الحدث

هيومن رايتس: إصلاحات العمل بالسعودية غير كافية ولا تفكك نظام الكفالة

قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، السبت، إن الإصلاحات العمالية التي أقرتها السلطات السعودية، مؤخرا، لا تصل إلى حد تفكيك نظام الكفالة، داعية المملكة إلى اعتبارها بداية لإصلاح أوسع لهذا النظام وليس نهايته.

وادخلت السعودية، في مارس/آذار 2021، إصلاحات عمالية تُخفف القيود وتسمح لبعض العمال الوافدين بتغيير وظائفهم من دون موافقة صاحب العمل، في بعض الظروف المحدودة.

ومع ذلك، وفق “هيومن رايتس”، “لا تصل هذه الإصلاحات إلى حدّ تفكيك نظام الكفالة المُنتهِك، وتستثني العمال الوافدين غير المشمولين بقانون العمل، بمن فيهم عاملات وعمال المنازل والمزارعين، وهم من بين الأقل حماية والأكثر عرضة للانتهاكات”.

وأضافت المنظمة الحقوقية إن “الإصلاحات السعودية تسمح للعمال الوافدين بطلب تصريح سفر من دون إذن صاحب العمل للمرة الأولى، لكنها لا تلغي تصريح السفر، الذي ينتهك حقوق الإنسان”.

وقال نائب مدير الشرق الأوسط في “هيومن رايتس”، “مايكل بيج”: “لدى السعودية أحد أكثر أنظمة الكفالة انتهاكا في المنطقة. الإصلاحات محدودة وإشكالية، ولا تفكك نظام الكفالة إطلاقا. استُثني الملايين من عاملات وعمال المنازل وغيرهم من هذه الإصلاحات، ما يضعهم بالكامل تحت رحمة أصحاب العمل”.

ويشغل ملايين العمال الوافدين في السعودية غالبا وظائف يدوية ومكتبية وخدماتية، ويشكلون أكثر من 80% من القوة العاملة في القطاع الخاص يحكمهم نظام الكفالة الذي يمنح أصحاب العمل سلطة مفرطة على تنقلهم ووضعهم القانوني في البلاد.

ويرسخ النظام تعرض العمال الوافدين لمجموعة واسعة من الانتهاكات، من مصادرة جوازات سفرهم إلى تأخر أجورهم وعملهم القسري. ورغم أن وسائل الإعلام المحلية ذكرت عكس ذلك، فـ”قلما تسهم التغييرات في تفكيك نظام الكفالة، ما يعرض العمال الوافدين لخطر الانتهاكات بشكل كبير”، حسب “هيومن رايتس”.

أُعلِن عن الإصلاحات للمرّة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 كجزء من مبادرة “تحسين العلاقة التعاقدية” التي أطلقتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية؛ بهدف “تحسين العلاقة التعاقدية بين العمال وأصحاب العمل”، والمساعدة في إنشاء “سوق عمل جاذبة”، و”تحسين بيئة العمل” في البلاد.

الإصلاحات، التي جاءت على شكل قرار وزاري والمتاحة على المنصتين الإلكترونيتين “أبشر” و”قوى”، تعالج جزئيا فقط عنصرين من 5 عناصر رئيسية لنظام الكفالة يمكن أن تُبقي العمال الوافدين أسرى لأوضاع منتهِكة، مثل الحاجة إلى موافقة صاحب العمل على تغيير الوظائف أو تركها ومغادرة البلاد. لكن حتى هذه التغييرات محدودة، وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يحق لكل فرد مغادرة أي بلد.

وحتى 14 مارس/آذار، نصت الإصلاحات على أن العمال الوافدين الخاضعين لولاية قانون العمل السعودي يمكنهم تغيير وظائفهم من دون موافقة صاحب العمل الحالي، بعد إتمام عام واحد من العقد أو بمجرد انتهاء عقدهم.

