز من حقل “كاريش” أصبح قريباً جداً، وبعدها لا ينفع تعديل المرسوم ولا ينفع الندم. هل يعلم رئيس الحكومة أن نجّار، ومعه الوزير سليمان فرنجية يتبنّيان وجهة نظر رئيس مجلس النواب نبيه برّي الرافضة لتمرير أي تعديلات على المرسوم المذكور، وبالتالي يرد الكرة إلى وزيرة الدفاع لمسايرة الرئيس برّي والوزير فرنجية على حساب الشعب اللبناني؟

وبينما يراوح المرسوم مكانه، يتعامل الساسة معه بطريقة الهروب إلى الأمام من دون أن يجرؤ أي منهم على التقاط المرسوم وتبنّيه والسير به إلى نهاياته المفترضة، وهو ما يعيد تعزيز الشكوك حول وجود صلة لضغوطات تمارسها السفيرة الاميركية وغيرها، ربطاً بالزيارات التي رُصدت خلال الأسبوعين الماضيين، وعملاً بمبدأ غياب المصلحة الاميركية في إتاحة الفرصة للبنان كي يوسّع حدوده حيث يُفترض أن تكون.

والغريب، أن رئيس الحكومة المستقيلة الذي طلب سابقاً إستشارة من مجلس النواب لتفسير حدود تصريف الأعمال لحكومته، وردته نسخة شبيهة لكن من هيئة التشريع والاستشارات، ربطاً بالطلب المقدّم حول تفسير أصحاب الصلاحية في التوقيع على مرسوم تعديل المرسوم 6433، خوّلته التوقيع على نص مرسوم التعديلات بصفته رئيساً. مع ذلك تجاهل خلاصة الإستشارة، ويرفض لغاية تاريخه إدراج توقيعه على المرسوم إلاّ بحالة واحدة: “تأمين التواقيع المطلوبة من الوزراء الآخرين”، في مخالفة صريحة تسهم في تعطيل قوننة حقوق لبنان في البحر. وفي ظل تآكل المهل حتى أيار، يُصبح دياب كما غيره في دائرة الاتهام.

عملياً، يمثّل دياب، إلى جانب وزير الاشغال وغيرهم من المرجعيات السياسية سيّما من يُشهر منهم رفضه توقيع المرسوم، جهات مسؤولة، في حال سقط مشروع التعديل وبالتالي طارت 1430 كلم2 بحري من حقوق لبنان، ومعها حقل غازي كبير في البلوك رقم 9 يُقدّر بمليارات الدولارات يمتد إلى ما بعد الخط 23 تمتنع حالياً شركة “توتال” الحفر فيه خوفاً من قبول لبنان بالخط المذكور حيث يصبح حقلاً مشتركاً مع العدو الإسرائيلي، وبالتالي سوف يعمل إلى عرقلة العمل فيه كما يفعل حالياً مع حقل “أفروديت” القبرصي الذي يقع 5% منه فقط في المياه “الإسرائيلية”.

هنا، لا ريب في تحميل كل هؤلاء وفوقهم سلطة سياسية قائمة، مسؤولية التفريط في حقّ لبناني صريح، يصبح عندها لا مجال للشك، بأن الأجيال المقبلة، وحين تعلم وتقرأ عن المسؤولين عن تطيير هذا الحق، فإن أقلّ فعل ستُقدم عليه هو لعنهم في قبورهم سوياً وإلى جانبهم كل متخلٍ متخاذل عن حق مشروع بيع بثمن بخس لقاء عدم زعل فلان أو فلان. فكيف يتم تسخيف الموضوع بالخلاف على من سيوقّع المرسوم قبل الآخر، هل يستطيع الرئيس دياب أن يتحمّل بأن يذكره التاريخ أنه وفي ظل حكومته لم يستطع إدارة توقيع مرسوم، مما أدى إلى خسارة لبنان خُمس مساحته في البحر ومعها مليارات الدولارات التي نحن وأجيالنا القادمة بأمس الحاجة اليها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى