الأخبار- دانية بلال
النشأة: مناحيم بيغن
أسّس مناحيم بيغن تكتّل «الليكود»، اليميني الليبرالي، عام 1973، توطئة لانتخابات الكنيست الثامنة. تعود الجذور الإيديولوجية لـ«الليكود» إلى عام 1931، العام الذي عُقد فيه المؤتمر الصهيوني السابع عشر، وظهر خلاله الشرخ بين الحركة العمّالية (اليسار الصهيوني) بقيادة حاييم وايزمن، وحركة التصحيح الصهيونية (اليمين الصهيوني) بقيادة زئيف جابوتنسكي؛ إذ هاجم جابوتنسكي وايزمن بسبب «موقفه المعتدل»، داعياً إلى انتهاج سياسة أكثر تطرّفاً حيال إنشاء «الدولة اليهودية»، ومعتبراً أن هدف الصهيونية هو إنشاء «مملكة إسرائيل» بغالبية يهودية على «ضفّتي نهر الأردن»، باستخدام القوة العسكرية والاقتصادية اليهودية ضد العرب. إضافة إلى ذلك، رفض جابوتنسكي فكرة بن غوريون إنشاء «دولة يهودية» عبر تسوية تقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين مرتبطتين باتحاد فيدرالي، مؤمناً بفكرة إنشاء «جدار حديدي»، أي أن يكون لإسرائيل حدود تستطيع من خلالها الدفاع عن نفسها من دون أي اعتبارات سياسية.
تأثّر بيغن بأفكار جابوتنسكي، معلناً في أيّار 1948 تأسيس «حزب حيروت»، الذي يعكس أفكار الأخير، واستطاع في انتخابات الكنيست الأولى عام 1949 الحصول على 14 مقعداً، ليصبح زعيم الجناح اليميني المعارض لحكومة بن غوريون العمّالية. فهاجم بيغن السياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية، داعياً إلى إنشاء «إسرائيل الكبرى»، أي من «سفوح جبال لبنان حتى نهر النيل»، معارضاً اتحاد الضفتين والحكم العربي لمدينة القدس التي اعتبرها «العاصمة غير المقسّمة لإسرائيل».
إبّان حرب حزيران 1967، عزّز معسكر اليمين احتلال الأراضي العربية، مؤكداً ضرورة إقامة «إسرائيل الكبرى» كعامل استقرار وأمن، فطالب بإقامة المستوطنات على الأراضي المحتلة ورفض قرار الأمم المتحدة 242. عمل بيغن على تشكيل تكتل «الليكود» استعداداً لانتخابات 1973، ليتألف هذا التكتل من «حيروت»-الليبرالي، و«حزب رافي»، وحركة «أرض إسرائيل»، وحزب شموئيل تامير «الوسط الحر». وتحدّث بيان مبادئ تكتل «الليكود» عن «النظام الاجتماعي المرتكز على الحرية والعدل، والقضاء على الفقر، وتطوير الاقتصاد الذي سيضمن مستوى معيشة مقبولاً للجميع»، كما «العمل معاً من أجل وحدة أراضي إسرائيل».
استطاع «الليكود» الوصول إلى سدة الحكم لأول مرة عام 1977. وكان سبب نجاحه هو حالة الضعف والتشرذم لـ«حزب العمل»، نتيجة الانهيار العسكري في حرب أكتوبر 1973، والإخفاق في إدارة الأزمة الاقتصادية، وانغماس أعضائه في الفساد، ما سبّب استياء الناخب الإسرائيلي الذي وجد في «الليكود» بديلاً من النخبة الحاكمة.
أثناء سنوات حكمه، وقّع بيغن اتفاق كامب ديفيد مع مصر، ما حيّدها عن الصراع العربي الإسرائيلي. أمّا حكومته الثانية عام 1981، فبدأت عملها بضرب المفاعل النووي العراقي، وفي حزيران 1982 اجتاح لبنان للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية. إلا أن بيغن استقال وانسحب من الحياة السياسية عام 1983، ليخلفه إسحق شامير في قيادة «الليكود». وإبّان انتخابات 1984، ألّف شامير حكومة وحدة وطنية مع شمعون بيريز. وباندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، لقيت سياسة «القبضة الحديدية» التي اتبعتها الحكومة استحساناً من قبل غالبية الإسرائيليين، وبدا أن إسرائيل تتجه نحو اليمين كردّ فعل على الانتفاضة، فألّف شامير حكومته الثانية عام 1988، وشملت المتطرفين القوميين واليمين المتطرف والمتدينين. إلا أنها سرعان ما انهارت عام 1991، نتيجة ذهابه إلى مؤتمر مدريد للسلام وقبوله صيغة قراري مجلس الأمن 242 و338، وارتفاع نسبة البطالة وتورط وزراء في الفساد، فذهب معظم الأصوات الانتخابية عام 1992 إلى «العمل»، ليخرج «الليكود» من السلطة.
شارون ونتنياهو
تمكّن بنيامين نتنياهو من إطاحة شامير ليتزعم «الليكود» عام 1993. في تلك السنة كان نتنياهو من أبرز منتقدي توقيع «العمل» برئاسة إسحاق رابين اتفاق أوسلو، وفي بيان معارضته للاتفاق عرض خمسة مطالب لـ«الليكود»: منع إقامة دولة فلسطينية، منع توحيد القدس، الإبقاء على مسؤولية الجيش الإسرائيلي في حفظ الأمن، إعطاء ضمانات للمستوطنين، عدم قبول اللاجئين الفلسطينيين أو عودتهم.
