الوقت- مع اقتراب فصل الصيف، تواجه الحكومة العراقية مرةً أخرى موجةً من الالتهاب والقلق بشأن مسألة انقطاع الكهرباء.
في السنوات الأخيرة، أصبح نقص الكهرباء، وخاصةً في المحافظات الجنوبية، عاملاً في اندلاع الاحتجاجات الشعبية واستياء المواطنين من الحكومة، ورأينا أهم موجة منها في محافظة البصرة عام 2019.
وفي ظل الوضع الجديد، بدأ مسؤولو وزارة الكهرباء العراقية من الآن جهودهم لتزويد المحطات بالوقود الذي تحتاجه، إضافة إلى زيادة استيراد الكهرباء.
ويشار إلى أنه، كما في السنوات السابقة، تحوَّل التركيز الرئيسي لبغداد مرةً أخرى إلى جمهورية إيران الإسلامية لتلبية احتياجاتها من الكهرباء.
كانت إيران مصدرًا رئيسيًا لصادرات الكهرباء إلى العراق منذ عام 2004؛ حيث تلبي إيران حوالي 40 في المئة من احتياجات العراق من الكهرباء، ما عزَّز العلاقات بين البلدين.
وعلى الرغم من أن قضية إمداد العراق بالكهرباء بنسبة 40٪ وتصدير حوالي 40 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا أصبح أمراً بديهياً في السنوات الأخيرة، إلا أنه في ظل الوضع الجديد، فإن طلب مسؤولي وزارة الكهرباء العراقية زيادة واردات الطاقة من إيران له أهمية کبيرة.
ذلك أن هذا الطلب يأتي في وقت بذلت فيه الولايات المتحدة والدول العربية جهودًا دؤوبةً خلال العام الماضي لقطع يد إيران عن السوق العراقية. ومع وضع ذلك في الاعتبار، يمكن تقييم المطالبة بزيادة صادرات إيران من الكهرباء إلى العراق في محورين.
سعي العراق للاكتفاء الذاتي في إمدادات الكهرباء، والميزة النسبية لإيران
يحتاج العراق حالياً إلى حوالي 29 ألف ميغاواط من الكهرباء لتلبية احتياجاته، ولكن رغم كل جهود وزارة الكهرباء العراقية، فإن بغداد حالياً لديها القدرة على إمداد 19 ألف ميغاواط من الكهرباء فحسب.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية “أحمد العبادي”، استطاعت هذه الوزارة توليد 19 ألف ميغاواط من الكهرباء، رغم محدودية الميزانية المالية وعدم الموافقة على موازنة الدولة.
وخطة الوزارة المقبلة هي تحديث وتجهيز عدة محطات لتوليد الكهرباء في عدة محافظات، لزيادة قدرة توليد الكهرباء في العراق إلى 22 ألف ميغاواط قبل بدء موسم الصيف.
حقيقة الأمر هي أنه على الرغم من المشاكل الاقتصادية المتراكمة في العراق، فإن حكومة مصطفى الكاظمي تشعر بقلق عميق من أن نقص الكهرباء في الصيف المقبل سيمهد الطريق مرةً أخرى للاحتجاجات المناهضة للحكومة.
غالبًا ما يواجه العراق في الصيف نقص وانقطاع التيار الكهربائي أثناء النهار بسبب الحرارة الشديدة، لكن الحكومة تحاول الآن تقليص المتطلبات وإضافة أكثر من 3000 ميغاواط على الأقل من السعة الجديدة إلى قدراتها، في الأشهر القليلة المقبلة.
في غضون ذلك، ينصب التركيز الرئيسي لمسؤولي وزارة الكهرباء العراقية على إيران. ويمكن البحث عن سبب ذلك في أمرين مهمين.
أولاً، تتمتع إيران بميزة نسبية كبيرة على المصادر الأخرى لواردات الكهربا. وثانيًا، أظهرت طهران استعدادها لدعم المجتمع والحكومة العراقيين في اللحظات الحرجة، بسبب التقارب والعلاقات العميقة بين الشعبين الإيراني والعراقي.
في الوضع الحالي، تدين بغداد بنحو 2.6 مليار دولار لإيران في مجال الطاقة، ويحاول المسؤولون في هذا البلد تمويل هذا المبلغ. كما تتطلع السلطات العراقية إلى أن تعيد الجمهورية الإسلامية الإيرانية صادراتها من الغاز إلى المستوى السابق البالغ 50 مليون متر مكعب، حتى لا يواجه العراق مشكلةً في الإمداد بالكهرباء في الصيف.
وبشكل عام، يدرك العراقيون بوضوح أهمية إيران في إمداد العراق بالكهرباء، والميزة النسبية لاستيراد الكهرباء من إيران.
عدم إحلال الدول العربية محلّ دور إيران في قطاع الطاقة
خلال العام الماضي، تحدثت مصادر إخبارية أجنبية عديدة، وخاصةً وسائل الإعلام العربية، عن مفاوضات بين الدول العربية لتلبية احتياجات العراق من الطاقة، والدخول في نوع من تحالف الطاقة مع هذا البلد.
حتى أن العديد من وسائل الإعلام قد أفادت بربط شبكة الكهرباء بين محافظة البصرة جنوب العراق بشبكات الكهرباء العربية، واصفةً الحدث كعامل في إخراج إيران من سوق تصدير الطاقة إلى العراق.
الحقيقة هي أنه في العام الماضي، شجعت الإدارة الأمريكية شركات الطاقة في هذا البلد على الاستثمار في قطاع الكهرباء في العراق. كما شجعت واشنطن الدول العربية على التعاون مع العراق لتزويده بالكهرباء لتحل محل جمهورية إيران الإسلامية.
وفي هذا الصدد، أفادت بعض التقارير بدخول شركة جي إي(جنرال إلكتريك الأمريكية) إلى قطاع الكهرباء العراقي ببيع 54 توربينة متطورة لتلبية جميع احتياجات العراق.
ولكن على عكس هذه الأنباء، ليس فقط لم يتم الوفاء بأي من هذه الوعود، بل نشهد الآن أن العراق يجد نفسه في حاجة إلى المساعدة الإيرانية لتلبية احتياجاته أكثر من أي وقت مضى.
على صعيد آخر، من المهم الإشارة إلى أن أعضاء مجلس التعاون ليسوا مهتمين کثيراً بالتعاون مع العراق وتزويده بالكهرباء بسبب نقص الكهرباء لديهم، وأن الولايات المتحدة هي التي تشجعهم على التفاوض بشأن صادرات الكهرباء مع بغداد؛ ولكن عملياً لا يمكن لأي من هذه الدول أن تحل محل إيران في هذا الصدد.