بمزيج من الأمل المغمّس بالألم، مرّ أحد الشعانين واللبنانيون لا يزالون يحملون “أغصان الزيتون” بانتظار من يخلّصهم من شرور السلطة وشياطينها المتحكمة بقيادة دفة البلد، على خط سير “جهنّمي” لا رجعة فيه ولا مفرّ من خطواته المتسارعة نحو الجحيم… فلا المبادرات الداخلية والخارجية استطاعت أن تخرق جدار النزاع السلطوي التحاصصي بين أطراف الحكم، ولا لاقت آذاناً صاغية كل نداءات البطريرك الماروني بشارة الراعي لإصلاح ذات البين وإعادة وصل ما انقطع بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، على نية إنقاذ لبنان وأبنائه من براثن “هذه الحالة المأسوية”، معرباً في قداس الشعانين أمس عن إدانته “كل مسؤول سياسي” أوصل الدولة إلى هذه الحالة، وترفع بنفسه وبالصرح البطريركي عن تأييد “سلطة تمتنع قصداً عن احترام الاستحقاق الدستوري وتعرقل تأليف الحكومات”.
وإمعاناً في العرقلة ونسف الجهود الإصلاحية الإنقاذية، تنشغل دهاليز الطبقة الحاكمة في إنضاج “طبخة” الانقلاب على المبادرة الفرنسية والانقضاض على مندرجاتها الحكومية، عبر ما وصفته مصادر مواكبة، نسخة “محوّرة” من هذه المبادرة تمّ وضعها على نار المشاورات الرئاسية والسياسية، وتفضي إلى “الالتفاف على الصيغة التخصصية للتشكيلة الوزارية العتيدة، من خلال رسم معالم صيغة هجينة من وزراء تكنوقراط تابعين للأحزاب السياسية”، موضحةً أنّ “كل النقاش بات يدور راهناً تحت عنوان تشكيل حكومة تكنوسياسية ترضي أطراف السلطة وتحظى بقبول المجتمع الدولي”.
ونقلت المصادر أنّ “كل اللقاءات الديبلوماسية التي شهدتها المقار الرئاسية والسياسية والدينية لم تحمل مبادرة معينة، انما اقتصرت على نصيحة القيادات اللبنانية بوجوب الاسراع في عملية تأليف الحكومة ووضع الخطة الاصلاحية المنصوص عنها في المبادرة الفرنسية موضع التنفيذ، مع التأكيد على أنّ من ينتظر تدخلاً خارجياً لطرح مبادرة جديدة خارج إطار المبادرة الفرنسية إنما ينتظر مجرد سراب”، لافتةً إلى أنّ “الضغط الدولي يقتصر على المواقف التحذيرية من مغبة الإمعان في العناد السياسي واستنزاف الوقت والفرص، وسط تقاطع الرسائل الديبلوماسية عند التشديد على أنّ الكرة هي في ملعب القيادات اللبنانية نفسها دون سواها”، مع الإشارة إلى أنّ “الأسبوع الحالي سيشهد المزيد من اللقاءات الديبلوماسية والسياسية في قصر بعبدا وسواه، ومن غير المستبعد أن ينتج عن هذه اللقاءات مزيد من الوضوح في صورة المشهد الحكومي”.
وفي هذا السياق، كشفت المصادر أنّ “اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري في عين التينة يوم الأربعاء الفائت، تمّ في خلاله عرض العقبات التي تعترض المسار الحكومي”، لافتةً إلى أنّ “بري عمد إلى طرح سلسلة من الأفكار القابلة للتسويق، مع ميل واضح لديه لتبني ذهنية “التسوية” التي طرحها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، بما يقتضي توسيع التشكيلة الوزارية، مع تفضيل حكومة من 24 وزيراً خالية من الثلث المعطل وتضم أكبر شريحة تمثيلية للأحزاب بشكل يؤمن تغطية سياسية للقرارات الصعبة التي ستتخذها”.
أما على ضفة المعارضة، فبرز تشديد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على أنّ الهدف من إلحاحه المستمر على وجوب إجراء انتخابات نيابية مبكرة هو إحداث تغيير “في موازين القوى داخل المجلس النيابي”، معرباً في هذا المجال عن ثقته بأنّ الانتخابات ستنقل الأكثرية “من مكان إلى آخر”، مع تأكيده على أنّ التغيير سيطال “أقله 10 نواب على الساحة المسيحية”.
وإذ رأى أنّ عودة التفاهم مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مرهونة بـ”حل وحيد: نستقيل سوياً ونذهب إلى انتخابات”، جزم جعجع بأنه طالما ميشال عون في بعبدا والأكثرية النيابية الحالية في ساحة النجمة “ما في أمل”، واضعاً خريطة طريق وحيدة للخلاص من تداعيات الأزمة القائمة، وهي تقوم على سلسلة خطوات “تبدأ بانتخابات نيابية مبكرة، تليها انتخابات رئاسية مبكرة، ومن ثم تشكيل حكومة إنقاذ حقيقية”.
وعن عزف العهد العوني و”التيار الوطني الحر” على وتر الدفاع عن حقوق المسيحيين، شدد جعجع على أنّ “أكثر من ضرب حقوق المسيحيين وصلاحياتهم في لبنان هو التيار الوطني”، وأردف: “إلتعن سما اللي خلّف المسيحيين في عهد عون الذي أسقط الدول الغربية والعربية من حساباته وذهب عكس تاريخ المسيحيين باتجاه محور الممانعة”، كاشفاً عن تعليقات ديبلوماسية سمعها شخصياً بهذا المعنى وتقول: “لم نتصوّر أن يكون المسيحيون يوماً مع بشار الأسد و”حزب الله” وإيران”!