|
محمد بركات – أساس ميديا |
ثلاثة أيّام كانت كافيةً لإعلان “العصيان المدنيّ”، بوجه “الخطاب العسكريّ” الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله يوم الخميس 18 آذار، حين وزّع الأوامر وقال: “وصلت معي لهون”، مشيراً إلى أنفه، ثم هدّد بـ”خيارات كبيرة ومهمّة”.
الأوامر كانت واضحة: لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن يسيطر على سعر صرف الليرة، ولقائد الجيش بأن يفتح الطرق وأن يقمع الاحتجاجات الشعبيّة، ولرئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب بأن يفعّل حكومة تصريف الأعمال. و”نصح” الرئيس المكلّف سعد الحريري أن يشكّل حكومة “تكنوسياسية” وليس حكومة اختصاصيّين، يكون “لديها أكتاف”، كي تحمل معه وِزْر القرارات التي ستتّخذها.
الردّ الأوّل جاء من داخل البيت الشيعيّ. الرئيس نبيه برّي قرأ “لطشة” نصر الله له واتّهامه بأنّه حمى رياض سلامة بقوله: “نحن أصغينا إلى كلام من نثق به ونحترم رأيه، عندما قال لنا إنّه إذا عزلنا الحاكم الآن فسيصبح الدولار عشرة آلاف وخمسة عشر ألفاً، اليوم أصبح عشرة آلاف وخمسة عشر ألفاً…”.
صباح الاثنين صدر بيانٌ عن المكتب السياسيّ لحركة “أمل”، يمكن عدُّه “انتفاضة” أولى من نوعها من عين التينة، ومن “أمل”، منذ الهدنة التي انتهت إليها معارك إقليم التفّاح ومجازرها. وهو الصدام السياسيّ الأوّل بين الطرفيْن منذ توقيع اتفاق الطائف، أيْ منذ 32 عاماً. مما استدعى اجتماعاً ليل الثلاثاء استمرّ حتى ساعات الصباح الأولى بين علي حسن خليل وأحمد بعلبكي عن حركة أمل وقياديبن من حزب الله.
البيان كان واضحاً: “حكومة اختصاصيّين غير حزبيّين وفق ما تمّ التوافق عليه في المبادرة الفرنسيّة بعيداً من منطق الأعداد والحصص المعطّلة”. أيْ أنّه يرفض “التكنوسياسية والثلث المعطّل” ويتمسّك بمبادرة فرنسا.
وأكمل البيان ردّاً على اتّهام نصر الله: “كنّا في موقع الدفاع عن استقرار الصرف في ظلّ غياب مجلس مركزيّ للمصرف ولجنة رقابة على المصارف، وحذرّنا من الارتجال في أيّ قرار يؤدّي إلى مثل هذا التدهور، لكنّ الوضع يختلف اليوم مع وجود هيئات مكتملة والنتائج الكارثيّة والعجز عن اتخاذ إجراءات حقيقيّة”، وخلص إلى أنّ الأزمة سياسيّة و”التدهور سببه غياب الإدارة السياسيّة المسؤولة”. ورمى طابةً في ملعب رئيس الجمهوريّة وغمز من تراجع شعبيّته مسيحيّاً، مطالباً بإجراء الانتخابات الفرعيّة.
بعد البيان توجّه الحريري إلى بعبدا وأطلق كلامه الذي أعلن شبه قطيعة مع رئيس الجمهوريّة، متمسّكاً بتشكيلته من 18 وزيراً اختصاصياً، رافضاً نصيحة التكنوسياسية.
ثم ردّ الجيش ردّاً غيرَ مباشر، بما نقلته الزميلة ملاك عقيل في “أساس” قبل أسبوع عن “العارفين بخارطة طريق الجيش في تحرُّكه على الأرض”، الذين “يؤكدون أنّ قائد الجيش منذ بدء الحراك على الأرض يتصرّف من منطلق مسؤولياته الوطنيّة غير متأثّر بأيّ نوع من الضغوطات، أكانت محليّة أم خارجيّة، وخارج أيّ حسابات سياسيّة”.
هو ردّ غير مباشر، لكنّه واضح: لن نخضع للضغوط، ونحن خارج أيّ حسابات سياسيّة.
ثمّ خرج الرئيس حسّان دياب معلناً بوضوح أيضاً رفضه تفعيل حكومته. وقيل الكثير في الأسباب. لكن لعلّ التحليل الأقرب إلى المنطق أنّه “يردّ الصاع لـ8 آذار التي تركته وحيداً بعد تفجير المرفأ، وكادت تقدّمه كبش محرقة باستدعائه إلى التحقيق”.
أوصل دياب موقفه إلى من يعنيهم الأمر عبر القنوات المعتمدة: “لن أفعّل الحكومة”. ووضع شرطاً تعجيزيّاً: “أن يغطّي مجلس النواب دستورياً هذا التفعيل”. أيْ باستصدار قانون، وهو يستلزم إجماعاً غير متوافر لا الآن ولا لاحقاً.
وعلم “أساس” أنّه عقد بعد ظهر الخميس اجتماعٌ “أونلاين”، بين الوزراء الأقرب إلى النائب جبران باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون في حكومة تصريف الأعمال، لمناقشة آليات ممكنة أو محتملة لتفعيل العمل الحكومي، من دون رئيس الحكومة المستقيل حسّان دياب. وذلك في سياق الضغط المتواصل على دياب للسير في مشروع تفعيل الحكومة.
وقد عُرف من الوزراء المجتمعين أسماء وزيرة الدفاع زينة عكر ووزير الاقتصاد راؤول نعمة ووزيرة المهجّرين غادة شريم ووزير الداخلية محمد فهمي ووزير الصناعة عماد حبّ الله ووزيرة الشباب والرياضة فارتينيه أوهانيان ووزيرة العدل ماري كلود نجم…
ثمّ انضم إلى الاجتماع وزير السياحة والشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية (حصة طلال أرسلان)، ووزير الصحّة حمد حسن (حزب الله).
وإذ تردد أنّ وزيرة الدفاع زينة عكر هي التي دعت إلى الاجتماع، وزّع مكتبها الإعلامي نفياً.
بقي رياض سلامة، الذي اتّفق مع الرئيس ميشال عون على إطلاق منصّة جديدة داخل المصارف لمحاولة السيطرة على سعر صرف الليرة. لكنّ المشروع بقي في إطار القيل والقال ولا شيءَ جدّيّاً حتّى الآن. وهذا يعني أنّها قد تكون “طبخة بحص”، أو على الأقلّ مؤجّلة، ارتباطاً بعوامل عديدة، ليس آخرها تشكيل حكومة جديدة.
إذاً برّي ودياب والجيش وسلامة قالوا “لا”، في ما يشبه “الانقلاب على الانقلاب”.
لكن لنتذكّر أنّ نصر الله هدّد بـ”خيارات كبيرة ومهمّة، إجراؤها عبر الدولة والمؤسّسات وطبقاً للقانون غير مُتاح، ويوم يصبح البلد أمام جوع حقيقيّ وأمام انهيار حقيقيّ، سوف نَلجأ إلى هذا النوع من الخيارات. ما هي؟ لن أتحدّث الآن”.
فهل دخلنا زمن “الخيارات الكبيرة والمهمّة بالاعتداء على مؤسّسات الدولة”؟