لرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أسلوبه، يعبر على طريقته وبصراحته، وما يتجنب قوله يرميه لغزاً ويتوجه به على شكل رسالة لتصل الى من يعنيهم الامر. بعد ايام على زيارته بعبدا يعلن ان حول رئيس الجمهورية من لا يريد الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة. فمن قصد بقوله؟ يقول البعض انه قصد ما استشفه خلال زيارته من ان عون ليس راغباً بالحريري، آخرون قالوا قصد جبران باسيل، وبينهما من جزم ان المقصود هو شخص مستشار الرئيس سليم جريصاتي. بغض النظر، فالرسالة وصلت للحريري “هناك من لا يرغب بك ولا نزال نسعى لتسوية انت فيها الاساس”.
كان جنبلاط الوحيد الذي تجرأ بالحديث عن تسوية باتت ملحة جراء التدهور الخطير الذي تشهده البلاد، فيما الدول الكبرى مشغوله بهندسة اوضاعها لتعيد تموضعاتها بما يتناسب ومصالحها المستقبلية، بينما يقف لبنان على الناصية منتظراً تفرغ الآخرين لهمومه ومشاكله. قالها جنبلاط صراحة “ليس امامنا الا التسوية” لتكر سبحة الحديث عن التسوية كسبيل أوحد لتشكيل حكومة جديدة، رددتها السفيرة الاميركية ثم الفرنسية وتحدث عنها الروس وصولاً الى زيارة السفير السعودي وليد بخاري المختارة. وحده طرح جنبلاط جوبه بردود واستغراب الأقربين قبل الخصوم، وأولهم الرئيس المكلف سعد الحريري الذي هاله اصرار جنبلاط على التسوية مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فيما يخوض حربه في مواجهتهما بلا هوادة. التزم منتقدو جنبلاط الصمت حيال الديبلوماسيين الذي ايدوا كلامه واثنوا عليه وأولهم السفير السعودي، فيما لا يترددون في انتقاده في صالوناتهم السياسية وبعضهم من أقرب المقربين اليه.
وعوضاً عن ذلك فان رافضي اي حديث عن تسوية لا يملكون طرحاً بديلاً سوى رهانهم على عقوبات خارجية وقد رأوا في كلام وزير الخارجية الفرنسي باب فرج قريب لتلويحه بعقوبات تطال معطلي تشكيل الحكومة. فمن ستشمل هذه العقوبات وما مدى فعاليتها والبلد الذي يهدد بفرضها لديه من المشاكل والهموم ما يغرقه في متاهاته الداخلية، اما محلياً فماذا يعني فرض عقوبات على باسيل مثلاً الذي لم تثنه العقوبات الاميركية عن متابعة مسيرته السياسية بالشكل الذي يريد، او هل تؤثر على رئيس الجمهورية المستمر في منصبه الى ان ينتهي عهده ام يمكن للاتحاد الاوروبي ان يفرض عقوبات على رئيس مجلس النواب مثلاً ام على الرئيس المكلف، كلام لا يجد آلية لصرفه بالسياسة وعلى ارض الواقع.
واذا كانت الانتقادات بحق جنبلاط من قبل البعض لها مبرراتها فما لا يجد تبريرا له أن تكون سبباً للبرودة في العلاقة بينه وبين الرئيس المكلف، فهذا موضع استغراب مصادر سياسية مقربة من الجهتين، خصوصاً وان المعلومات تقول ان الحريري لا يزال يعبر عن استيائه من تعاطي جنبلاط الاخير ومبادرته الى طرح التسوية من دون نيل موافقته المسبقة.
بدأت الرواية بعد زيارة جنبلاط الى بعبدا، ولدى استقباله وفد الاشتراكي عبّر الحريري عن امتعاضه على اعتبار ان جنبلاط لم يسبق وان أبلغه بشأن التسوية ليكون رد الوفد: “جئنا نبلغك بجو زيارة بعبدا وقد سبق وان فاتحك وليد بك بقصة التسوية وهل على جنبلاط واجب احاطتك بكل خطوة يخطوها”، وتابع الوفد شارحاً للحريري ان جنبلاط انما اراد ايجاد مخرج حكومي. لدى استقباله جنبلاط شرح عون رغبته بتوسعة التمثيل الوزاري فأجابه جنبلاط وماذا عن الثلث المعطل؟ فرد عون ومن قال اني اريد ثلثاً معطلاً. هنا اقترح جنبلاط حكومة من 24 وزيراً لكل فريق 8 وزراء فلم يعارضه عون ورأى انها صيغة قابلة للبحث. واذا كان عون يقول انه لا يريد ثلثاً معطلاً فلنأخذ بكلامه الى ان يثبت العكس.
إقتنع الحريري مبدئياً لكنه تمنى على الوفد عدم الاعلان عن التسوية مسبقاً، فأجابه الوفد نحن بصدد زيارة الرئيس بري لابلاغه وهذا امر طبيعي. قصد الحريري رئيس مجلس النواب الذي اتفق مع جنبلاط على حكومة من 24 وزيراً لكن ليس قبل ان يتبناها “حزب الله”، كي تسهل مهمة اقناع عون و”التيار الوطني”.
تستغرب مصادر سياسية ملمة بملف تشكيل الحكومة كيف أثار الحديث عن تسوية حفيظة البعض، وهناك من يعتبر ان الحريري ينتظر اشارة من السعودية ليبادر الى تشكيل حكومته بينما ينتظر باسيل وعداً اميركياً برفع العقوبات. لكن تعتبر المصادر أنّ لباسيل هامش مناورة بوجود عون و”التيار” أكثر من الحريري، علماً ان جنبلاط قالها صراحةً في بعبدا ولم يتردد في التشديد على أن الحريري ممثل السنة في لبنان، ويجب ان نتعاطى معه على هذا الاساس.
وكما يبدو للمصادر، فان تلبية طرح جنبلاط وبري في التسوية من خلال حكومة من 24 وزيراً لا تحقق رغبة الحريري او باسيل لذا قد لا يكون تسويقها سهلاً، هذا فضلاً عن عامل ثالث ومهم لا بل هو الاكثر اهمية هنا وهو ان “حزب الله” وفق المصادر لم يبد بعد رغبة جدية بالتدخل في تشكيل حكومة، ويبدو متريثاً والا كان تدخل بمونته على عون وباسيل والحريري ايضاً. فالعلاقة بين “حزب الله” والحريري راسخة وثابتة وزيارات المعاون السياسي حسين الخليل لم تنقطع، رغم عدم اعلان الحريري عنها حتى امام حلفائه.
يتواصل الحريري مع جنبلاط من خلال النائب وائل ابو فاعور بينما لم يعارض طرح رئيس المجلس، علماً ان دفاتر جنبلاط تكتنز عتباً عتيقاً على “بيت الوسط”، يعود الى يوم كان اقرب الى عون و”حزب الله” منه الى جنبلاط، وتسبب بتسوية أوصلت البلاد الى ما وصلت اليه وحين خرج صار عتبه كبيراً على كل من يقصد بعبدا او ينصح بالتسوية معها، وخطأ الحريري انه يفعل ما يريد ولا يجد نفسه ملزماً بتبرير سلوكه لأي كان بينما يخاصم كل من يقدم طرحاً حتى ولو كان لمصلحته.