ووفق دليل المستخدم لخدمات مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية الصادر عن الوزارة، تشمل الظروف الأخرى التي يمكن للعامل الوافد تغيير وظيفته في ظلها من دون شروط: انتهاء صلاحية رخصة عمل العامل؛ عدم تقاضي العامل أجره لثلاثة أشهر متتالية؛ ونشوب نزاع عمالي وسط تغيب صاحب العمل عن جلستي تقاض.

ويبدو أن النسخة الإنجليزية من الدليل مختصرة من النسخة العربية، وتغفل بعض التوجيهات الهامة. إذ تنص النسخة العربية على أن صاحب العمل الجديد مسؤول عن دفع أي تكاليف مرتبطة بنقل الوظيفة، لكنها لا توضح كيف تعتزم الوزارة ضمان عدم إجبار العمال الوافدين المستضعفين على تحمل هذه التكاليف بأنفسهم.

ويذكر قسم “الأسئلة الشائعة” أن العامل الوافد الصادر بحقه بلاغ انقطاع عن العمل، لا يمكنه الاستفادة من إصلاحات التنقل الوظيفي. وتغفل النسخة الإنجليزية من الدليل هذه النقطة. ففي السعودية وسائر دول الخليج، يمكن اتهام العمال الذين يتركون صاحب العمل من دون موافقته بـ”الهروب”، ويواجهون السجن والترحيل.

وأظهرت أبحاث “هيومن رايتس” في دول الخليج أن العمال الوافدين معرضون لمثل هذه العقوبات، حتى عندما يفرون من الاستغلال أو الانتهاكات، ويرفع بعض أصحاب العمل قضايا هروب كاذبة للتهرب من التزاماتهم القانونية بدفع الأجور أو توفير الطعام والسكن.

بموجب القرار الوزاري، يمكن الآن للعمال الوافدين، الذين لم يتمكنوا سابقا من مغادرة السعودية والعودة إليها من دون موافقة صاحب العمل، تقديم طلب عبر الإنترنت للحصول على تأشيرة خروج وعودة أو تأشيرة خروج نهائي من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

وينص الدليل على وجوب حيازتهم إقامة سارية المفعول، وعقد عمل موثق، وجواز سفر صالح، ويجوز للسلطات السعودية رفض خروجهم في حال ترتبت عليهم ديون أو غرامات مستحقة، وينص الدليل أيضا على أنه ينبغي على العامل، وليس صاحب العمل، تحمل أي تكاليف مترتبة على طلب التأشيرة، والتي تبلغ تكلفتها حاليا 200 ريال سعودي (53 دولارا).

ووفق توجيهات النسخة العربية، يتم إشعار صاحب العمل عندما يقدم العامل الوافد طلبا، ولديه 10 أيام للاستفسار عن الطلب،وتصلح تأشيرة الخروج والعودة لـ30 يوما، ولا يمكن للعامل الوافد طلب تأشيرات متعددة الاستخدامات بشكل مستقل، ويمكن لصاحب العمل فقط تمديد تلك الفترة الزمنية، ويُمنع العامل الوافد الذي لا يعود في غضون 30 يوما نهائيا من العمل في السعودية.

ويُمنع العامل الوافد الذي يغادر السعودية باستخدام تأشيرة خروج نهائي قبل انتهاء عقده من دخول المملكة نهائيا، ومن غير الواضح ما المعايير التي تنوي الوزارة اتخاذها لتحديد شروط قبول طلبات خروج العمال وإمكانية استخدام استفسار صاحب العمل لحرمان العامل من تصريح الخروج.

وينص الدليل بالعربية على أن النظام الجديد لطلب هذه التأشيرات من دون موافقة صاحب العمل لا يحل محل النظام السابق، الذي من خلاله يكون صاحب العمل مسؤولا عن إصدار هذه التأشيرات لموظفيه الوافدين، إنما يُطبق إلى جانبه ببساطة.

