هي من المرات القليلة التي يحصر فيها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله خطابه بالازمة المحلية ويبعث برسائل قوية الى الجمهور، ويضمنها انذارات شديدة اللهجة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد جوزف عون. والأهم بعد انه وضع الازمة الاقتصادية فوق كل الازمات، متحدثاً عن ازمة وطنية ليست الحكومة الا جزءاً منها. على صراحته المعهودة تحدث نصرالله واستفاض في الامن والسياسة والاقتصاد، فحذر وأمهل واستمهل. يخفي ما قاله قلقاً من تفاقم الازمة، أما لناحية المسؤوليات فقد كان واضحاً انها المرة الاولى التي يتحدث فيها “حزب الله” بهذه الصراحة عن الوضع المالي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وكان لقائد الجيش حصته والتنبيه من استمرار قطع الطرقات وهو الموضوع الاكثر حساسية والذي التقت مخاوف “حزب الله” مع “الاشتراكي” على تطويقه منعاً للانزلاق نحو اشكال كبير.
ضمناً يلاقي كثيرون نصرالله في تشكيل حكومة تكنو – سياسية ولكن يرفض البعض هذه الحقيقة لمجرد ان “حزب الله” يطرحها، وما قاله لم يكن جديداً من حيث الطرح فـ”حزب الله” ومنذ البداية يفضل تشكيل حكومة سياسية يرأسها سعد الحريري، لكن الامور سارت باتجاه حكومة اختصاصيين لم يكن يقبل بها كما لم يقبل بها الفرنسيون ولا رئيس الجمهورية ميشال عون، وفي سبيل تسهيل التشكيل في ضوء الوضع المالي والاقتصادي الضاغط رضخ “حزب الله” لحكومة الاختصاصيين، وهو يعلم ضمناً ان الازمة اكبر من حكومة كهذه وقد تحققت مخاوفه من خلال الاسماء التي كانت تطرح والتي لا تشير الى انها حكومة قادرة على اجتراح الحلول.
اذاً، عاد “حزب الله” للتذكير بطرحه التقليدي وهو يعتبر ان تفاقم الازمة يفاقم الحاجة الى حكومة سياسية، لان حكومة الاختصاصيين لا يمكن ان تواجه الأزمة وتتمكن من معالجتها، ورغم قناعته تلك الا انه لا يزال ملتزماً الاتفاق الذي تم مع الحريري بحكومة الاختصاصيين. وطرحه الفكرة التي كانت من بنات افكار نصرالله لا يعني ان “حزب الله” سيعود الى هذا الجدل الحكومي، وما يهمه اليوم التوافق السياسي على شكل الحكومة وتشكيلها بأسرع وقت ممكن ولو من الاختصاصيين، واذا اراد الحريري العودة الى خيار الحكومة السياسية فسيقابل بالترحاب حكماً. وفي تبريره لحكومة السياسيين يرى “حزب الله” ان البلد في ازمة تستوجب ان يكون كل اللبنانيين معنيين بالبحث عن الحل، وبالتالي فكل الافرقاء السياسيين يجب ان يكونوا في صلب عملية البحث عن الحل.
مجموعة رسائل أطلقها السيد نصرالله وصلت اصداؤها الى من يعنيهم الامر من الرئيس المكلف الى قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان وبشكل كبير الى الناس. وفي الوقت الذي وجه فيه ملاحظاته شديدة اللهجة بإيقاع هادئ حلّل أسباب الازمة وطلب من كل طرف معني بها تحمل مسؤوليته. نال الرئيس المكلف نصيبه ولو ان نصرالله لم يأت على ذكر اجتماع بعبدا، فلا يمكن للحريري ان يبقى كل تلك الفترة من دون تشكيل حكومة، والا على حكومة تصريف الاعمال تفعيل عملها ورئيسها الحالي حسان دياب عليه مسؤولية. نصحه بتصحيح البوصلة نحو حكومة سياسية، وحثه على الاسراع بتشكيل الحكومة ملوحاً باجراءات بديلة في حال استمرت المراوحة بما يعني ضمناً ان “حزب الله” لن يرضى بابقاء الوضع على ما هو عليه والسماح بإضعاف العهد.
وتوجه بتحذير الى حاكم مصرف لبنان يقول له إما المعالجة او أن ترحل، وان “حزب الله” اذا كان التزم الصمت كل تلك الفترة آخذاً في الاعتبار نصيحة “من نثق برأيه”، اي رئيس مجلس النواب نبيه بري فان استمرار الوضع المالي من دون معالجة لا يمكن، وتتحدث المعلومات هنا عن ان اتصالات شهدتها الكواليس للتفاهم مع الحاكم حول الوضع المالي وآلية المعالجة وقد تم وضع الحاكم امام مسؤولياته، وابداء مرونة في التعاطي والانفتاح على الحلول الممكنة والشروع بها.
أما الرسالة الامنية فقد كان المعني الاول بها قائد الجيش على خلفية تسكير الطرقات المتكرر. يرصد “حزب الله” وضعية الطرقات والمتحكمين بها وتعاطي الجهات الامنية المولجة حمايتها، ويخفي “حزب الله” امتعاضاً عبّر عنه نصرالله نتيجة تعاطي الجيش مع اقفال الطرقات والتي سبق وأبلغت القيادة ان مسألة كهذه خط أحمر لا يجب السماح لأي جهة بتجاوزه، ونال وعداً من قيادة الجيش بالمعالجة ليفاجأ في اليوم التالي بتجدد الإقفال الذي سيحوّل “حزب الله” من دون ان يتحول تقليداً يتم اللجوء اليه في سياق محاولات الضغط.
منذ فترة و”حزب الله” يلاحظ ان تعقيد تشكيل الحكومة يترجم برفع سعر الدولار مقابل الليرة واقفال الطرقات والفوضى، وكأن المطلوب الضغط على رئيس الجمهورية في سبيل ان يرضى بتشكيل حكومة ولذا جاءت الرسائل الثلاثية الابعاد نحو الحريري وسلامة وقائد الجيش مستخدماً عبارة “وصلت معي لهون”، التي تخفي انزعاجاً كبيراً مما يجري.
أما الرسالة الاشد فكانت من نصيب الجمهور والبيئة الحاضنة للمقاومة بأن “حزب الله” لن يتخلى عن سياسته تجاه الناس وعدم السماح بتجويعهم، مانحاً الدولة فرصة للقيام بواجباتها والا فستكون له خياراته التي فضل ارجاء الحديث بشأنها، ما يعني ان “حزب الله” لن يقف مكتوف الايدي اذا ما استمرت الازمة في التفاقم وبقيت الخيارات الاخرى محظورة بينما يتم تجويع الناس، واذا كانت السلطة تتقيد بقرارات المنع الاميركية فـ”للحزب” ان يذهب في الخيارات التي تسمح له بمساعدة شعبه وبيئته. يبقى ان ما قاله ليس الا جزءاً يسيراً مما يتوافر لديه من معلومات امنية ووقائع اختصرها بالتنبيه من “حرب اهلية”.