زياد عيتاني -أساس ميديا
.. عام 2005 وبعد الحشد الشعبيّ التاريخيّ في 14 آذار بساحة الشهداء وما يحيط بها من شوارع وساحات، أرسل حزب الله بعض أنصاره، الذين ارتدوا الخوذات البلاستيكيّة الملوّنة، حاملين العصيّ بباصات متوسطة الحجم، متّجهين إلى الطريق الجديدة في محاولة تأديب لهذه المنطقة، بسبب انتصارها لدم الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ما إن وصل المرسَلون من قبل الحزب إلى محيط الجامعة العربيّة حتّى قام بعض الشبّان من سكّان المنطقة بالتصدّي لهم من شرفات منازلهم وسطوح الأبنية، مطلقين النار من أسلحتهم الفرديّة، دافعين إيّاهم إلى الانكفاء والعودة من حيث انطلقوا في الخندق الغميق وزقاق البلاط. وخلال التغطية الإعلاميّة لِما عُرِف بأحداث الجامعة العربيّة، اتّصلت إحدى الشاشات برئيس الحزب التقدميّ الاشتراكيّ وليد جنبلاط طالبةً منه التعليق على ما حصل، فقال: “هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها نصر الله”.
لم يتغيّر حزب الله منذ ذلك التاريخ. ولم يتغيّر في كل التواريخ السابقة ولن يصيبه تغييرٌ في اللاحق منها. هو ميليشيا مسلّحة منظّمة. هذا ما كان في أساس تكوينه وإطلاقه. وقد دخل إلى المعترك السياسيّ من بوّابة الميليشيا والسلاح، ناقلاً معه هذا النمط من منهجيّة التفكير في اتخاذ القرارات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. نراه يتعاطى مع كلّ الأزمات بمنطق الحصار والتصدّي والمواجهة. هكذا يفعل مع نقص الموادّ الغذائيّة في مناطق نفوذه. وكذلك مع وباء كورونا، وصولاً إلى تشكيل الحكومة أو مواجهة الغضب الشعبيّ في الشارع، حيث باتت الثورة والثوّار مؤامرةً وُجِب التصدّي لها ومحاسبة المشاركين فيها ومَنْ يسكت عنها من قوى سياسيّة وعسكريّة.
مخطئ مَنْ يعتقد أنّ مواجهة حزب الله بالبيان واللقاءات وشاشات التلفزة قد توصل إلى نتيجة. أخذ حزب الله منّا نحن الشعب، ومن الدولة ومؤسّساتها، كلَّ شيء بقوّة سلاحه، تلويحاً به تارةً واستعمالاً له تارةً أخرى. لن يعيد الحزب أيّاً من هذه الغنائم، كما يُطلق عليها في أدبيّاته اللغويّة الموروثة، بغير المنطق الذي حصل به عليها، ألا وهو منطق القوّة.
.. هل هي دعوة لمواجهة عسكريّة مع الحزب وميليشياته؟
من المؤكّد الجواب هو: لا.
إنّما هي دعوة لإطلاق مقاومة سياسيّة إعلاميّة دبلوماسيّة اقتصاديّة اجتماعيّة لتحرير لبنان واللبنانيّين من هذه الهيمنة الشاملة التي ينفّذها الحزب. هي دعوة لإظهار روح الرغبة بالمواجهة، عبر التخلّص من أنصاف البيانات وأنصاف المواقف وأنصاف المواجهات. حزب الله لم يكن متردّداً في أيّ مرحلة برغبته في هزيمتنا جميعاً، وصولاً إلى هزيمة لبنان الذي نحبّ ونؤمن به، لمصلحة لبنان الذي يحبّه ويؤمن به الحزب. كنّا جميعاً منذ 14 آذار 2005 متردّدين في مواجهة حزب الله تحت ألف شعار وشعار من الخوف من الوقوع في الفتنة، وصولاً إلى الخوف على بعض الأبنية والشركات والمؤسّسات التي نعيش لحظة انهيارها اليوم. تردّدٌ جعله مطمئنّاً في اقتحام بيروت وأهلها في 7 أيّار 2008، ثم في نشر قمصانه السود عام 2010، وصولاً إلى قول السيّد نصر الله عبارة “وصلت معي لهون..”، مشيراً إلى رأس أنفه، مهدّداً متوعّداً كل الأطراف بالأسماء والعناوين.
هناك من يجب أن يؤمن بالمقاومة السياسيّة لتحرير الشرعيّة اللبنانيّة، وأن يمتلك الرغبة وأن يسعى لامتلاك القدرة. والبداية بوقوفنا جميعاً بوجه السيّد لنقول “نحن اللبنانيّين وصلت معنا من حزب الله لعند الله”.
هناك احتلال سياسي ولكلّ احتلال جبهة مقاومة. وإطلاقَ هذه الجبهة التي تضمّ كلّ مَن يؤمن بالتحرير صار ضرورة مصيرية، وأن لا سبيل غير التحرير لإنقاذنا جميعاً حتى لإنقاذ ممّن “وصلت معهم لهون”. إنّها جبهة مقاومة سياسيّة لتحقيق الاستقلال الثالث.