“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
مسكين الرئيس حسان دياب. “مش عارف منين ياكلها” على حد قول مرجع سياسي، لا من الإعلام الذي يُطالبه بال”مَكسيموم”، وحين يُبادر يهاجمه، ولا من السياسيين الذين يدعونه إلى التقدم، وحين يطلب ضمانات كي يستمرّ ويحمي نفسه من “الإفتراس المحتوم”، يُشيرون بإصبعهم إلى جحافل الأقلام كي تنقضّ على الرجل وتلقّنه درساً.
من الأساس، دخل حسان دياب إلى السلطة دون ظَهر، إلى مكان غير طبيعي، لا يشبهه. من اتهمه لاحقاً بأنه “مَسنود” على حلف “جرّار” يمتد من الشرق وينتهي على حدود البحر المتوسط، يمثّله في الداخل “حزب الله” وطهران في الخارج، بدا أنه يُبالغ. في وقت الحشرة، حتى الحزب لم ينفع دياب، ليس لأن الحزب لا يرى في الأكاديمي ذات التوجّه الغربي حلاً، بل لأن خطوط الطول والعرض والقشور والواقعية السياسية تفرض نفسها عليه.
يوماً ما، قيل أن جبران باسيل هو من أتى بحسان دياب رئيساً لمجلس الوزراء “نكاية” بسعد الحريري، أو لكي يضع الموقع السُنّي الأول “كشتباناً” في إصبعه، لكن تبيّن لاحقاً أن جبران، والعهد من خلفه، هما أكثر من ذمّ بحسان دياب، وتعاطى معه بالسوء السياسي والإداري، ولم يكن على هواهما السياسي، ولو خُيّر لهم لكانوا أزاحوه منذ مدة طويلة، وما تركوه يُصرّف الأعمال حتى.
وفي الأساس دياب يُشكّل مشكلة أيضاً لنفسه قبل غيره. الرجل وبكل محبة يتهوّر وينجرف مع التيّار سريعاً. حين عثر على اشتباك سياسي محلي قائم، وجد في نفسه إمكانيةً للحل، أو ربما ثمة من زرع هذه الفكرة في رأسه وأشار إليه كي يُبادر تجاه المتقاتلين، فبادر لكن حتى المبادرة لم تنفع، بل أُخذت سياسياً لصالح طرف بوجه آخر، وحملت تفسيرات متضاربة لم تطاول أصل الفكرة، ولاحقاً تمدّدت القضية حتى بدأ يُقال أن حسان دياب، يبحث عن موقع أو يحجز موقعاً لنفسه في خضمّ تلك “المعموعة”، مع العلم أن الرجل وفي كل لقاء يعقده، سياسي أو غير سياسي، يبدأ كلامه بتذكيره الموجودين أن لا مطامع أو مطامح سياسية لديه، جلّ ما يريد أن ينتهي هذا الكابوس الذي ورّط نفسه به، وهذا ينسحب طبعاً على طلب تأشيرة دخول نادي رؤساء الحكومات السابقين. حتى لو قُدّر له الدخول، كيف سيكون شكله وما هو دوره في ظل وجود حيتان سياسة ومال و”بوايكية”؟
وعن مشكلة دياب نتحدث أيضاً ونستفيض. حين خرج ذات مساء مهدداً متوعّداً بأنه سيعتكف، ظنّ، أو ثمة من أشار إليه، أن خطوة مماثلة قد تصحّ في مقام ترشيد خطابات الآخرين وقد تفتح ثغرة في جدارٍ سميك، ليكتشف لاحقاً أن التهديد وقع عليه ذماًّ مُضافاً ولم يؤدِ غرضه، بل أظهر عجزه حتى عن إقناع فئة سياسية ما بفكرة ما، حتى باريس لم يتسنى لها أن تقنعها أو “تروّضها”، والآن يُقال أن دياب قد فشل.
