نارام سرجون
عندما لاأجد تفسيرا لعلاقة حب وتعلق بين طرفين غير متكافئين أكتفي بالقول ان احدهما مسحور .. وأضحك في سري وازعم ان الطرف الخبيث قد كتب تعويذة قوية عند شيخ له أخوة من الجن .. والحقيقة انني صرت أميل الى طرح هذه الفرضية عندما أقوم بتشريح العلاقة غير الطبيعية بين التيارات الاسلامية وتركيا .. فهناك حالة من الاستلاب والخضوع بين الاسلاميين وخصوصا الاسلاميين منهم تجاه تركيا .. ويظهر هؤلاء تعلقا بها كما تبدي الفراخ تعلقا بأمها .. ولاتقبل ان تتركها وكلما أخذناها من العش هرولت اليه واندست تحت أجنحة الأم .. حتى انني أقول ان الاسلاميين مسحورون بتركيا التي تعاملهم كمرتزقة .. وتفاوض على رؤوسهم وتبيع أبناءهم ونساءهم في أسواق اوروبا وتقبض ثمنهم ويجلس مع المثليين ويقيم لهم الحفلات .. ومع هذا فان الاسلاميين لايزالون مبهورين ومسحورين بتركيا وأردوغان .. يبيعهم خطبا وحطبا ويلعب مثل السحرة بالنار ويلبس ثياب عنترة في الأمم المتحدة ولكنه في فلسطين يصبح مهذبا ولايرمي حجرا على اسرائيل .. وعدهم ان ينفذ صبره وينقذهم ولكنه في ساعة الصفر تركهم لمصيرهم وقتل أبناءهم والقى بهم في الحروب وماتوا بمئات الالاف ولم يكترث الا عندما قتل له 50 جنديا تركيا .. ومع هذا يبقى الاسلاميون مسحورين ومبهورين بتركيا واردوغان ويجدون له الفتاوى والاعذار .. ولو رأوه بأم العين يلبس ثياب الحاخامات ويصلي امام جدار المبكى لقالوا انه يعد العدة لتحرير القدس من هناك .. انها ظاهرة عجيبة تستحق الدراسة والتأمل ..
وعندما كنت أقوم بمحاولة علمية لفهم الاصرار الاخواني والاسلامي على تبويس لحية تركيا وغسل أقدامها وشرب نقيع أقدام أردوغان والاستحمام به قررت ان أمسك ذرائع الاسلاميين وأدخلها الى المختبر لأعلم تركيبها الفيزيائي الذي يتسبب في هذه الحالة من الذهول والانبهار والتأثير .. واذا جمع أحدنا عشرات آلاف العبارات والتصريحات والمداولات يتبين من كل ماقيل ان الحنين للدولة العثمانية وللحالة الاسلامية برعاية تركيا سببه الشعور العام الاسلامي بالاهانة والضعف والوهن من التحكم الغربي بالمقدرات الاسلامية التي ظهرت منذ انهيار الخلافة العثمانية .. ويفسر العقل الاخواني ان حالة الهوان بدأت من اللحظة التي انتهت فيها الخلافة العثمانية التي حمت الشرق لمدة 400 سنة وصدت اطماع الاستعمار الاوروبي بل وهددته في عقر داره مما أضاف عزا للاسلام الذي غزا بعد ان كان مغزوا ..ولذلك ولاعادة انتاج تلك اللحظة لاسبيل الا بادارة عقارب الساعة الى الوراء ودفع الزمن نحو الوراء وارغامه على الدخول في اللحظة العثمانية من جديد ..
وهذا المنطق له استدلالاته القوية وحججه وذرائعه وهو يقول لنا ان بلاد الشام تمزقت وحدتها بخروج العثمانيين .. وفلسطين التي ضيعها العرب دافع عنها العثمانيون بل – يزعم الاسلاميون – ان السلطان عبد الحميد رفض التفريط بها كما فعل عبدالعزيز آل سعود .. بل ويحدق الاخواني في عينيك عندما يسألك سؤالا محددا وهو يتحداك ولايحركهما وهو ينتظر ان يتفجر الحرج منهما وان تغرقا في الحيرة كما يكون مفتش الشرطة يحدق ويحملق في عينيك وهو يستجوبك ويفاجئك بسؤال لاتتوقعه وتخشاه .. كي يخرج الاعتراف من عينيك .. ويظفر هو بالحقيقة من دون ان تقول كلمة واحدة ..