وبالتالي، قد لا يدرك العمال الوافدون الإصلاحات أو كيفية الاستفادة منها، خصوصا الذين يعملون في وظائف متدنية الأجر، ويعتمدون على أصحاب العمل في الإقامة والطعام والنقل، وقد لا يعرفون بالإصلاحات أصلا أو يجدون صعوبة في الاطلاع على المنصات الإلكترونية.

وتظل عناصر الكفالة المنتهِكة الأخرى جزءا من النظام الجديد، إذ لا يزال على العمال الوافدين، ومَن يعيلونهم، الاعتماد على أرباب عملهم لتسهيل الدخول والإقامة والعمل في البلاد؛ ما يعني أن أصحاب العمل مسؤولون عن التقدم بطلب للحصول على تصاريح الإقامة والعمل وتجديدها وإلغائها، وقد يجد العمال أنفسهم بلا وثائق دون أن يكون لهم أي ذنب في ذلك عندما لا ينفذ أصحاب العمل مثل هذه العمليات، ويتحمّل العمال العواقب.

وقالت “هيومن رايتس” إن العمال الوافدين سيظلون بحاجة أيضا إلى إذن صاحب العمل للتنقّل الوظيفي، إذا لم يتمموا عقدهم أو عملوا أقل من عام؛ ما يعرضهم غالبا للانتهاكات، ولا تزال مصادرة جوازات السفر، ورسوم التوظيف المرتفعة، وممارسات التوظيف الخادعة مستمرة ولا تُعاقب إلى حد كبير، ويُحظر على العمال الانضمام إلى النقابات العمالية أو الإضراب.

يواجه أكثر من 3.7 مليون عاملة وعامل منزلي الانتهاكات الجسيمة نفسها، بما فيها عدم دفع الأجور وتأخرها، وساعات العمل الطويلة من دون يوم عطلة، ومصادرة جوازات السفر، ناهيك عن الإقامة القسرية، والعزل، والاعتداء الجسدي والجنسي، كما يُحرمون من جميع أشكال الحماية الممنوحة لأولئك الذين يحكمهم قانون العمل، بما فيها الإصلاحات الأخيرة.

وحسب “هيومن رايتس”، ليست المرة الأولى التي تزعم فيها السعودية أنها بصدد استبدال أو إلغاء نظام الكفالة، ففي العام 2000، أزالت المصطلح من قوانينها واستبدلته بلغة تشير إلى العلاقات التعاقدية مع السماح لأصحاب العمل بالاحتفاظ بالصلاحيات نفسها.

كما أدخلت السعودية إصلاحات عمالية في 2015 فرضت على أصحاب العمل الذين ينتهكون اللوائح غرامات أو رفعتها، بما فيه حظر مصادرة جوازات سفر العمال الوافدين، وعدم دفع الرواتب في الوقت المحدد، وعدم تقديم نسخ من العقود للموظفين.

ومع ذلك، لم تنطبق إصلاحات 2015 على عاملات وعمّال المنازل وغيرهم من المستبعدين من قانون العمل، وبقيت انتهاكات كثيرة مستشرية بينما كان من المفترض أن تردعها العقوبات.

وعلى مدى العقد الماضي، شرعت دول خليجية أخرى في إصلاح أنظمة الكفالة سيئة السمعة لديها؛ بحيث أدخلت معظمها إصلاحات أبرز من تلك التي أدخلتها السلطات السعودية، ومع ذلك، تستمر انتهاكات كثيرة مشابهة بحق العمال الوافدين في المنطقة، وغالبا ما تشمل عدم  دفع الأجور وتأخرها ومصادرة جوازات السفر.

وقال “بيج”: “تبدو إصلاحات العمل في السعودية إيجابية في البداية، لكن التفاصيل تكشف أنه ما زال بالإمكان أن يبقى العمال عالقين مع أصحاب عمل منتهِكين، وأن التغيير يسمح بمتابعة الممارسات الاستغلالية ضد العمال الوافدين. على السلطات أن تعتبر هذه الإجراءات بداية إصلاح أوسع لنظام الكفالة والعمل، وليس نهايته”.

المصدر: هيومن رايتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى