خاص “لبنان 24”
يكاد يكون الواقع اللبنانيّ هذه الأيام سرياليًا. الدولار “يحلّق” بلا أفق. ارتفاعه “الجنونيّ” يكاد لا يُصدَّق. بات معدّل ارتفاعه يصل إلى ألف ليرة يوميًا، أي ما يقرب من دولار كامل، وفق التسعيرة القديمة، التي لا تزال مُعتمَدة “رسميًا”، ولو في الشكل، في مفارقة لم يعد يصحّ توصيفها بـ”المضحكة المبكية”.
لكنّ هذا المشهد لا يكفي، مع ما يحمله في طيّاته من معانٍ “كارثيّة ومأسويّة”، ليس أقلّها أنّ العملة الوطنية فقدت حتى تاريخه نحو 90 في المئة من قيمتها، إن لم يكن أكثر، وأنّ الحدّ الأدنى للأجور لم يتعد يتجاوز 50 دولارًا، وهو مبلغ لم يعد يكفي للحصول على احتياجات يوم واحد، بما يسمح بالعيش بكرامة بالحدّ الأدنى.
هكذا، أضيفت إلى هذا المشهد، في الساعات الأخيرة، فصول من “الإذلال” لا يبدو أنّ خاتمةً ستُكتَب لها عمّا قريب. محال تجارية أقفلت أبوابها أمام المواطنين، وأخرى استنفدت بضاعتها، محطات وقود رفعت خراطيمها، وكلّ ذلك يحصل وسط “غياب” تامّ لأيّ معالجة مسؤولة من قبل السلطات المعنيّة.
من “يخرق” الصمت؟
يخيّم الصمت على المقار الرسميّة، منذ الاجتماع الشهير الذي عقد مطلع الأسبوع الماضي، وخلُص إلى تحميل كامل المسؤولية عن “الانهيار” الماليّ، إلى المنصّات الإلكترونية، في مقاربةٍ بدت أكثر من “ركيكة”، وهو ما أظهرته الأحداث التالية للاجتماع، والتي غيّب المسؤولون أنفسهم عنها.
وحده رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، الملوّح بـ”الاعتكاف”، “خرق” نسبيًا هذا الصمت في الساعات الماضية، حين “بشّر” اللبنانيّين بأنّ “الخراب” مستمرّ، وأنّهم يقتربون أكثر فأكثر من لحظة إنهاء سياسة “دعم المواد الأساسيّة”، ولو أنّ كثيرين يعتقدون أنّ الأمر سيّان، بعدما أظهرت هذه السياسة “عقمها”، وسهّلت في مكانٍ ما “التهريب”.
أما رئيس الجمهورية ميشال عون، فلم ينجح “جنون الدولار” في خرق “صمته”، بخلاف ما تفعله بعض التسريبات الإعلاميّة التي تتناول دوره في تعطيل الملفّ الحكوميّ، والتي يسارع لنفيها، ودحض فرضية تمسّكه بـ”الثلث المعطل”، رغم أنّ الكثير من الوقائع والأدلة باتت تؤكد عكس ذلك، عبر التلطّي خلف “الطاشناق” وغيره.
“حملات” على الحريري؟
لعلّ “الأمَرّ” من كلّ ما سبق، أنّ هناك بين المحسوبين على “العهد”، من وجدوا في الساعات الماضية، الفرصة “مثاليّة” للتصويب على الرئيس المكلَّف سعد الحريري، بدليل “الحملات” الإعلامية والسياسية التي تكثّفت ضدّه، على خلفية “احتجاز” التكليف “في جيبه”، والتي كان الوزير جبران باسيل أطلق العنان لها في إطلالته التلفزيونيّة الأخيرة.
وبدل أن تحفّز التطورات “الدراماتيكية” فريق رئيس الجمهورية، لتقديم بعض “التنازلات” بما يتيح تشكيل الحكومة سريعًا، خرج بعض “العونيّين” ليعلنوا صراحةً أنّ لا حكومة ممكنة برئاسة سعد الحريري، وأنّ الدور المرتجى من الأخير قد انتهى، بل ليمهّدوا لخطوةٍ ما لا بدّ لرئيس الجمهورية أن يتّخذها، وكأنّ البلاد تتحمّل جدالاً من هذا النوع اليوم.
وقد لا يكون “بريئًا”، في هذا السياق، التسريب الذي تمّ تداوله في الساعات الأخيرة، عن “كلمةٍ مرتقبة” للرئيس المكلّف، حاول البعض الإيحاء من خلالها بأنّ الأخير قد “يرضخ” ويعتذر عن استكمال المهمّة الملقاة على عاتقه، حتى لا يتحمّل مسؤولية “الانهيار”، الأمر الذي يؤكد المقرّبون من الأخير أنه يبقى “غير وارد”، حتى إثبات العكس، رغم كلّ الترغيب والترهيب.
ثمّة من يدعو الرئيس المكلَّف، حتى من المقرّبين منه، إلى “الاعتذار”، لرمي “الكرة” في ملعب “العهد”، الذي سيكون عندها “مسؤولاً أخلاقيًا” أمام الله واللبنانيين عن الانهيار، بالكامل، بعيدًا عن رواية “ما خلّونا” الشهيرة. لكنّ هذا “السيناريو” يبقى “مُستبعَدًا”، وفق ما يؤكد المحسوبون على الحريري، لأنّ الرجل يدرك أنّ “البديل” عنه لن يكون سوى “الغرق في جهنّم”، وهو ما لا يمكن أن يسمح به اليوم…