جوزيف حبيب-نداء الوطن
أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وثيقة “الدليل الإستراتيجي الموَقت للأمن القومي” الأميركي بداية شهر آذار، تكشف فيه توجّهاتها العامة حول سياسة الأمن القومي ومرتكزاتها وأولويّاتها في سياستها الخارجية، والخطوط العريضة للتحدّيات العالمية التي تُواجهها بلاد “العم سام”. وللحديث أكثر عن “الدليل الإستراتيجي” والأزمة اللبنانية كان لـ”نداء الوطن” حوار مع السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، التي أضاءت على جوانب مهمّة من “الدليل الإستراتيجي”، إضافةً إلى ملفات لبنانية شائكة.
خلال استرسالها في الحديث عن “الدليل الإستراتيجي الموَقت للأمن القومي”، أوضحت شيا أنّه بمثابة “خريطة طريق في الوقت الحالي”، وهو “وثيقة مهمّة تُحدّد من ناحية القيم التي تُريدنا إدارة بايدن أن نسترشد بها”، ومن ناحية أخرى “الأولويات الرئيسية”، وقالت: “في أعلى لائحة القيم، اعترافنا أن قيمتنا تكمن بأنّ الولايات المتحدة مؤسّسة على الديموقراطية، والحرص على أن كلّ ما نقوم به في سياستنا الخارجية واستراتيجيّتنا للأمن القومي يستند إلى هذا الأمر”، مشيرةً إلى أنّه “شعار جيّد لنا” و”يؤدّي إلى تداعيات تُساهم بإعادة البناء بشكل أفضل”، و”هذا يطال لبنان أيضاً ما يجعله محظوظاً نظراً للأزمة التي يمرّ بها”.
واعتبرت السفيرة الأميركية أن “الدليل الإستراتيجي” يجعلنا نعترف بالقيود الموجودة، إذ إن “الولايات المتحدة لا تستطيع إصلاح كلّ شيء بمفردها”، بحيث يجب علينا أن نكون كأميركيين “مواطنين دوليين صالحين” و”الإستفادة بأفضل الطرق الممكنة من المنظمات الدولية والتحالفات التي لدينا”، الأمر الذي يبرز بوضوح أن هذا ما سنقوم به.
وأشارت أيضاً إلى أن “الدليل الإستراتيجي” يذكر على سبيل المثال الجائحة العالمية التي يتعامل معها الجميع، و”حقيقة أنّنا عدنا للإنخراط بالعمل مع منظمة الصحة العالمية، التي تُعتبر واحدة من المنظمات الدولية الأساسية”، والأمر لا يقتصر على هذا فقط، “بل نُساهم مالياً بشكل سخي”، إذ من البداية “ساهمنا بمليارَيْ دولار للمساعدة في مكافحة “كوفيد” عبر آلية “كوفاكس”، وهناك مساهمة أميركية ثانية مرتقبة بمليارَيْن إضافيَيْن”، لافتةً إلى أنّه “لا شك بأنّ بعض اللقاحات التي دُفِعَ ثمنها من أموال دافعي الضرائب الأميركيين تصل إلى لبنان”.
وبينما ذكرت أن “الدليل الإستراتيجي” يسعى إلى حماية الشعب الأميركي بطبيعة الحال، هذا فضلاً عن توسيع رقعة الإزدهار الإقتصادي وإتاحة الفرص، شدّدت على أن هذا الأمر “يشمل الأميركيين وشركاء الولايات المتحدة”، معتبرةً أن “هذا على صلة بما يحصل الآن مع لبنان”. وبحسب شيا، فإنّ “الدليل الإستراتيجي” يكشف أيضاً أنّ “هناك جهات تُريد تهديد مصالحنا”، ما يدفعنا للسعي إلى “عدم إعطائهم القدرة على القيام بذلك”، إضافةً إلى ترويجه “لنظام عالمي حرّ ومفتوح الذي يستطيع الجميع الإستفادة منه”.
