في 31 آذار الجاري، ينتهي العمل بالتعميم الذي يسمح لأصحاب حسابات «الدولار» بسحب أموالهم بحسب سعر صرف 3900 ليرة لكلّ دولار. ملفّ سيتحوّل في الأيام القليلة المُتبقية إلى أداة «ابتزاز» بين حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة من جهة، والقوى السياسية من جهة أخرى، إلى حين يُعلن سلامة قراره الذي من المُفترض أن يُقرّ تمديد مهلة التعميم
في 21 نيسان 2020، أصدر مصرف لبنان التعميم الرقم 151 الذي «يُتيح للمودعين إجراء عمليات السحب من المصارف من أرصدة الدولار، أو أي من العملات الأجنبية، بما يوازيه بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق المُعتمد في المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة»، وقد حُدّد السعر بـ 3900 ليرة للدولار. سبقه التعميم 148، الذي سمح بسحب الدولار على أساس سعر 2600 ليرة (أيام ما بلغ سعر الصرف في السوق 3000 ليرة لكلّ دولار). اعتُبر التعميمان جرعة مُهدّئة للمودعين بعدما حُرموا من حقّهم في السحب من حساباتهم بالدولار، أو التصرّف بها، من دون أن يُعوّض عن الخسائر التي مُنيت بها ودائعهم.
لا إحصاءات دقيقة للمبالغ التي تُسحب بحسب سعر صرف 3900 ليرة. الدوائر المُختصة في «المركزي» تقول إنّها لم تحسب المبلغ، راميةً الكرة في ملعب المصارف. فالأخيرة قادرة على «مراقبة حركة الحسابات عن قُرب والمبالغ التي تُسحب، وقد توثَّق لاحقاً بتقرير من لجنة الرقابة على المصارف». أما في المرحلة الحالية، فمصرف لبنان «لم يُجر أي إحصاء، والمؤشرات السوقية لا تسمح بتكوين فكرة». فزيادة كميات الليرة الموجودة في السوق (الكتلة النقدية في التداول)، «ليست ناتجة حصراً من سحوبات الـ 3900 ليرة». ألا يُمكن الارتكاز إلى الانخفاض في الحسابات بالدولار الأميركي، وقد بلغت في آخر الأرقام حدود الـ 104 مليارات دولار؟ «كلّا، لأنّ الانخفاض يُستخدم جزء منه في تسديد قروض». والحاجز الثالث أمام «المركزي»، بحسب ما يُبرّر، «أنّه ليس كلّ الزبائن يسحبون شهرياً كامل المبلغ الأقصى الذي يُسمح لهم به». إلا أنّ عاملين في القطاع المالي يتحدّثون عن تقديرات بتوزيع قرابة 2000 مليار ليرة بالشهر للسحوبات المُستفيدة من تعميم «المنصّة». ويُضيف أحد المسؤولين في هيئة رقابية إنّ «خسائر مصرف لبنان من سحوبات المنصة، تفوق الـ 10 آلاف مليار ليرة، تكبّدها خلال سنة». لأنّه مثلاً، إذا سحب زبون 1000 دولار من حسابه، فسيُعطيه المصرف 3 ملايين و900 ألف ليرة نقداً. البنك سيبيع هذه الألف دولار (وهمي) إلى «المركزي» بـ 3900 ليرة/ دولار، لتكون ميزانية مصرف لبنان قد حملت خسارة 2400 ليرة لكلّ دولار. في السابق، كان مصرف لبنان يشتري الدولار من المصارف بـ 1500 ليرة. إلا أنّ مصرف لبنان لا يعتبر أنّ هذه الخسائر عبء عليه، «لأنّها بالليرة ويعتبرها مؤجلة».
قرار الـ«3900» شكّل مُتنفّساً (إجبارياً لا اختيارياً) لمودعين حُجزت دولاراتهم وسُرِق الجزء الأكبر من قيمتها. ولكنّ كلفته المُجتمعية كانت أيضاً عالية، لأنّه لم يأتِ ضمن حلّ مُتكامل. رُغم ذلك، طرح مسؤولون زيادة سعر صرف المنصّة، ليواكب الانهيار في سعر صرف الليرة، وقد طُرح سعر 5000 ليرة لكلّ دولار. تنفيذ القرار يعني طباعة المزيد من الليرات، والتداول بها في السوق، أي زيادة الضغط على سعر الصرف ودفع التضخم إلى الارتفاع، لأن كُل ليرة إضافية في السوق تزيد الطلب على الدولار، إما مباشرة للادخار، وإما عبر زيادة الاستهلاك. كذلك جرت الاستفادة من سماح التعميم بسحب كميات أكبر من الليرة، للمُضاربة بها في سوق الدولار. يجري الحديث عن مصارف وصرّافين و«مودعين كبار»، وتحديداً الذين يمتلكون أكثر من حساب مصرفي. فبعض إدارات المصارف، «لم تُوزّع كلّ الكوتا التي تحصل عليها من مصرف لبنان على الزبائن، بل استخدمت جزءاً منها لشراء شيكات بالدولار، ثمّ سيّلتها في السوق لتُحقّق أرباحاً طائلة»، يقول عاملون في القطاع المالي. أما الذين يملكون أكثر من حساب، وبالتالي يرتفع حجم المبلغ الذي يحقّ لهم سحبه، «فمنهم من استخدم الليرات لشراء الدولارات». إلا أنّه يجب التفريق بين الذين «يسحبون ألفاً أو ألفي دولار شهرياً على سعر المنصة، وتأثيرهم ضئيل في السوق، وبين الذين حوّلوها إلى تجارة». لذلك، وجود المنصّة «في هذا الوضع مُتنفّس شرط أن تكون مضبوطة، بقوانين تحدّ من السحوبات النقدية، وبإعادة تفعيل الدفع عبر البطاقات الإلكترونية والشيكات».
في جلسته الأسبوع المُقبل، من المُفترض أن يحسم المجلس المركزي لمصرف لبنان مصير التعميم 151. لا يزال سلامة يُمارس «باطنيته» تجاه أعضاء المجلس المركزي، مُكتفياً بـ«الإيحاء» بأنّ أي انهيار إضافي في سعر الليرة «سيفرض تعديلاً على القرار، بحجة أنّه يُساهم في رفع سعر الدولار». قرّر سلامة أن «يضغط على الحكومة مُستخدماً المنصة، طارحاً أن تكون جزءاً من السلّة المُتكاملة التي طرحها على وزير المالية غازي وزني»، في جلستهما أول من أمس التي بحثا فيها «اقتراحات» لخفض سعر صرف الدولار. لكن، يؤكد مسؤولون في القطاع المالي أن سلامة مضطر إلى تمديد مهلة التعميم، إذ لا يمكنه زيادة قيمة الـ«هيركات» (قص الودائع) التي فرضها على المودعين، من دون أي نص قانوني.