لماذا مبادرة السلام السعودية شكلية ومحكوم عليها بالفشل؟
الوقت- عشية العام السابع لحرب التحالف الوحشية التي تقودها السعودية ضد الشعب اليمني، وحساسية المجتمع الدولي تجاه أبعاد الأزمة الإنسانية التي تسببت بها هذه الحرب العبثية، تزايد الضغط على الرياض من أجل إنهاء هذه الحرب، الأمر الذي دفع السعوديين للتظاهر بالإنسانية والدعوة إلى السلام.
لذلك أعلنت السعودية خلال الأيام القليلة الماضية، عن مبادرة لوقف إطلاق نار شامل وإنهاء الحرب في اليمن. مبادرة تستند إلى فتح محدود لمطار صنعاء والحد من الهجمات على ميناء الحديدة. إلا ان صنعاء رفضت بشدة هذه المبادرة رغم ترحيب بعض الأطراف مثل أمريكا ومبعوث الأمم المتحدة وذلك لإظهار أن مثل هذه المبادرة لا يمكن أن يكون لها أي تأثير في حل الأزمة. وهنا يطرح السؤال التالي نفسه بقوة، لماذا المبادرة السعودية محكوم عليها بالفشل وماذا ستكون عواقب فشلها في مسيرة التطورات في اليمن؟
سلام الرياض الشكلي
منذ بدء عدوان التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن في عام 2015 وحتى الان كان العامل الأهم في استمرار الأزمة في اليمن والعقبة الرئيسة أمام تشكيل العملية السياسية، الاجراءات السعودية المتفائلة بالدعم العسكري والسياسي الأجنبي من قبل الحكومات الغربية لإفشال المبادرات الإقليمية والدولية عبر الاصرار على مواصلة الهجمات العسكرية وإبقاء الحصار اللاإنساني بحجة إعادة حكومة منصور هادي المستقيل والهارب إلى صنعاء.
إضافة إلى محاولة الهروب من واقع الهزيمة في اليمن عبر استمرار الحرب ضد صنعاء، يستخدم السعوديون الحرب اليمنية كغطاء لمشاكلهم الداخلية واسعة النطاق وخاصة في الأزمة الاقتصادية والخلاف غير المسبوق داخل العائلة الحاكمة بشأن قضية الخلافة، وليس لديهم اي إرادة لإنهاء الحرب في اليمن والتي يجب أن تسمى بفيتنام السعوديين. كما أن استمرار الهجمات على المواطنين وإبقاء الحصار هو وسيلة لتدمير الأسس الاقتصادية لليمن ومعاقبة جماعية لليمنيين لإخضاع حركة المقاومة اليمنية الشابة، والتي ستكون القوة الرئيسة في صنعاء اليوم وفي المستقبل القريب في كل اليمن وحتى شبه الجزيرة.
ومع ذلك، فإن مبادرة السلام السعودية تهدف فقط إلى أن تكون بمثابة لعبة دعائية بطلب من الإدارة الأمريكية الجديدة التي تسعى لتخفيف الضغط الدولي على الرياض عشية العام السابع من الحرب والتظاهر بالاستعداد لحل سياسي للأزمة اليمنية. ففي الواقع أن السعودية والإدارة الأمريكية الجديدة رغم معرفتهما أن صنعاء لن تتخلى عن استمرار مثل هذه الهجمات الرادعة في عمق الأراضي السعودية والتقدم نحو محافظة مأرب الاستراتيجية أمام مثل هذه المبادرة السخيفة، تسعيان من خلال المناورات السياسية والإعلامية إلى خداع الرأي العام الدولي في قضية معارضة ارساء السلام في اليمن. وتظهر نظرة على أداء إدارة بايدن بشأن الأزمة اليمنية أنه على الرغم من الشعارات الخادعة حول ضرورة إنهاء الحرب اليمنية، لكن البيت الأبيض لم يمارس أي ضغوط جدية على الرياض لإنهاء العدوان والحصار، وان طلب وقف إطلاق النار من جانب صنعاء هو فقط يصب في مصلحة السعودية لتجاوز الأزمة الحالية في محافظة مأرب.
كما أن مطالعة مضمون المبادرة السعودية يؤكد شكلية هذه المبادرة. في الواقع، أعلن السعوديون من خلال هذه المبادرة أنهم ليسوا مستعدين لتقديم أي تنازلات إلى صنعاء من أجل البدء بجدية في مباحثات تستند إلى حقائق الحرب. ومن ناحية أخرى، تنص المبادرة السعودية على توقف الهجمات على ميناء الحديدة. بينما تم اعلان وقف إطلاق النار في ميناء الحديدة منذ عام 2018 وفق اتفاقي ستوكهولم وبوساطة الأمم المتحدة وشن السعوديون خلال الأسابيع الأخيرة هجمات إضافية على الحديدة لتخفيف ضغط صنعاء على مأرب.
بعبارة أخرى، لن يكون للسعوديين أي فرصة لكسب موقع افضل في الحديدة بعد سحب مرتزقة المجلس الانتقالي الإماراتي من القتال إلى جانب القوات التابعة لمنصور هادي. البند الآخر المهم في مبادرة الرياض هو الافتتاح المحدود لمطار صنعاء. حيث لا يعتبر هذا البند امتيازاً خاصاً لصنعاء في ساحة المعركة والتفوق على القوات المعتدية وإشعال أعماق الأراضي السعودية. لذلك يتحدث ممثلو صنعاء عن انهاء العدوان والحصار التام لليمن.
ورغم أن المبادرة السعودية تعتبر بمثابة استمرار للحرب والحد من بوارق الأمل في إنهاء الحصار وايجاد انفراجة في الأزمة الإنسانية في اليمن، إلا أن تكثيف الهجمات الصاروخية والمسيرة على عمق الأراضي السعودية إلى جانب وصول عمل حكومة المستقيل منصور هادي في عدن الى طريق مسدود، من خلال التحرير الوشيك لمأرب، جعل اليد الطولى في التطورات لأنصار صنعاء عملياً، وعليه ستكون تكاليف استمرار الحرب عالية بالنسبة للسعوديين.