الحدث

الأبواب الموصدة تدفع نحو المؤتمر التأسيسي

عيسى بو عيسى-الديار

هل يمكن تصوّر أن خلافًا بين رئيسي الجمهورية والحكومة يستطيع شلّ بلد بأكمله وتجويع أهله؟ وبإختصار إذا كان ما يفترض إعتباره «دستوراً» لا يستطيع التوفيق بين رئيس الجمهورية ورئيس مكلف لتشكيل الحكومة ، هذا يعني أن العلة الأساسية موجودة داخل أسطر هذا الطائف ما يفرض إعادة النظر به، بكلّ تأنٍّ وعمق وبعيداً عن الحماوة إذا كان الامر يتعلق باللبنانيين فقط!!

هذا ما تعتقده بشكل مؤكد مصادر نيابية مخضرمة على خلفية تحوّل الأزمة إلى أزمة نظام وحكم لا يشكّل مشكلة لبعض الافرقاء في لبنان، الذين لا يمانعون، بل ربما يحبّذون، وضع النظام ككلّ تحت المشرحة ونظرية المؤتمر التأسيسي التي نادى بها البعض، لم يتخلّ عنها إلا تحت ضغط «المزايدين»؟

وأصل هذه النتيجة التي توصلت اليها هذه المصادر المشاهد المتتالية عند كل مفترق أو تحول في السياسة اللبنانية تبرز عقدة الصلاحيات وسوء استعمال الدستور إن لم يكن هو أساس المشكلة، وبغض النظر عن الجوع الذي يجتاح بيوت جميع اللبنانيين والمرض والموت، ثمة من يرى في إنعدام تشكيل حكومة لبنانية مطلوبة عربياً ودولياً مع تحرك « أساطيل « السفراء العرب والاجانب… والنتيجة المزيد من التصلب وانعدام رؤية سلطة تنفيذية تدير أمور وأسعار الخبز للناس!!

وترى هذه المصادر أن الطلاق بين عون والحريري قد حصل ، وأدخل البلاد في مرحلةٍ جديدة من الفوضى، لا تخلو من المفاجآت، وربما النكايات المتبادَلة وفق نظريات متناقضة في تفسير الدستور المطواع للرغبات والاهواء بعيداً عن مصلحة الناس، هذا الامر مستمر منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأوصل البلاد الى الخراب الفعلي والإرتطام في عمق الهوة.

وفي أساس المشكلة المتراكمة ما خلّفه لقاء عون- الحريري الاخير الذي سيترك آثاره على المشهد السياسيّ العام، لعلّ أبرز التجليات ستكمن في علاقات سائر الأفرقاء معهما، في إطار عملية فرز لم تعد واضحة فحسب بنتيجة اللقاء، بل أصبح إلزاميا»، وبالتالي، فإنّ خيار الحياد السياسي الداخلي الذي كان يتحصّن خلفه البعض لم يعد مُتاحاً.

وتقول هذه المصادر: على الجميع التموْضع بما يتناسب مع ذلك، على طريقة فقدان اللون الرمادي، لكن وفق قاعدة إما عون أو الحريري، بعيداً عن الوقوف في منطقة الوسط مع أنّها لا تزال قِبلة الكثيرين، فحزب الله الذي تحوّل في مرحلةٍ ما، إلى وسيط بين عون والحريري، بحرصه على العلاقة المتينة مع الأول، وتمسّكه بالثاني رئيسا» للحكومة بلا بديل، فهل لا يزال هذا المنطق سائداً؟

هذه الاوساط تعتقد أن المحظور قد وقع ، وخطاب السيد حسن نصر الله الاخير وضعه في خانة الإصطفاف الى جانب رئيس الجمهورية، ويبدو أنه كان مستعداً لهذا الامر بشكل متدرّج ليوجّه نصائح بدت مشفّرة إلى رئيس الحكومة المكلّف، أوحى من خلالها بطغيان السلبيّة، سواء بدعوته التي اعتُبِرت مغايرة في مكانٍ ما، إلى التراجع عن طرح حكومة الاختصاصيّين لصالح العودة إلى حكومة التكنو – سياسية، أو باقتراحه تفعيل حكومة تصريف الأعمال، رغم إدراكه بعدم «حماسة» رئيسها ​حسان دياب لمثل هذه الخطوة.

وتتابع هذه المصادر رسم المشهد من خلال تموْضُعٍ مختلف أخذه رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، الذي تخلّى بدوره عن حياده، ولكن في الاتجاه المعاكس. فمع أنّ الأخير كان أقرب إلى الحريري منه إلى عون منذ اليوم الأول للتكليف وأيام «لبن العصفور»، وهو صاحب مقولة مع الحريري ظالِما» أم مظلوما»، والذي يشكو أنصاره من كيمياء مفقودة بالمُطلَق بينه وبين عون، إلا أنّه التزم الصمت طيلة الفترة الماضية، معتمداً صفة المتفرّج، وفجأة أطلقت «حركة أمل» بقيادة بري دعوة الى حكومة إختصاصيين، تماما بعكس ما أعلنه السيد نصر الله.

وهذا يعني وفق هذه المصادر أن الثنائي الشيعي قام بعملية «الموازنة»، ويمكن أن يكون على قاعدة التنسيق بينهما إن لم تكن عملية توزيع أدوار تجاه عون والحريري رافقها تكثيف للإتصالات بين ممثلي الحركة والحزب لوضع القواعد الشعبية في الاجواء.

وهكذا يصبح الرسم البياني لمستقبل المشهد اللبناني واضحا بالرغم من خطورته: رئيس الجمهورية مكبّل اليدين، رئيس حكومة تصريف الاعمال لا يريد أن يفعّل حكومته وهدفه الدخول الى نادي رؤساء الحكومات، رئيس مكلف لم يستطع الإقلاع بالتأليف، وزراء لا يعملون وكأنهم غير معنيين، إدارات فارغة من مسؤوليها تحت حجج مختلفة، سرقات وقتل، فلتان أمني وإقتحام مخازن المواد الغذائية، مصارف تحتجز أموال الناس، وخزينة فارغة!!

من هنا تستنج هذه المصادر أن لبنان بات بحاجة الى عقد إجتماعي وسياسي جديد بعد أن سقطت مفاعيل إتفاق الطائف، وما دعوة البطريرك بشارة الراعي الامم المتحدة الى مساعدة لبنان والمطالبة بالحياد الناشط سوى الدخول في عملية إيجاد الحلول أيضا مع التأكيد لرفضه أي إطار تأسيسي، هذه الامور كفيلة بالوصول الى «شيء» ما أو مؤتمر تأسيسي تتم من خلاله عملية تغيير الرياح العاتية لطالما جرى الحديث عنه همساً إنما واقع الحال كشف الستارة التي تخبيء المشهد الحقيقي الذي يجري الإعداد له.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى