إنذارات السيّد
«إنذارات» سياسية بالجملة وجّهها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس. إلى الرئيس المكلّف المصرّ على حكومة اختصاصيين، حمّله مسؤولية أي قرارات أو إجراءات قاسية وغير شعبية يمكن أن تقدم عليها الحكومة المقبلة. ومن دون أن يسحب موافقته على حكومة من هذا النوع، نصح سعد الحريري، إذا لم يكن يريد أن يحمل كرة النار منفرداً، بأن يؤلّف حكومة سياسية تتولى القرارات المصيرية التي يمكن أن تتخذ. لكن، كمن يؤكد أن الحراك الحكومي الراهن لن يؤدي إلى مكان، طرح مسألة تفعيل عمل الحكومة المستقيلة، كما أكد أنه ينبغي حينها أيضاً الذهاب إلى الحلول الدستورية لحل الأزمات التي تواجه البلد، وخاصة في مسألة تأليف الحكومة. ولأنه يدرك حساسية تعديل الدستور بالنسبة إلى البعض، دعا إلى تعديلات لا تمسّ بحقوق الطوائف، لكن تكون كفيلة بتحريك عجلة المؤسسات. وبالرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يتطرّق فيها إلى مسألة سلامة النقد ودور حاكم مصرف لبنان في ذلك، إلا أنه هذه المرة كان واضحاً في دعوته إلى تحمّل المسؤولية وتخفيض سعر الصرف أو الرحيل. وأكثر من ذلك، تعمّد التذكير بأن الرئيس نبيه بري (من دون أن يسمّيه) سبق أن حمى سلامة
وشدد نصر الله على أن هناك أسباباً عديدة ومتنوعة أوصلت الوضع الى ما نحن فيه. وإذا أردنا الحل يجب أن نعالج كل هذه الأسباب، فإذا بقي الهدر والفساد لا يوجد حل، وإذا بقي سوء الإدارة موجوداً فلا حل. وإذا استمر عدم التخطيط فلا حل، وإن لم نحم القطاع الزراعي والصناعي ونكون دولة منتجة وشعباً منتجاً ولا نعيش على المساعدات والديون فلن يكون هناك حل.
وإذ أكد «أننا يجب أن لا نجعل الناس في حالة يأس ولا نضعهم بأوهام حول الحلول»، لفت إلى أن «الحل يبدأ بتأليف الحكومة وهي المدخل والخطوة الأولى في مسار طويل لنصل الى الحلول لأننا بحاجة إلى خطوات كبيرة وجبارة في السياسات المالية والاقتصادية وسياسة الاستدانة والتعاطي مع دول العالم في الشرق والغرب وآليات محاربة الفساد والتدقيق الجنائي».
ولفت الى أنه إذا بقيت الإدارة وآليات العمل والتلزيمات والقضاء والمحاسبة مثل ما هي، فالقروض التي تأتي سيُسرق جزء كبير منها، فهناك وضع متكامل وسلّة كاملة وخطط مطلوب وضعها لنواجه المرحلة المقبلة.
وعن تأليف الحكومة قال: إذا اتفق يوم الاثنين رئيس الحكومة المكلف مع رئيس الجمهورية على حكومة تكنوقراط غير حزبيين فنحن موافقون. لكن من باب النصيحة، هذه حكومة مطلوب منها مهمات بهذا الحجم وخطوات جبارة وأمور بحاجة إلى جرأة. هل حكومة الاختصاصيين تستطيع تحمّل قرارات من هذا النوع، وهل هناك أكتاف تحمل هذه الجبال؟ فالأميركيون لا يسمحون بالذهاب إلى الصين أو إلى روسيا وإيران، لكن المطلوب أن نموت من الجوع وأن نصبح في المحور الأميركي.
وكي لا تؤلّف الحكومة، ثم تسقط في الشارع بعد شهر أو شهرين، لأنه ليس مضموناً أن يتحمل الناس الأزمات المتلاحقة، نصح نصر الله الحريري بتأليف حكومة تكنوسياسية. وقال له إن «الأزمة كرة نار كبيرة، ولن تستطيع أن تحملها وحدك. آتِ بالقوى السياسية لتتحمّل معك المسؤولية، وإذا أمكن يجب أن لا تسمح لأحد بالهروب من المسؤولية، فحكومة الاختصاصيين إن لم تحمها القوى السياسية فلن تستطيع حماية البلد».
