يُصمّم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم أكثر من أي وقت مضى على إيجاد تسوية للملف الحكومي، والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة التي تنقذ إقتصاد البلد والشعب من السقوط المدّوي.
بات سيّد الصرح على قناعة بأن القوى السياسية الأساسية المهتمة بملف التأليف تلعب لعبة “الغميضة” وتتقاذف التهم وأسباب التعطيل، فهو غير راضٍ على أداء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، ويعتبر أن القادة عليهم في الأوقات الحرجة تقديم التنازلات لأن حقوق الناس أهم بكثير من حقوق الطوائف، ومن جهة أخرى يسأل الرئيس المكلّف سعد الحريري عن التأخير المتعمّد بتأليف الحكومة وعن الأسباب التي تدفع البلاد إلى البقاء بلا حكومة فاعلة.
وعليه، فإن البطريرك الراعي سئم من كثرة رمي التهم وتسلّح كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف بالدستور، وتعرف بكركي جيداً أن الدستور هو الأساس في حكم البلد، لكنها تسأل الحكّام أين هو الدستور في كل ما يجري؟ والفراغ الحكومي ألا يُعتبر خرقاً فاضحاً للدستور؟!
وتُشدّد بكركي على أنها تخوض معركة كل مواطن لبناني بعيداً من الخلفيات الطائفية، وهي من أكثر الحريصين على الدستور والأعراف، ومثلما رفضت الفراغ الرئاسي بين عامي 2014 و2016 فهي ترفض الفراغ الحكومي وتريد أن يكون هناك رئيس حكومة فعلي يمارس صلاحياته على أكمل وجه، ومجلس وزراء فعّال لأن هذا الزمن “البائس” يحتاج إلى حكومة منتجة، وبالتالي محاولة وضع المعركة في إطار طائفي أو إظهار الصراع على أنه ماروني – سني لا أساس له من الصحة.
إذاً، يعرف البطريرك الراعي أننا نعيش في زمن بائس، وكان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير أول من أطلق هذا التوصيف في قدّاس شهداء “المقاومة اللبنانية” في أيلول 2011، وعلى رغم صعوبة الأوضاع إلا أن الراعي لن ييأس من كل العراقيل وسيواصل العمل من أجل تحقيق ولادة حكومية في أسرع وقت ممكن.
ووفق المعلومات، فإن البطريرك الماروني يتواصل بشكل كبير مع الاطراف المعنية بتأليف الحكومة، أي عون والحريري، ويستكمل جهوده مع المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، وأمام الأفق المسدود داخلياً يرى الراعي أن “القصة صارت كبيرة” وتحتاج إلى تدخّل أكبر، فالأزمة الحكومية هي نتاج عن الأزمة الوجودية التي تضرب لبنان.
وأمام هذه الوقائع، يعتبر سيّد الصرح أن التركيز سينتقل في الفترة المقبلة على التواصل مع العالم الخارجي، وفي هذا الإطار، سيُجري الراعي مشاورات واسعة النطاق بدأها مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، كذلك فهو على تواصل شبه يومي مع الفرنسيين والفاتيكان، على أن تتطوّر هذه الإتصالات لتشمل الدول الخليجية والاميركيين في المرحلة المقبلة.
ويعمل الراعي على حشد أكبر دعم ممكن للقضية اللبنانية، ويعتبر أنه بلا الحاضنة العربية والأوروبية والأميركية لن يستطيع إنقاذ ما تبقّى من الكيان، فالأمور تزداد سوءاً والوضع يتدهور.
ويتمسّك الراعي بالحياد والمؤتمر الدولي لإنقاذ لبنان، وهو يرى أن الأزمة الحكومية ستتحول تفصيلاً إذا انفجر الواقع الإجتماعي والإقتصادي والأمني، لذلك فإن أهمية تدخّل الدول المهتمة بالشأن اللبناني باتت حاجة ملحّة أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي فإن التواصل الخارجي بات من أولويته بعدما فشلت الطبقة الحاكمة في إيجاد الحلّ الممكن لأزمة داخلية لا ترحم أحداً.