في المقابل، هناك وجهة نظر أخرى تفيد بأن واشنطن، وتحت سقف عدم اهتمامها بالتفاصيل اللبنانية، لا تريد أن يبقى لبنان متروكاً، ولا إهماله حتى الانهيار. لذلك تتحرك السفيرة ضمن هامش واسع بحثاً “تسوية”. وهي كلمة أطلقتها من القصر الجمهوري بعد زيارة رئيس الجمهورية.
واقعية واشنطن
بعض المعطيات من واشنطن تفيد بأن الإدارة الأميركية الجديدة لا تريد للبنان أن ينهار. وهي لا تمتلك أي مبادرة جديدة تجاهه. لكنها داعمة للمبادرة الفرنسية. وهو موقف أيضاً تعبر عنه السفيرة الأميركية واشنطنفي مجالسها ولقاءاتها. نظرية ديفيد هيل في الخارجية الأميركية ترتكز على اعتماد سياسة أميركية واقعية مع لبنان، لا سيما في عملية تشكيل الحكومات، مثلما قال في أحد تصريحاته سابقاً بأن الإدارة الأميركية تتعاطى مع الحكومة اللبنانية، ولكن لا تتعاطى مع وزراء حزب الله. لا يعني ذلك أنه بحال شارك الحزب في هذه الحكومة، لن يتم التعاطي الأميركي معها، بخلاف ما كان عليه الوضع والتحذيرات والشروط من قبل إدارة دونالد ترامب.
هذا التوجه يفسح المجال أمام مشاركة حزب الله بشكل غير مباشر في الحكومة، أو عبر وزراء اختصاصيين. بحال نضجت ظروف تشكيل الحكومة. وكلام السفيرة الأميركية كان في غاية الوضوح من قصر بعبدا، حول ضرورة التنازل عن الشروط كلها، والذهاب إلى تسوية. مضمون موقفها الذي لم تعلنه صراحة كان يتطابق بشكل كامل مع تصريح أطلقه ديفيد شينكر محمّلاً عون وباسيل مسؤولية تعطيل الحكومة، لأهداف رئاسية. في اللقاء بين عون والسفيرة الأميركية، تشير المصادر إلى أن الأخيرة سألته عن أسباب عدم إنجاز التشكيلة الحكومية، ألقى عون بالمسؤولية على الحريري، ونفى أي علاقة له بالتعطيل، معتبراً أن الرئيس المكلف لا يريد تشكيل الحكومة وهو شخص غير متعاون.
لكن شيا قالت لعون إن اللائحة التي أرسلها للحريري وكل اللوائح الأخرى التي جرى تسريبها تشير إلى أنه يطالب بالثلث المعطل، المرفوض من قبل كل القوى الداخلية والخارجية. فما كان من عون إلا أن جدّد نفيه الأمر، معتبراً أن ما ورد في الورقة المنهجية المقصود به التوزيع الطائفي للحصص وليس التوزيع السياسي. لكن السفيرة لم تقتنع بكلامه. في لقائها مع الرئيس المكلف كان هناك توافق معه حول تحميل عون مسؤولية التعطيل. وقد وضع الحريري السفيرة في كل ما لديه من مراسلات ومحادثات ومشاورات تثبت صحة ما يقول.
تشويه صورة الحريري
هذا الكلام يقود إلى خلاصة واحدة، وهي أن عون لا يريد عودة الحريري لرئاسة الحكومة. لذلك يقول للجميع إن عليهم البحث عن رئيس آخر، وحكومة الاختصاصيين لا بد لها أن تتشكل من دون الحريري. هذه معركة أساسية ووجودية بالنسبة إلى عون ومن خلفه باسيل، لأنه في اللحظة التي يشكل فيها سعد الحريري حكومته، سيكون باسيل في وضع مأزوم إلى أقصى الدرجات. حاول السفراء سؤال عون عن البدائل لديه، فلم يجدوا أي بديل. هو فقط لا يريد سعد الحريري. بعض من يتابع كيفية تصرف رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلف، يشير إلى أنه سيعمل على التحضير لحملة إعلامية وسياسية وقضائية واسعة ضد الحريري، بهدف تهشيم صورته، وتوجيه اتهامات كثيرة له تحرجه أمام اللبنانيين وأمام المجتمع الدولي. وبالتالي، لا يكون الشخصية المولجة أو المعتمد عليها لإنجاز الإصلاحات.
مبادرة برّي
في المقابل، يطرح الرئيس نبيه بري مبادرته الجديدة، والتي تقوم على تشكيل حكومة من 24 وزيراً، بلا ثلث معطل. ولا يبدو أنها لاقت أصداء إيجابية من القصر الجمهوري. لم يعرف بعد كيف سيمكن لعون قطع الطريق على هذه المبادرة، سواء من خلال أساليب إلتفافية بناء على معادلة الثلث المعطل، أو اقتراح الوزراء أو من يسميهم وكيفية تسميتهم، أو من خلال الخلاف على توزيع الحقائب. أو من خلال طرح أفكار جديدة حول وجوب توزير كتل نيابية أخرى، ككتلة اللقاء التشاوري، لقضم حصة الحريري، أو حتى من خلال طرح فكرة الاتفاق على برنامج الحكومة وخططها قبل الاتفاق عليها.