“ردع العدوان الإيراني”
وفيما يُغطّي “الدليل الإستراتيجي” معظم الملفات الأساسية حول العالم، كما أوضحت شيا التي شدّدت على أن “إدارة بايدن تُريد ردع العدوان الإيراني، أينما كان في العالم، ومن ضمنها هنا”، يتناول كذلك التهديدات للأمن العالمي والأمن الإقليمي. وذكرت السفيرة الأميركية أنّه رغم إشارة “الدليل الإستراتيجي” إلى العمل مع الحلفاء والشركاء لاتباع المبادئ الديبلوماسية لمعالجة البرنامج النووي الإيراني، فإنّه في الوقت عينه يتطرّق إلى الأنشطة (الإيرانية) الأخرى المزعزعة للإستقرار، مؤكدةً لبعض الذين يقلقون في لبنان من أنّ إدارة بايدن تصبّ تركيزها فقط على الملف النووي، أنّ “الدليل الإستراتيجي” يتناول معالجة الطموحات النووية لطهران ودورها المزعزع للإستقرار في المنطقة على حدّ سواء، و”هذا أمر مهمّ جدّاً”.
وتابعت شيا متحدّثةً عن الأهمية التي يوليها “الدليل الإستراتيجي” لقضية التغيّر المناخي، المهمّة بالنسبة إلى إدارة بايدن، لافتةً إلى أنّها شاركت بالأمس في اتصال ضمّ أيضاً سفراء من حول العالم، مع المبعوث الرئاسي الأميركي حول المناخ جون كيري، الذي يأخذ هذه القضية على محمل الجدّ، وأكدت أن “الولايات المتحدة ستسعى لاستغلال كلّ الفرص المتاحة لمكافحة التغيّر المناخي”.
“الفساد يأكل الديموقراطية”
وفي هذا الإطار، قالت السفيرة الأميركية: “هنا في لبنان وفي بيروت، حيث دُمّر جزء منها في 4 آب الماضي، هناك فرصة، واليوم شاركت في اجتماع مع رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب والأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بحيث نحن مع متبرّعين آخرين نعمل لإيجاد طرق لجذب مواردنا لمساعدة لبنان للتعافي والإصلاح وإعادة البناء”، معتبرةً أنّه لضمان فعل ذلك بطريقة حكيمة يجب علينا الاعتماد على فكرة تكنولوجيا المباني الخضراء، “ما سيكون جيّداً للبنان وجيّداً للبيئة”.
كما لفتت في سياق حديثها عن لبنان إلى أن الفساد “يأكل” الديموقراطية، وبما أن الفساد ينخر لبنان يُدرك الجميع أنّه يجب محاربته، لكن يبقى السؤال “كيف؟”، مشدّدةً على أنّه “من الضروري القيام بذلك لإعادة الثقة بالإقتصاد المنعدمة حالياً في ظلّ استمرار الانكماش الاقتصادي”.
وحول ما إذا كانت أي تسوية جديدة بخصوص الملف النووي الإيراني ستنعكس على علاقة واشنطن بـ”حزب الله”، أوضحت شيا، التي فضّلت عدم الغوص في الفرضيات المستقبلية، أن “موقفنا من “حزب الله” لم يتغيّر”، معبّرةً عن أملها في أن يكون هناك تغيير في طريقة مقاربة الأمور في المنطقة، ولافتةً إلى أن المبعوث الأميركي إلى إيران يعمل عن كثب في هذا الشأن، وشدّدت كذلك على أن “المجتمع الدولي لن يتساهل مع الأفعال التي تتسبّب بزعزعة الإستقرار في المنطقة”.
تشكيل حكومة
في ما يتعلّق بالجهود الأميركية التي تدفع في اتجاه تشكيل حكومة في لبنان بأسرع وقت ممكن، فأوضحت شيا أن اللبنانيين يحتاجون إلى حكومة جديدة فاعلة لكي تستطيع إنقاذ الإقتصاد، مشيرةً إلى أنّها تُعيد الإضاءة على ما يُريده كثيرون في لبنان، إذ إن “تشكيل حكومة يُعتبر الخطوة الأولى نحو بدء مسيرة تطبيق الإصلاحات”، على أن تكون حكومة ملتزمة ومصمّمة على تطبيق الإصلاحات الضرورية، وفق شيا. كذلك، أملت السفيرة الأميركية في أن تستكمل الطبقة السياسية مشاوراتها لايجاد طريقة تستطيع من خلالها التخلّي عن بعض المطالب للنجاح بتشكيل حكومة جديدة، وذلك بالتزامن مع “معرفة أي نوع من الإصلاحات يجب البدء بتطبيقها حالياً”، إذ إن بعضها “لا يحتاج إلى تشريعات وبعضها الآخر تمّ تحضيره من قبل الحكومة الحالية”. ورأت أن هناك أشياء يجب القيام بها لوقف النزيف المالي الحاصل، معتبرةً أنّه كلّما تمّ الأسراع في القيام بما يجب القيام به، كلّما تمكّنا من انقاذ الإقتصاد بشكل أسرع.