نعم صحيح، لقد فشل في تهديده بالإعتكاف، وعلى الأرجح تراجع عنه حين وجد أن لا تأثيراً لديه على أحد، أو أهمية للجملة لدى أحد، وها هو يركن إلى إعادة تفعيل حكومة عند نقطة واحدة: “درس مشروع موازنة 2021″.
عملياً، هناك من يكشف أن دياب، في صلبه، رجل دولة، بمعنى أنه ليس شخصاً يحرّكه غضبه أو انفعاله، كما يحدث مع الرئيس سعد الحريري على سبيل المثال لا الحصر. فحين طُرح عليه إعادة تدوير حكومته على قاعدة تفعيلها مجدّداً، لم يرفض بالمطلق كما يسوّق، بل وضع شرطاً اقترن قبوله به، وهو توفير غطاء للخطوة من خلال مجلس النواب، وهذه الفكرة تكوّنت لديه من خلال سلسلة اتصالات أجراها.
صحيح أن خبراء دستوريين وقانونيين آخرين ينفون ربط إعادة تفعيل الحكومة بالإستحصال على إذن من البرلمان ، لكون الحكومة كان سبق لها وأن نالت الثقة، حتى وإن كانت مستقيلة اليوم، لكن ما يرمي إليه دياب أعمق من ذلك بكثير. هو يريد ضمّ الفئات السياسية والمكونات كافة إلى أسفل مظلة الحكومة وتحميلهم المسؤولية حيال أي قرار قد يتخذه، وفي هذا قَطعٌ للطريق على هذه القوى التي لها باع طويل في التنصّل من أي قرار أو تسوية، وذات قدرة على النفاذ بجلدها حين تجد أن لا مصلحة لها بهذا البند أو ذلك، أو تجد أن ذلك قد يمثل ضرراً لها، وهنا من حق دياب أن يُحصّن نفسه.
ولا ريب في أن زوار الرئيس دياب، ذكروا أنه على استعداد كامل لأداء أي مهمة داخلية، على قاعدة استلحاق ما يمكن استلحاقه في حال كان ثمة عاجل أو طارئ يحمل صفة الداهم، لكن مع وجود استثناءات طبعاً تبدأ برفض البحث في مسألة رفع الدعم التي ما برح الرجل يكرّر أنها تحتاج إلى حكومة أصيلة، لذلك يشترط أن يُمنَح تفويضاً صريحاً كي يُبادر، فما جرى معه خلال 7 أشهر من تولي المهمة يدعوه للحذر وتجنّب تكرار نفس التجربة، خدمة لأي طرف سياسي، كان يجدر بداية أن يدعمه لا أن ينقلب أو يتآمر عليه. ويقولون أن ما استجّد لدى دياب حتى عدل عن تشبّثه في رأيه، هو معاينته لمسار انهيار البلد وملاحظته أن إمكانية التسوية بعيدة، ومن موقعه الوظيفي محال أن يجلس عند طرف النهر منتظراً جثة البلد.
في كلامه الأخير حيال رفضه تفعيل الحكومة إلا مشروطاً بغطاء من المجلس، ذهب البعض نحو الإيحاء المباشر، أن دياب في كلامه ذات السقف المرتفع، يردّ على الأمين العام ل”حزب الله ” السيد حسن نصرالله، الذي دعاه سابقاً إلى تفعيل حكومته، وبعض “الأغرار” أخذوا يعملون على المأسسة لخلاف غير موجود بين الرجلين، مع ذلك، فإن دياب في ردّه، لم يرد التمرّد على طرح نصرالله، بل أنه ردّ القضية برمتها إلى أصل المشكلة. فتمنّعه عن إحياء الحكومة بالشكل الذي يريده السياسيون، يندرج تحت خانة الإشتراط على المجلس الحصول منه على تفسير دستوري يُحدّد له سقف تصريف الأعمال ودور الحكومة المستقيلة في ظل الوضع الراهن، والمجلس، كما بلغ دياب من قبل الموفدين، ليس في وارد أن يغطي الحكومة ولو حتى ساعة.