“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
يُعاود السفير المصري ياسر علوي تحرّكه مجدداً تجاه السياسيين، مواكبة للحراك الدولي المعبّر عنه على شكل تواصل ديبلوماسي في الداخل، والمصريين لا يحيدون عن هذا الجو إطلاقاً منذ أن أصبحوا شركاء في محاولة البحث عن حلّ لبناني للحكومة.
إلتقى السفير المصري يوم أمس الأول رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، ثم حطّ ظهر أمس في عين التينة وعقد خلوةً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبعد الظهر زار النائب تيمور جنبلاط، والبحث بطبيعة الحال، ارتكزَ على الشقّ الحكومي. فالسفير المصري حاول استطلاع المستجدات حول الملف، وألمحَ إلى أن مصر لديها القدرة على المساعدة لتأمين اختراق ما، وهو طلب متجدّد بطبيعة الحال، لكنه يحوز اهتماماً أعلى من السابق، لكونه يرتبط بحراك داخلي استُجّد مؤخراً.
جاء التحرّك المصري بالتوازي مع “مبادرة الصيغة” التي أطلقها رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط من قصر بعبدا، والقائمة على فكرة توسيع الحكومة إلى 24 وزيراً، فيما صيغة التوزيع تبقى مفتوحة على النقاش ربطاً باحتمالات التفاهم. وطالما أن العلاقة أكثر من ممتازة بين جنبلاط والقاهرة وقنوات التنسيق مفتوحة على مصراعيها بينهما، فهذا يؤشر على دفع مصري تجاه تعزيز مبادرة جنبلاط، بصفتها المبادرة الأكثر قرباً لمواقف السياسيين حالياً، وهو ما يجعل من حراك السفير المصري في الأيام المقبلة على قدرٍ من الأهمية.
بالتوازي، ينشط بشكلٍ ما، القائم بأعمال السفارة البريطانية في بيروت مارتن لونغدن. صحيح أن لندن لم تعيّن حتى اللحظة سفيراً أصيلاً لها في بيروت، وهذا يأتي من خلفية توجيه رسالة سلبية صريحة إلى الطقم السياسي اللبناني، لكنها مع ذلك لم تُوقف محاولات التدخل بين السياسيين، لمحاولة تقريب وجهات النظر بينهم، ظناً منها أن ذلك له انعكاساته على ملف تأليف الحكومة. وتحضر في هذا المقام، زيارة لونغدن إلى دارة رئيس “التيّار الوطني الحر” جبران باسيل قبل أيام.
صحيح أن الزيارة قُدّرت على أنها تأتي من ضمن المحاولات الحثيثة، لترتيب أمور تأليف الحكومة، لكن الصحيح أيضاً أن الزيارة حملت أبعاداً أكثر عمقاً، إذ يُسرّب أن البريطانيين يعملون على محاولة تقريب وجهات النظر تحديداً بين باسيل والحريري، على اعتبار أن تصحيح العلاقة بينهما تُشكّل مُفتاح التأليف، وهو دور تنفرد لندن في أدائه في الداخل، ولا يخرج عن جوهر المبادرة الفرنسية الطامحة إلى تأليف حكومة “بشكل سريع” تتولى عملية الإصلاح المطلوبة دولياً، نقول حكومة “سريعة” لكونه قد صُرف النظر عن مطالب حيال شكل الحكومة المنشودة.
وفي أعماق الخطوة، بحال صَحّت، ثمة أهداف أبعد من اللقاء بحد ذاته، يبدأ أولها في البحث عن خيط يؤدي إلى جمع الحريري بباسيل في لحظة ما، وهذا يفرض أولاً القيام بتوفير أجواء مشجعة ما زالت غير منظورة، ومنها تهدئة الحريري، سيّما بعدما تبيّن أن قضية خلافه مع باسيل تتجاوز المسائل السياسية الداخلية. وهنا، تتولّد ظنون حول احتمال أن يكون الحريري قد أُبلغَ من طرف ما، خارجي على الأرجح، بضرورة عدم ملاقاة باسيل، سواء في الحكومة أو في السياسة، نظراً لأن رئيس “التيار” المتحالف مع “حزب الله”، متّهم بـ”النَيشَنَة” على كرسي الرئاسة وقد يستغل أي علاقة مستجدّة مع الحريري في تجييرها لمصلحته.
ومحاولات تقريب وجهات النظر بين الحريري وباسيل لم تهدأ. قبل فترة وجيزة، حاول الفرنسيون، لكن محاولتهم باءت بالفشل نتيجة لاتساع رقعة الخلاف أولاً بين الرجلين، وعدم توفير أجواء إيجابية تخدم هذه التوجهات ثانياً، فعدلوا عن الفكرة مرحلياً ريثما تتهيأ الظروف، دون أن يبادروا إلى محاولة التأسيس لأجواء مؤاتية.
لدى المعنيين في الملفات السياسية العالقة ومن خلفهم من يعمل خارجياً، شعور واضح بأن أي إمكانية لحلّ معضلة تأليف الحكومة وخلق أجواء توفر استدامة وإنتاجية في عمل الحكومة، وإنجاز دفع يخدم توجّهاتها مستقبلاً، وتفتيت الجبال المرتفعة في المواقف، يمرّ أولاً من إصلاح العلاقة “المعطوبة” بين الحريري وباسيل، لكن مكمن الصعوبة لا يقتصر فقط على انعدام شروط انعقاد ولو جلسة واحدة نتيجة للسقوف المرتفعة، وانحدار العلاقة بينهما إلى مستوى شبيه بالصراع الشخصي من دون وجود أي أفق للحل، بل لأن الحريري يعكف على عدم القيام ولو بحركة “مقبولة” تجاه باسيل، وهو أتاح للمقرّبين منه انتقاد باسيل بسقوف مفتوحة، ما ينمّي الشعور بوجود شيء ما يدفعه إلى ذلك، قد يكون من قبيل المطلب آنف الذكر، فلا يُعقل أن يحوّل خلاف سياسي، مهما كان شكله أو شدّته، علاقة ما إلى ركام أو يحول دون التقاء خصمين!
على مقلب “التيار الوطني الحرّ”، ثمة من يتّهم الرئيس الحريري بأنه “تغيّر”. سمع هذا الكلام قبل يومين في آخر حديث صحفي أدلى به الرئيس ميشال عون، وهذا التغيّر ولّد مشاعر لدى العونيين بأن الحريري أضحى أسير قرار يمنعه من لقاء باسيل. فكيف يفسّر الحريري لقاءاته الدورية مع المعاون السياسي للأمين العام للحزب، الحاج حسين خليل على الرغم من عظمة الإتهامات المستقبلية التي تُساق في حق الحزب، ولا يُبادر، ولو لمرة، إلى تلبية أي اقتراح بعقد “قعدة” مع باسيل؟
إنطلاقاً من هنا، ثمة اعتقاد بأن هناك من يدفع الحريري إلى إخراج باسيل من المسألة الحكومية برمّتها، بشخص “التيار”، بذريعة أن ما بلغه يؤكد أن باسيل لم يعد شخصاً مرغوباً فيه دولياً، إلى جانب أنه معاقَب أميركياً، وبالتالي، يفضّل الحريري عدم إقحام نفسه بشراكة مع شخص يتمتع بهذه الصفات، مما قد يؤدي إلى تقويض عمل الحكومة حالما يتبين أن ثمة وزراء قريبين منه أو محسوبين عليه ما قد يوسّع من دائرة المقاطعة الأميركية خصوصاً، لوزراء، عملاً بقاعدة مقاطعة أي وزير محسوب على “حزب الله”، وهو ما قاد الحريري خلال تقديم تشكيلته الأخيرة إلى الإنابة عن الحزب في تسمية الوزراء المحسوبين عليه من دون الرجوع إلى الضاحية! وبحكم أن باسيل قد يتمثل، ولو بشكل غير مباشر بأكثر من حقيبة، وهو شعور يحتل نفس الحريري رغم ادعاء باسيل المتكرّر بأنه في حلٍ منها، قد تُحال حكومة الحريري عند تشكيلها إلى العطب السياسي.
على كل ذلك، يبقى الحل في إصدار مذكرة جلب بحق الحريري وباسيل، وإجبارهما على الجلوس سويًا والتفاهم كمقدمة لتدشين خط التفاهم الحكومي، وهو مطلب أضحى هدفاً يُعمَل على محاولة تحقيقه بدفع خارجي واضح.