“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني
يُدرك رئيس “التيّار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، أنه في معركته السياسية في الداخل اللبناني، والتي وضعته في خصام مفتوح مع جميع الأطراف، وأن مواجهته للعقوبات الخارجية والتي حشرته هي الأخرى في دائرة الخيارات الضيّقة إلى حين أن يُقدّم الطاعة العلنية للولايات المتحدة الأميركية، أصبح كمن يُصارع “طواحين الهواء”، فلا هو عالم بنوايا حلفائه الفعلية تجاه سَعيه في الوصول إلى كُرسي “بعبدا”، ولا هو قادر على الإستمرار في مواجهة الخارج “كرمى عيون” حليف لم يمنحه بعد أي وعد يُمكن أن يُثبّت أقدامه ويَشدّ من عزيمته لإكمال مسيرة المواجهات.
وحيداً يخوض باسيل غمار المواجهات السياسية والشخصية مع جميع من حوله وكأنه “شمشون” عصره، ليس لأن الجميع قد اتفق عليه، بل لأن باسيل خُيّل إليه ذات يوم أن بمقدوره تجاوز الجميع طالما أنه مُمسك بسيف رئيس الجمهورية، ويقطع به ما يشاء من “رؤوس” سياسية أو تهميشها على الأقل، تماماً كما فعل في أكثر من محطّة مع أقرب حلفائه يوم أدار معركته نحوه وصوّب باتجاه سلاحه ، ومنتقداً الدور السلبي الذي يُمارسه هذا الحليف سواء بشكل مُباشر من خلال المعابر غير الشرعية، أو من خلال تغطيته للفساد داخل التركيبة “الثنائية”.
بات باسيل يستخدم فنّ “المناورة” في عمله السياسي، ظنّاً منه أنها الطريق الأفضل للحفاظ على دوره كلاعب أساسي ورئيسي ضمن التشكيلة السياسية، والأقرب والأنجح للوصول إلى كُرسي “الحلم”، لكنه نسي أو تناسى أن ممارسته لهذا الفنّ، والطرق التي ناور من خلالها قد أفقدته مصداقيته في التعاطي مع الخصوم والحلفاء في آن، حتى أن البعض راح يُطبّق عليه تجربة الرجل المُسلم الذي اعتنق المسيحية بعد الظهر ثم مات في المساء، فلا المسيحية اعترفت به ولا الإسلام تقبّل عودته.
في سياق ما ورد، يذهب محلّلون سياسيون، إلى أن باسيل قد تجاوز كل الخطوط الحمر في عمله السياسي بعدما خرج عن الأدبيات المُتعارَف عليها ضمن هذا “الكار”، فهو قطع من جهة حبل الوصال مع “القوّات اللبنانية” التي أوصلته إلى ما هو عليه اليوم بفعل “إتفاق معراب” الذي بفعله تمكّن من إسناد ظهره على جبل سياسي أي موقع الرئاسة الأولى، ومن جهة أخرى راح يُصوّب على “قدس الأقداس” يوم أوعز لأحد نوابه في “التكتّل” الهجوم على سلاح “حزب الله” واعتباره العائق الأبرز أمام قيام الدولة.
وبحسب المحلّلين أنفسهم، فإن باسيل قد رسم بريشته نهاية لطموحه السياسي بالوصول إلى “بعبدا”، وأكثر ما يُمكنه تحقيقه بعد اليوم، الحصول على مقعد نائب أو وزير كأقصى حدّ، هذا في حال تمكّن، من الإستمرار بالمحافظة على موقعه كرئيس لـ”التيّار الوطني الحر” المُهدّد على الدوام بحركات إنقلابية بفعل ممارسات باسيل القمعية، لعل أبرزها، “تصفية”الرؤوس الكبيرة سياسياً.
هل يعود باسيل إلى حضن “الحكيم”؟ سؤال من الصعب الإجابة عليه بحسب الكثيرين، لكن الواقع والوقائع تقود إلى فرضية هذا الإحتمال، وذلك نتيجة عوامل عدّة أبرزها: أن باسيل الذي يُعمّق جراحه نتيجة سياساته الخاطئة، قد يجد نفسه مُضطراً للتحالف مع “القوّات اللبنانية” في أي انتخابات نيابية مُقبلة، خوفاً من هزيمة تلحق به في بعض الدوائر. كما أن نفض “حزب الله” يده من دعم باسيل في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، قد يدفع الأخير إلى الإرتماء في حضن “القوّات”، علّه بذلك يحقّق بعض المكاسب التي لا يُمكن تحقيقها مع أي طرف أخر.