العقوبات على المسؤولين
وبخصوص العقوبات التي طالت بعض المسؤولين في لبنان، أوضحت شيا أن العقوبات هي وسيلة معتمدة في السياسة الخارجية والأمن القومي، مشيرةً إلى أن واشنطن تُركّز في هذا الإطار على المنظمات الإرهابية وداعميها ومموّليها. لكنّها لفتت إلى تطبيق قانون “ماغنيتسكي”، الذي يتناول “ملفات الفساد الخطرة”، السنة الماضية في لبنان، بحيث تمّ وضع النائب جبران باسيل على لائحة العقوبات على هذا الأساس، مذكّرةً بأنّ وزيري الخارجية والخزانة آنذاك أشارا إلى علاقته بـ “حزب الله”. وتابعت: “الهدف من تلك العقوبات، التي قطعنا شوطاً كبيراً لتحقيق الهدف منها، هو أن نُبرهن أن هناك كلفة يجب دفعها عن سياسات وتصرّفات معادية لمصالح الشعب اللبناني”، لافتةً إلى أن الكثير من اللبنانيين يُطالبون بمزيد من العقوبات في هذا الإتجاه.
وحول احتمال فرض الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي عقوبات تستهدف شخصيات لبنانية، فضّلت السفيرة الأميركية عدم استباق الإجراءات التي قد تتّخذها الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، كاشفةً في الوقت ذاته أن هناك محادثات عن احتمال فرض ضغط إضافي في هذا الصدد. وفيما تحدّثت عن سياسة “العصا والجزرة” في مقاربة السياسة الخارجية الأميركية، لفتت إلى وجود حوافز كبيرة تتعلّق بمساعدات بمليارات الدولارات موعود بها لبنان في حال بدأ يُعالج كلّ المشكلات التي أغرقت اقتصاده في الحالة المرعبة الحالية. وأردفت: “بدل التكهّن إن كان سيكون هناك عقوبات جديدة أم لا، أو شكل تلك العقوبات، نأمل في أن مزيجاً من الضغوط والحوافز قد تدفع بالذين لديهم السلطة بالذهاب بلبنان إلى حيث يجب أن يكون”.
المساعدات الأميركية
في ما يتعلّق بأهميّة المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، عبّرت شيا عن فخر الولايات المتحدة بالاستثمار في الجيش اللبناني، مشيرةً إلى الشراكة القوية بين الجيشَيْن الأميركي واللبناني، إذ أنفقت واشنطن أكثر من 2.5 مليار دولار منذ العام 2006 لدعم الجيش بأشكال عدّة، من التجهيز والتسليح والتدريب، ما أدّى إلى “تحسّن ملحوظ” في قدرة لبنان على تأمين حدوده ومكافحة الإرهاب، ورأت أن هذا يُبرهن أن الجيش اللبناني هو المدافع الشرعي الوحيد عن السيادة اللبنانية.
كذلك، تكلّمت شيا عن المساعدات الإنسانية الأميركية للبنان، خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت، الذي حصل بعد كلّ ما مرّ به لبنان من أزمات اقتصادية ومالية ونقدية، مؤكدةً أن بلادها حاولت العمل قدر المستطاع لتخفيف المعاناة، بحيث قدّمت 55 مليون دولار كمساعدات لمكافحة الوباء منذ بداية الجائحة العام الماضي، هذا فضلاً عن تقديم 38 مليون دولار كمساعدات إنسانية بعد انفجار المرفأ، وذلك بالشراكة مع الجيش اللبناني الذي يحظى باحترام وثقة اللبنانيين. وحيّت السفيرة الأميركية أيضاً الجهود الجبارة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية “يو أس ايد”، خصوصاً في مساعدتها السريعة للمتضرّرين من انفجار المرفأ.