خلافاً لرغبة بنيامين نتنياهو في توقيع اتفاق التطبيع مع السودان، في ضيافة «الشريك» الإماراتي، قبل الانتخابات الإسرائيلية، جاءت التوجيهات الأميركية لأبو ظبي بالامتناع عن استضافة أيّ فعالية من هذا النوع. توجيهات سرعان ما امتثل لها الإماراتيون، على رغم محاولتهم تصدير رفضهم استقبال نتنياهو بوصفه «تعفُّفاً» عن خدمة حملته الانتخابية
على هذه الخلفية، أراد نتنياهو للزيارة أن تكون استعراضية مشبعة بالحفاوة، مع صدى يتردّد في تل أبيب ولدى الناخب الإسرائيلي، الأمر الذي دفعه إلى البحث عن احتفالية ما تكون محلّاً لاهتمام وسائل الإعلام، بحيث يستطيع الاستفادة منها إلى الحدّ الأقصى. هكذا، وجد نتنياهو ضالّته في الخرطوم، عبر دفْع حاكم السودان للتوجُّه إلى أبو ظبي، كي يُوقّع معه، في ضيافة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، اتفاق التطبيع بين الجانبين. وافَق «الشريك» السوداني بلا تردُّد، بينما تريَّث الجانب الإماراتي كي يستفهم موقف واشنطن، وشدّد على ضرورة مشاركة الجانب الأميركي، وعلى أعلى المستويات. وفقاً للإعلام العبري، الذي كشف تباعاً تفاصيل الزيارة التي لم تتمّ، لم ترْضَ واشنطن بأن تستقبل أبو ظبي نتنياهو إلّا بعد انتهاء العملية الانتخابية في إسرائيل، وهو ما وصل إلى مسامع المسؤولين الإماراتيين، فبادروا إلى الاستجابة الفورية. مع ذلك، تلقّى الإماراتيون تعهُّداً أميركياً بأن يكون الوفد الأميركي الذي سيشارك في احتفالية التوقيع مع الجانب السوداني، رفيع المستوى، وبرئاسة وزير الخارجية أنتوني بلينكن.
بحسب موقع «واللا» العبري، فإن نتنياهو كان مستميتاً كي تنجَز الزيارة قبل الانتخابات. ولهذه الغاية، مارس ضغطاً هائلاً على ابن زايد في الأسبوعين الماضيين، من بين وجوهه إرسال رئيس «الموساد»، يوسي كوهين، إلى أبو ظبي، حيث طرَق الأبواب الإماراتية مدّة ثلاثة أيام، واستثمر كلّ ما لديه من طاقة كي يتلقّى الضوء الأخضر من مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، لزيارة نتنياهو. لكن حاكم الإمارات ظلّ متردّداً، كونه لا يريد أيّ احتفالية من دون رضى أميركي، لكنه في الوقت نفسه لم يمانع إضافة نقاط محدودة إلى رصيد نتنياهو، عبر منْح الموافقة على زيارة قصيرة للأخير. وهذا ما كان، إلّا أن نتنياهو نفسه تسبّب بإلغاء هذه الزيارة القصيرة أيضاً.
يوم الاثنين الماضي، حلّ نتنياهو ضيفاً على إذاعة الجيش الإسرائيلي، حيث بدا معنيّاً بأن يُسمِع الإسرائيليين، على خلفية الضرورات الانتخابية، «إنجازات» من صنعه. ومن هنا، أعلن، ردّاً على سؤال حول التطبيع مع الخليج، أن الإمارات خَصّصت 40 مليار شيكل، أي ما يزيد قليلاً على 10 مليارات دولار، كي تستثمرها في إسرائيل، مضيفاً أن ابن زايد هو مَن أخبره بذلك، وأن ولي عهد أبو ظبي يؤمن بسياسته الاقتصادية. وفقاً لمصادر إسرائيلية مسؤولة، وكذلك مصادر خارج إسرائيل نقل كلامها موقع «واللا»، فإن حديث نتنياهو عن المليارات العشرة كان «القشّة التي قصمت ظهر البعير»، لدى الجانب الإماراتي، فكان قرار أبو ظبي بإلغاء الزيارة. إلا أن نتنياهو عاد من جديد، الخميس الماضي، ليوحي بأن إمكانية الزيارة تجدّدت، مُسرّباً للإعلام أنه ألغى جدول مواعيده وفاعليات حملته الانتخابية الخميس، كي يتوجّه إلى الإمارات، لكن الجانب الإماراتي أسمع مَن يعنيهم الأمر أن الزيارة غير ممكنة.
اللافت، كما ورد في الإعلام العبري، هو تملُّص نتنياهو، بعد كلّ تلك التطوّرات، من أصل الزيارة التي روّج لها طويلاً، وأعلن عنها مرّات عدة في الأسبوعَين الأخيرَين من دون أن تتحقّق. إذ في موازاة رفض مكتبه الإجابة عن أسئلة الإعلاميين في هذا الشأن، وادّعائه أن الزيارة لم تكن واردة أو مخطَّطاً لها على الإطلاق، وصَف نتنياهو، في تصريح لافت إلى الإذاعة الإسرائيلية، «قصة الرحلة إلى أبو ظبي» بأنها «تلفيق إعلامي»، قائلاً إنه لا يعلم مَن وزّعها على وسائل الإعلام. إنكار اضطراري هدَف إلى تقليص أضرار إبطال الزيارة، فيما أراد الجانب الإماراتي، خلافاً لحقيقة امتثاله لإرادة واشنطن بلا تردّد، الإيحاء بأن إغلاق الباب أمام نتنياهو مرتبط بأخطاء الأخير، وبرغبة الإماراتيين في أن لا يكونوا جزءاً من أدوات حملته الانتخابية.