كما دعا نصر الله «جميع القوى السياسية إلى توظيف قدراتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية في حل الأزمة، وإلى أن يساعد الزعماء وأباطرة المال، الذين هرّبوا أموالهم، ناسهم ودائرتهم الانتخابية»، مؤكداً أنه يجب على كل من لديه علاقات مع تجار أو دول أن يوظفها لإنقاذ الشعب اللبناني.
وفي هذا السياق، ذكّر بأنّ «العرض الايراني لشراء المشتقات النفطية بالليرة اللبنانية لا يزال قائماً، إلا أن تنفيذه لن يتم إلا عبر الدولة اللبنانية ووفق قوانينها». أما في حال استمرار التأزيم الحكومي، فأشار إلى وجود حلّين: الأول العودة إلى تفعيل الحكومة المستقيلة، وهو دعا هنا الرئيس حسان دياب «الرجل الوطني المسؤول» إلى تحمل المسؤولية والعودة إلى جمع الحكومة. والثاني هو البحث عن حل دستوري ينهي الثغرة المتمثلة في إمكانية البقاء في مرحلة تأليف الحكومة لسنوات، في حال عدم اتفاق رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلف.
وتطرق نصر الله إلى مسألة ارتفاع سعر الدولار، محملاً المسؤولية بشكل مباشر إلى حاكم مصرف لبنان الذي «يتحمل مسؤولية كبرى في الحفاظ على سعر الليرة اللبنانية». وتوجّه إليه بالقول إن «مسؤوليتك أن تمنع ارتفاع سعر الدولار، وتستطيع ذلك». وذكّر نصر الله بفترة النقاش الذي دار بشأن عزل سلامة. كما ذكّر بأن الرئيس نبيه بري (لم يسمّه، بل وصفه بـ«مَن نثق برأيه»)، كان هو أحد الذين أعاقوا عزل سلامة، بحجة أن الدولار سيصل عندها إلى عشرة آلاف و١٥ ألف ليرة، وهو ما صار واقعاً. ولذلك، قال لسلامة إن «مبرر وجودك أن تحمي العملة الوطنية، وإذا لم تستطع فما معنى بقائك في هذه المسؤولية».
وأبدى الأمين العام لحزب الله حساسية فائقة أمام مسألة قطع الطرقات، معتبراَ أن هذا النوع من الاحتجاج يزيد الأزمة و«يزيد جوع الناس ويؤدي إلى مقتل أبرياء ويضع البلاد على فوهة اقتتال داخلي».
وشدد على أن واجب القوى الأمنية والجيش هو فتح هذه الطرقات، وذلك رغم الضغوط من بعض السفارات على الجيش اللبناني. كما أشار إلى أن الحزب سيعالج المسألة من جهة أخرى عبر العلاقات السياسية. وأوضح أنه إذا لم تنجح مختلف الوسائل في وقف قطع الطرقات فسيكون «للبحث صلة».
وجزم نصر الله بأنّ «حزب الله مصرّ على أن الأزمة يجب أن تعالج ضمن الأطر القانونية والشرعية، لكن إذا جاء وقت ولم يحصل ذلك، فنحن لدينا خيارات كبيرة ومهمة، ولكن تنفيذها عبر الدولة والقانون غير متاح، سنلجأ إلى تنفيذها لننقذ بلدنا وشعبنا». وتابع بالقول: «مصرّون حتّى الآن على أن الوضع الحالي يجب أن يعالج عبر الدولة، ولكن لن نتخلى عن مسؤوليتنا تجاه الناس إذا وصلت البلاد إلى انهيار حقيقي».
وتطرق نصر الله في كلمته إلى مسألة تقاضي العاملين في الحزب رواتبهم بالدولار، موضحاً أن الجزء الأكبر من المنتمين إلى حزب الله لا يتقاضون راتباً أصلاً، ويمكن أن تصل نسبتهم إلى 80 في المئة، كقوة التعبئة العسكرية لحزب الله التي لا يتقاضى أفرادها أي راتب أصلاً، وهناك جزء كبير ممن يعملون في المؤسسات يتقاضون راتباً بالليرة. ومع إشارته إلى أنه حتى من يقبضون بالدولار، لطالما كانت رواتبهم لا تكفي لإعالتهم، فقد دعاهم اليوم إلى المبادرة شهرياً لمساعدة المحيطين بهم. كما أعلن عن صيغة ثانية ستعمّم داخلياً وهي إنشاء صندوق داخلي مخصّص لجمع التبرعات من جزء من راتب هؤلاء لتغطية حاجات الأسر المحتاجة.