لا تغيير ولا إصلاح ولا حكومة بوجود «شياطين الكراسي»

} علي بدر الدين-البناء

 

يبدو أنّ الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، مطمئنّة إلى سلامتها ومصالحها وحصصها، وإلى ثرواتها بالعملة الصعبة، المكدّسة في مصارف لبنان وخارجه، وفي صناديق الحديد المخزّنة في غرف الأموال المخبّأة في القصور، المستوفية لشروط الحماية، وإلى المجوهرات على أنواعها الحديث منها والعتيق، كما على وثائق العقارات شققاً وأراضي (سندات خضراء).

 إنها غرف محكمة الإقفال، كأنها إحدى خزائن المصرف المركزي أو أقله المصارف الخاصة.

هذا الاطمئنان، الذي يرضي البيئات الحاضنة من الشعب التابع والمرتهن، هو بمثابة مؤشر جيد، يمكن إسقاطه على الأوضاع العامة، سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشة، حيث يعيش اللبنانيون برخاء واستقرار وهدأة بال، وأمن وأمان، لا ينقصهم أيّ شيء، فكلّ السلع متوفرة وبأسعار مشجعة، وكلّ القطاعات تعمل وبإنتاجية عالية، والمستشفيات توفر العلاج للمرضى، بشكل طبيعي من دون شروط، ولا يموت على أبوابها سوى الذين «خلصت أعمارهم»، والجامعات والمعاهد العليا والمدارس على اختلاف مراحلها تنتظم صفوفها، والتعليم «ماشي كالساعة» التي أتقنت تقديمها وتأخيرها الحكومات المتعاقبة، كما إدارات الدولة ومؤسساتها، مع أنّ الفساد إحدى سماتها و»السوس» ينخر فيها، والفلتان على غاربه، وقد تحوّل بعضها إلى أماكن خلفية «آمنة» للتشليح والتشبيح والسلبطة والإبتزاز.

إنّ حبل «الأمان والإطمئنان» طويل جداً، وحافل بـ «الإنجازات» السلطوية التي تفاخر بها الأمم والدول والشعوب، وهي بطبيعة الحال غير مسبوقة، ولا مثيل لها في العالم لأنها إنتاج إبداعي لبناني صرف، وإنْ كان بـ «الشقلوب».

ما يحصل اليوم من «ترف» سياسي على مستوى السلطة الحاكمة، ومن اطمئنان على حاضرها ومستقبلها، والأولاد والأحفاد والأقارب والأزلام والمستشارين وحتى الأصهار، ينطبق عليه المثل القائل «إذا كان حاكمك بخير فأنت حكماً بخير» (جارك بخير أنت بخير)، وهناك مثل أكثر تعبيراً عن الواقع ويكمن فيه التمييز والتسلط والمفاضلة على أكمل وجه، وتحفظه أجيال متعاقبة ويقول: «إذا شربت هلالة، (إسم بقرة) ردوا العجال (مجموع البقرات) إلى الوراء»، يعني كما يقال بالعربي المشبرح، «عمره لا أحد يشرب ويأكل ويتعالج ويتعلم ويعيش من هذا الشعب»، لأنه وفق رؤية وفهم السلطة السياسية في كلّ مراحل حكمها وتسلطها انه لا يستحق أن يعيش كباقي الشعوب، لأنه هو من تنازل عن حقوقه وارتضى لنفسه «عيشة» الذلّ والهوان، والقبول بالوقوف ساعات أمام محطات المحروقات والسوبرماركات والتعارك داخلها، وأخيراً أمام الملاحم للحصول على القليل من ما يسمّى زوراً «بالمدعوم».

فأيّ سلطة هذه يمكن الرهان عليها لتأليف الحكومة وهي لا تزال منغمسة حتى العظم في مصالحها، وما ينتظرها في الآتي من الأيام على صعيد السياسة والسلطة والأحلام المعلقة؟

أيّ سلطة هذه كلما التقت تضيف أزمة جديدة، وكلما اختلفت تنتج عقداً جديدة؟

وأيّ سلطة تحكم وهي في وادٍ فيه المنّ والسلوى وكلّ ما لذ وطاب، وفيه السلطة والمال والأمان والعيش الرغيد، والشعب في وادي جهنم يعيش اللظى والفقر والجوع والحرمان والمرض والقلة وكلّ مآسي الدنيا على رأسه، ومتروك لقدره يتمنّى الموت والخلاص والراحة الأبدية؟

أيّ سلطة تتواجه اليوم عبر تبادل الرسائل من خلال وسائل الإعلام المتوفرة حالياً، وكانت عبر الحمام الزاجل في ما مضى، مع أنّ المسافة بين القصرين أو القصور لا تتعدّى النصف ساعة زمنياً، ويبدو انّ الخجل والاستحياء من بعضهم يحولان دون اللقاء؟

أيّ سلطة يجب التعويل عليها بتأليف الحكومة والإنقاذ والدول الفاعلة الصديقة والشقيقة، تركت همومها ومشاكلها الداخلية والخارجية، من أجل تأمين لقاء قد يكون غير منتج وغير مثمر ولا قيمة له، بين رئيسي التيار الوطني الحر وتيار المستقبل؟

أيّ سلطة يمكن ان تؤتمن على وطن ودولة ومؤسسات وشعب، وهي تنتظر التوافقات والتفاهمات الدولية والإقليمية، علها تنقذها من ورطتها في تدمير بلد وتجويع شعب؟

أيّ أمل بالتغيير والإصلاح وبعض الشعب وأكثره لم يحيدوا عن «دين ملوكهم»؟

بل يصفقون لهم ويدعون لهم بالصحة وطول العمر ليقضوا على ما تبقى من أمل وأخضر ويابس؟

ماذا ينتظر هذا الشعب الطيب «أكثر من اللزوم» لينقذ نفسه ووطنه، خاصة أنّ الوقت يضيق، وكلما عجّل في اتخاذ قرار التغيير المنشود، وفر على نفسه والبلد الكثير من الدماء والدموع والآلام والمعاناة. هل يفعلها قبل فوات الأوان؟ ولكن يحضرني قول يقسم شياطين الكرسي إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول يخاف من آية الكرسي، والنوع الثاني يتمسك بالكرسي ويخاف من فقدانها، كما هو حال السلطة الحاكمة، والنوع الثالث، هو الشعب الذي ينحني للنوع الثاني الجالس على الكرسي ويصفق له.

 

Exit mobile version