الوقت – من أهم العوامل التي تؤثر على الاستقرار السياسي في المجتمعات التقليدية، هي تنظيم علاقات القوة في العلاقات بين الأعراق والأديان.
في الواقع، في المجتمعات التقليدية، تشمل الانقسامات العرقية والقبلية والدينية أساس البنية الاجتماعية، وبالتالي بناء السلطة السياسية.
وتزداد أهمية هذه المسألة في المجتمعات التي لديها بنية فسيفسائية من الأعراق والأديان، بحيث ينبغي تنظيم بنية النظام السياسي على أساس التوافق بين هذه الهويات بشكل أساسي. والعراق ولبنان في منطقة غرب آسيا، هما مثالان بارزان على مثل هذه المجتمعات.
في هذه الأثناء، تعدّ أفغانستان أيضًا واحدة من البلدان التي يمثل فيها العرق والدين جزءًا مهمًا من الهوية السياسية للمواطنين في الإجراءات الاجتماعية والميول السياسية، فضلاً عن طبيعة الصراع السياسي في هذا البلد.
أفغانستان بلد متعدد الأعراق واللغات. وبسبب عقود من الحرب، لا يوجد إحصاء دقيق لسكانها، ولا سيما من حيث حجم كل مجموعة عرقية.
ويقال إن 45 لغة أصلية يتم التحدث بها في أفغانستان. ومع ذلك، يعترف الدستور بثماني لغات فقط، منها الفارسية والدارية والباشتو التي هي اللغات الرسمية.
لكن هناك شيء واحد مؤكد وهو: أنه لا توجد مجموعة عرقية كبيرة بما يكفي لتشكيل الأغلبية، بل البلد يتكون من عدة مجموعات عرقية مختلفة.
ومن ثم، فمن الواضح أن قرارات الهيئة الحاكمة فيما يتعلق بالانقسامات العرقية تكون دائمًا حساسةً، وتسبِّب نزاعات سياسية أو حتى عدم استقرار. ويمكن ملاحظة ذلك في القرار الأخير للمحكمة العليا لأفغانستان بشأن التركيبة العرقية للبلاد.
فبينما تم من قبل الاعتراف بـ 14 مجموعة عرقية في الدستور الأفغاني(المادة 4)، هي الباشتون، الطاجيك، الهزارة، الأوزبك، التركمان، البلوش، بعوض، النورستاني، الإيماق، العرب، قيرغيز، غزلباش، غوجار، براهوي، في التقسيم الجديد لمكتب الإحصاء والمعلومات، ارتفع هذا العدد إلى 54 مجموعة عرقية؛ تقسيمٌ به يعترف بالشعب الطاجيكي كمجموعة عرقية مستقلة أکثر من جميع القبائل المختلفة.
في الواقع، وفقًا لهذه القائمة، يتم تصنيف جميع البشتون في أفغانستان على أنهم مجموعة عرقية، لكن المجموعات الأخرى، مثل الطاجيك والهزارة والأوزبك، تنقسم إلى عدة قبائل.
ووفق صحيفة “صباح كابول”، أضيفت إلى القائمة الجديدة لمكتب الإحصاء والمعلومات السيك، الهندوس، سادات، اومر، براشي، الأكراد، جوجي، شاخيلان، الشيخ محمديان غوار، خليلي، باميري، منجاني، سنجليشي، أشكاشمي، روشنائي، واخاني، شغناني، الأتراك، قرلق، المغول، ساكائي، دولتخاني، تايمني، البيج، قزاق، سجاني، غزنوي، قوشخان، بيات، نيماق، قبشاق، نيكبي، كوهجداري، ديميرك، ميرسيده، الجمشيديون، الأفشاريون، الطاهريون، السلجوقيون، التيموريون، برلاس-ارلات، إيلخاني، يفتلي، لقيان، کاوي، قوزي، ابکة، جغتاي، کره يي، کرم علي، شيخ علي، اورته بلاقي، الأويغور، البابريون، وفرملي.
المنتقدون يهاجمون الحكومة
أثار الإجراء الجديد لحكومة “أشرف غني”، في الأيام الأخيرة، انتقادات كثيرة، سواء على مستوى الأحزاب والتيارات السياسية المنتقدة، أم حتى داخل الهيئة الحاكمة للحكومة الائتلافية.
وفي واحدة من أشد الانتقادات التي وجهها “عبد الله عبد الله” رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، الذي ينتمي إلى البشتون من ناحية الأب وإلی الطاجيك من ناحية الأم، قال إن هذه التصرفات تضر بالوحدة الوطنية.
کما قال “سرور دانش” النائب الثاني للرئيس، إن كل مجموعة عرقية في أفغانستان لها الحق في الاعتراف بهويتها؛ لكن ليس من الصحيح أيضًا تقديم الفروع والقبائل المختلفة لمجموعة عرقية كمجموعات عرقية مستقلة ومتعددة.
من جهته قال “محمد أفضل حديد” رئيس مجلس محافظة بلخ: “إن هذه المنظمة الحكومية لا تزال غير مدركة لهذه الحقيقة المهمة، وهي أن هناك فرقًا كبيرًا بين العرق ومحل إقامة المجموعة المحددة، ولا يمكنك أبدًا اعتبار اسم مكان السکن على أنه عرق لأشخاص معينين”.
وبالنظر إلی أن الحكومة تعترف بالمجموعات العرقية الفرعية كمجموعة عرقية مستقلة، فيمكن أن يشكل ذلك العديد من التحديات في حساب عدد السكان وفهم النسبة المئوية التي تشکلها المجموعة العرقية المعنية بين السكان.
کذلك، ينبغي النظر إلى أحد أسباب التوتر الذي أثاره القانون الجديد، في النظرة العرقية لدی الحكومة الأفغانية في السنوات السابقة. على سبيل المثال، في عام 2015، كان 75٪ من المسؤولين المعينين في مكتب الرئيس من البشتون.
إضافة إلى ذلك، أطاح أشرف غني بالعديد من القادة البارزين من غير البشتون لأسباب متنوعة، بما في ذلك نائبه الأول “عبد الرشيد دوستم” الشخصية العرقية الأوزبكية المعروفة في الساحة السياسية للتطورات في أفغانستان.
هذا في حين أن الدستور الأفغاني ينص صراحةً على أن الرئيس وأعضاء مجلس الوزراء ممنوعون من اتخاذ قراراتهم بناءً على اعتبارات عرقية وإقليمية، واستخدام مناصبهم لأغراض إقليمية أو عرقية(المادتان 66 و 80).
ولأن أفغانستان لا تضم مجموعةً عرقيةً ذات أغلبية، فإن المرشحين، وخاصةً في الانتخابات الرئاسية، يضطرون إلى التفكير في إقامة تحالفات مع مجموعات عرقية أخرى حتى يتم انتخابهم.
في حين أن هذا التحدي أقل بكثير بالنسبة لمرشح من البشتون، لأنه يستطيع تشكيل الائتلاف مع مجموعة عرقية واحدة، بينما يجب على المرشحين السياسيين الآخرين من المجموعات العرقية الأخرى تشكيل ائتلاف أكبر بكثير. ولذلك، فإن الفوز في الانتخابات الرئاسية يمثل تحديًا لغير البشتون.
على هذا الأساس، من الواضح تمامًا أنه حتى لو كانت مزاعم الحكومة الأفغانية حول الطبيعة غير السياسية للانقسامات العرقية الجديدة صحيحةً، ولکن عواقب مثل هذا الإجراء سيكون لها حتماً آثار سياسية ضارة على استقرار أفغانستان وتقسيم السلطة السياسية والديمقراطية في هذا البلد.