ان السؤال الذي يصطادك به الاخواني هو: اذا كنتم نادمين على تفكيك بلاد الشام والهلال الخصيب فلماذا تمانع عودتهما تحت الراية الاسلامية والعثمانية وهي التي حمتهما 400 سنة؟؟ اذا رفضت فهذا يعني انك لاتبحث عن الهلال الخصيب ولا الوحدة المشرقية ولاتريد ان تزول آثار سايكس بيكو .. وكل ماتفعله هو الشعارات ..
وهنا عليك ان تحملق في عيني الاخواني متحديا وتسأله أسئلة محددة وتقول له: هلا قلت لي ياأخي كيف تظن اننا كنا نعيش في هذه الدولة العلية والرائعة التي يملكها كل المسلمين والتي يفترض ان تعدل بين جميع المسلمين ولاتكون ملكا لعنصر واحد؟؟ فكيف لم يوجد شخص واحد من أصل عربي او شامي او عراقي او مصري كان له شأن في هذه الدولة؟؟ هات لي ياأخي اسم قائد واحد لحملة او لجيش عثماني طوال 400 سنة كان من عائلة عربية .. هات اسم ولو واحد .. بل يفاجئك التاريخ ان هذه الدولة التي عاش فيه المسلمون كانت فقط للأتراك ولم يملك باقي الناس في هذه الدولة اسما ولا علما ولا وظائف قيادية .. كان الجميع خادما في دولة واقطاعية كبيرة جدا يملكها الباشوات الاتراك والولاة العثمانيون .. جميع السوريين والعرب والعراقيين لم ينتجوا اسم قائد واحد او بطل لأن البطولة كانت ادوارها مقتصرة على العنصر العثماني .. فكيف يستوي هذا النموذج لدولة لجميع المسلمين ولكنها تدار بعقلية جمهوريات اغريقية حيث هناك طبقة للنبلاء وطبقة للعبيد وطبقة للعسكر .. وطبعا كان دور الاتراك هو الملاك والنبلاء بينما كان لبقية المسلمين والرعايا العرب فيها دور العبودية .. فلاحين يعملون في الارض ويقدمون الضرائب او يكونون المقاتلين المجندين في الصفوف الاولى للحروب .. فيما يكون العنصر التركي هو الضابط وهو المسيطر وهو الوالي والباشا .. ولذلك انقطعت كل المجتمعات عن الابداع والتقدم والتطور لأن دورها كان الخدمة لطبقة النبلاء والعسكر الانكشاري ..
لو كانت الدولة التركية توزع المغانم والمناصب والمسؤوليات على رعاياها بالتساوي لانهم مسلمون وهي راعية المسلمين لكنا وجدنا اسماء لامعة في العصور العثمانية التي يشار اليها على انها من أصول غير عثمانية .. ولكن لاشيء من هذا .. أي ان مافعله العثمانيون لايختلف قيد شعرة عما فعله الانكليز والفرنسيون في مستعمراتهم .. فكان الانكليز والفرنسيون يجندون ابناء المستعمرات للقتال في الصفوف الاولى فيما يتولى ضباط انكليز وفرنسيون قيادة المعارك .. لذلك كان الجنود السنغاليون والافارقة والجزائريون يحاربون مع الجيوش الفرنسية وكان الهنود والباكستانيون يقاتلون في الجيوش البريطانية .. وكان العرب يقاتلون في الجيوش العثمانية ..
وعلى عكس كل ماحدث في التاريخ فان ابناء المنطقة العربية الذين كانوا ايام الحكم الروماني الذي دام 600 سنة قادرين على يكونوا أباطرة وحكاما في الولايات الرومانية .. فان 400 سنة عثمانية لم يوجد فيها اسم واحد عربي تمكن من الوصول الى اي منصب حساس في الدولة العثمانية .. ولذلك لايوجد حاكم عثماني من أصول عربية .. ولا وال عثماني ولا باشا .. العنصر النقي المصفى الخالص في الدولة كان عثمانيا فقط .. اي ان دور العربي في الدولة كان المواطن من الدرجة الثانية والثالثة والعبد .. وهذا هو الدور الذي يريد الاسلاميون العودة له .. وليس فيه اي عز ولا كرامة ..
حتى المعاناة لم تكن موزعة بالتساوي على ابناء الولايات العثمانية بحيث يتقاسم العنصر التركي والعربي من ابناء الشعب نفس درجة المعاناة .. ولذلك تجد ان حكايات وشقاء السفربرلك هي فقط في الوجدان العربي .. ولايوجد اي شيء شبيه بها في الأناضول .. اي ان العنصر الشعبي التركي لم تكن تجري عليه قوانين الدولة العلية ايام الجوع والحروب بنفس الدرجة والقسوة .. فرغم ان الاتراك عانوا في الحرب العالمية الاولى الا ان معاناتهم كانت لاتقاس بمعاناة الشعوب العربية .. بل كانت عمليات مصادرة المواد الغذائية تتم فقط من الشعوب العربية في سورية ولبنان وفلسطين والاردن والجزيرة العربية والعراق .. وهؤلاء أكل السفربرلك أبناءهم وخبزهم وحياتهم .. بل هناك لون من الغناء الشعبي الفلسطيني الحزين المتأوه الباكي حتى التفجع والتصدع المسمى بالشلعيات (لأنها تشلع القلب من شدة وجعها) بسبب كارثة السفربرلك وحجم القسوة الرهيبة التي عومل بها الفلسطينيون من قبل الأتراك الذين جوعوهم وحرموهم أبناءهم في (الأخذ عسكر) والذين أُخذوا ولم يعودوا ولايعرف آباؤهم في اي ارض ماتوا .. في الدردنيل او البلقان او السويس .. ولكن لايوجد اي شيء يشبه تلك المعاناة في الذاكرة التركية الشعبية لأن العنصر التركي عومل معاملة مختلفة لأنه العنصر المفصل المتفوق والمالك للدولة الاسلامية التي عاش فيها جميع مسلمي تلك الأيام ..
وهنا يتساءل أحدنا.. عن أي شيء يتحدث الاسلاميون ؟؟ وعن اي عظمة وحماية لهم؟؟ الواضح ان الدولة العثمانية كانت تملكهم مثل مالك لأرض وقطعان تقوم بحماية اغنامها وأرضها ولكنها كانت تذبح هذه الاغنام في ولائمها الخاصة .. ودفاعها عن أراضي الامبراطورية كان بدافع الانانية والتسلط والرغبة في الاحتفاظ بالاملاك وليس الرغبة في الدفاع عن بقية اعضاء المجتمع وارضهم واملاكهم ..
الاخوان المسلمون المبهورون المسحورون بالدولية العلية في تركيا اذا سألتهم هذه الاسئلة لن يكون لديهم اي جواب وسيحملقون فيك .. رغم ان غياب الجواب عن العقلاء يجب ان يحرض فيهم التفكير والتغيير .. لكن هؤلاء المسحورين الذين تسيطر عليهم تعويذة عثمانية لعينة شريرة لن يقدروا على التفكير والتغيير .. ولاتتعب نفسك في مجادلتهم لأنها مضيعة للوقت .. فهم مسحورون ومفقودون ..
ولكن لاعليك .. انها نفوس العبيد .. ونفوس الخدم .. ونفوس المواشي والقطعان .. وهذه النفوس لاتقدر ان تعيد الزمن الى الوراء ولا ان تدخلك الى لحظتها .. بل ان هذه المواشي التي تجر المشروع التركي لاتقدر ان تقرر مصيره .. بل هو الذي يقرر مصيرها .. وهذا مانراه في الاخوان المسلمين المصريين الذين بمجرد اعلان التقارب المصري التركي خرسوا وتم حشو أفواههم بالبرسيم التركي ..وكل جوقات الندب والشجب والاستنكار بمصر والسعودية ستتوقف وستتحول الى مديح بالسيسي وابن سلمان .. حتى يختلف اردوغان مع السيسي ويغدر به كما هو متوقع حتماً .. وعندها سيظهر المبهورون والمسحورون وكل المواشي والابقار والبغال والغنم الاسلامي .. وسيعود اعلام المواشي .. كما كان ..
من الشلعيات الفلسطينية من ذاكرة السفربرلك والحكم العثماني ..