–عبد الكافي الصمد–سفير الشمال
من استمع إلى رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، أمس، وهو يتحدث بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، يكاد يظنّ للوهلة الأولى أنّ اللقاء هو الأوّل بين الرجلين، وليس الـ17 منذ تكليف الحريري تشكيل الحكومة في 22 تشرين الأوّل من العام الماضي، وأنّه ما من تباعد في الرؤى وتراشق مواقف وتبادل إتهامات جرى بينهما طيلة الفترة الماضية حول الملف الحكومي العالق بين خلافاتهما، أو أنّ إشارة خارجية ما وصلت إلى الرجلين تفيد بضرورة السير بتأليف الحكومة.
لكنّ اللقاء الذي وُصف بـ”الهادىء”، جاء بعد أقلّ من 24 ساعة من تبادل الرسائل السّياسية الحارقة بين الطرفين، بدأها عون بدعوته الحريري إلى قصر بعبدا “من أجل التأليف الفوري للحكومة بالإتفاق معي”، وإلّا “في حال وجد نفسه في عجز عن التأليف وترؤس حكومة إنقاذ وطني تتصدّى للأوضاع الخطيرة التي تعاني منها البلاد والعباد، فعليه أن يفسح في المجال أمام كلّ قادر على التأليف”، سرعان ما ردّ عليه الحريري بدعوته إلى “توقيع مراسيم تشكيل حكومة إختصاصيين غير حزبيين” التي يقول إنّه قدّمها إليه في وقت سابق، وإلّا “إفساح مجال الخلاص أمام المواطنين، وأن يختصر آلامهم ومعاناتهم عبر إتاحة المجال أمام إنتخابات رئاسية مبكرة”.
هذا “القصف” السّياسي أرسى قاعدة إنتشرت كالنّار في الهشيم، ملخصها أنّ اعتذار الحريري عن التكليف يقابله إستقالة عون من منصبه، أيّ “الإعتذار مقابل الإستقالة”، وجعلت وسائل التواصل الإجتماعي تبدو وكأنّها منصّات ومتاريس حروب، وليس أنّها منصّات إفتراضية للحوار والنقاش، وأثارت القلق في نفوس كثيرين خوفاً من تحوّل هذا النزاع إلى توتر في الشّارع الذي لا يحتاج إلى أكثر من عود كبريت ليلتهب.
وبدا واضحاً أنّ اللقاء الذي رُتّب على عجل بين عون والحريري يهدف إلى احتواء تداعيات التراشق السّياسي والإعلامي بينهما، وهو أمر لم ينكره الحريري، عندما أشار أمس في تصريحه أنّ “اللبنانيين عاينوا الإصطدام بين رئاستي الجمهورية والحكومة، وأنا هنا لنحاول التخفيف من هذا الأمر وتهدئة الأوضاع”.
ولمزيد من التهدئة، وإعطاء السّاحة السّياسية فترة من الراحة، تشبه الإستراحة بين الشوطين في المباريات الرياضية، أعلن الحريري أنّه سيلتقي عون يوم الإثنين المقبل في قصر بعبدا، وهو لقاء يأتي للمناسبة بعد مرور 5 أشهر من تكليف الحريري تشكيل الحكومة، وبرغم ذلك فإنّ الحريري أبدى تفاؤلاً لم يوضح إلى ماذا استند فيه، تحديداً عندما قال بأنّ اللقاء بعد أربعة أيّام “سيحمل أجوبة أساسية حول كيفية وصولنا إلى تشكيلة حكومية في أسرع وقت ممكن”.
لكنّ هل يمكن في أربعة أيّام أو بكبسة زرّ تذليل العقبات التي ارتفعت بين عون والحريري في الأشهر الخمسة السّابقة، والهوّة العميقة بينهما، والشّرخ الشّخصي والسّياسي الذي ترك بصماته على علاقتهما ببعضهما، وتداعياتها السّلبية على البلد برمته، وماذا عن العقد التي حالت دون ولادة الحكومة حتى الآن، من عدد وحصص وأسماء وحقائب، فضلاً عن العقد الخارجية، وأبرزها رفض السعودية والولايات المتحدة أي مشاركة لحزب الله في الحكومة المقبلة، بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو أمر يعجز الحريري عن تلبيته، وهل يدرك الرجلان حجم تداعيات فشل المسعى الأخير.
هي أربعة أيّام. لننتظر ونرى.