وصل نتنياهو إلى رئاسة الحكومة عام 1996، وسرعان ما اصطدم بإدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون، رافضاً فكرة «الدولة الفلسطينية»، أو تقديم أي تنازلات للفلسطينيين، وداعياً إلى توطين اللاجئين في الدول العربية. وشرع ذلك العام في بناء وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس. وتحت الضغوط الأميركية أُجبر نتنياهو على الجلوس مع ياسر عرفات، ليوافق على التخلي عن 13% من السيطرة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية، مقابل إزالة عرفات المادة 26 من «الميثاق الوطني الفلسطيني»، إلا أن هذه الاتفاقية أدّت إلى انهيار حكومته، وعدم فوزه في انتخابات أيار 1999.
عاد الليكود إلى السلطة عام 2001 بقيادة أرييل شارون، وتحالف مع أحزاب اليمين المتطرف وأحزاب اليهود الشرقيين. وسبّبت خطة شارون للانفصال عن غزة وإخلاء أربع مستوطنات في الضفة الغربية، نشوء معضلة فكرية داخل حزب الليكود، ما جعل شارون ينشق عن الحزب ليؤسس حزب «كاديما» عام 2005. في هذه اللحظة، استغل نتنياهو إجراء الانتخابات الداخلية لـ«الليكود»، ليعود إلى رئاسة الحزب.
ترأس نتنياهو الحكومة عام 2009، وأنشأ ائتلافاً حكومياً يمينياً، ووعد بتحقيق برنامجه الانتخابي الذي نص على منع إيران من حيازة أسلحة نووية، ودفع السلام مع العرب من خلال معاهدات منفردة ومن دون تقديم أي تنازلات، والحفاظ على القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، والعمل على إصلاح الاقتصاد عبر انتهاج سياسة الاقتصاد الحر. واستهل نتنياهو عهده بمعارضة قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، والإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية، والسيطرة على غور الأردن، والاحتفاظ بالمسؤولية الأمنية على المنطقة من البحر إلى النهر باعتبارها أرض إسرائيل.
بين عامي 2009 و2018، حافظ نتنياهو على بقائه في رئاسة الحكومة من خلال إنشاء حكومات ائتلافية بالاندماج مع أحزاب صغيرة تنتمي إلى أقصى اليمين. ففي عام 2013، أنشأ ائتلافاً عمل على توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، وهو ما أدى إلى اصطدامه بإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي عملت على إيجاد حل للصراع. وفي أيار 2015، أنشأ نتنياهو الائتلاف الحكومي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، وعملت هذه الحكومة على عرقلة مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإعادة إحياء المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وبوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدت الإدارة أكثر تناغماً مع تطلعات نتنياهو، فأعطت إسرائيل الضوء الأخضر في حزيران 2017 لبناء مستوطنة جديدة لأول مرة منذ عام 1991. كما حصل نتنياهو على اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. إلا أن حكومة نتنياهو انهارت مع خروج أفيغدور ليبرمان من الائتلاف أواخر عام 2018، لتدخل إسرائيل في نفق أزمة سياسية تعاني منها إلى الآن.
الأزمة السياسية والانتخابات
في انتخابات نيسان 2019، حصل «الليكود» على نفس عدد مقاعد حزب الوسط «كحول لفان» (أزرق أبيض)، وعُهد إلى نتنياهو بـتأليف الحكومة، إلا أنه لم ينجح. أعيدت الانتخابات مجدداً في أيلول 2019، وفشل كل من نتنياهو وزعيم «كحول لفان» بيني غانتس في تأليف الحكومة. وأعاد الكنيست حل نفسه للذهاب إلى انتخابات ثالثة في آذار 2020، وخلال هذه الفترة حاول نتنياهو الحصول على مكاسب سياسية من خلال إعلان «صفقة القرن» في كانون الثاني 2020، الذي نصّ على ضم المستوطنات وغور الأردن، وتأكيد أن القدس ستبقى «العاصمة الموحدة لإسرائيل».
اقترع الإسرائيليون للمرة الثالثة في آذار الماضي، ليتقدم «الليكود» على «كحول لفان»، وحاول كل من نتنياهو وغانتس الاتفاق على تأليف حكومة وحدة طوارئ لاحتواء تفشي فيروس «كورونا»، على أن يتناوبا فيها على رئاسة الحكومة. صمدت الحكومة لسبعة أشهر فقط، استطاع نتنياهو خلالها إبرام اتفاقيات تطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب، ونجح أخيراً في حملة التلقيح الواسعة ضد فيروس «كورونا»، ولكنه تفرّد في اتخاذ القرارات، متجاوزاً بذلك شريكه غانتس. وبرفض نتنياهو إقرار الميزانية بما يضمن بقاء الحكومة إلى تشرين الثاني من هذا العام، حلّ الكنيست نفسه، لتتوجه إسرائيل إلى انتخابات رابعة. وتُظهر الاستطلاعات تقدم «الليكود» في عدد المقاعد، إلا أن مصير تأليف الحكومة يبقى مجهولاً.