على خطى طهران المفلسة وساحاتها “المنكوبة والمنهوبة” في أرجاء المنطقة، بلغ لبنان تحت حكم أكثرية 8 آذار أرذل عهوده على امتداد التاريخ، حيث أضحى اللبناني حرفياً “يشحذ اللقمة” ويعيش من “قلة الموت”، تحت ردم الانهيارات المنهمرة فوق رؤوس الناس ساحقةً أرزاقهم وماسحةً بالأرض كراماتهم… بئس “العهد القوي” الذي قضى على الطبقات الميسورة والمتوسطة وأجهز على ذوي الدخل المحدود، وبئس أكثرية حاكمة باسم الله والطائفة والمذهب كفر شعبها جوعاً وفقراً وعوزاً تحت سطوة مافيا السلطة وسوقها السوداء.
الليرة خسرت 100% من قيمتها، والدولار انتهك حرمات البيوت المستورة، ومشهديات الذل تتناسل عند أبواب الدكاكين والسوبرماركات والصيدليات والمستشفيات… المحلات أغلقت أبوابها، الناس أفلست، راتب الموظف بات يقاس بالسنتات، “شريعة الغاب” بدأت تسود والبقاء بات للأقوى، أما أهل “العهد القوي” فاستسلموا وسلّموا مقاليد الحكم لـ”فخامة الدولار”، وانتقلوا إلى ذمة التاريخ ليخلّد ذكراهم على صورة مومياء حاكمة “لا تهشّ ولا تنشّ” في مواجهة الأزمة، بينما العهد نفسه بات “إكرامه في دفنه” بعدما أصبح ميتاً سريرياً لا رجاء باستشعاره نبض الناس ومعاناتهم الحياتية.
وإلى الأحوال المعيشية المتقهقرة، بالكاد تجنب اللبنانيون أمس ملاقاة مصيرهم الجهنمي “على العتمة” نهاية الشهر، بعدما أسفر ابتزاز وزارة الطاقة عن تقديم اللجان النيابية المشتركة “فدية مالية” بقيمة 200 مليون دولار “لتغذية التيار الكهربائي والتيار الوطني الحر”، كما وصفتها مصادر نيابية، موضحةً أنّ إقرار سلفة الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان بموجب اقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدّم من نواب “التيار”، أتى نتيجة سياسة “الابتزاز التي مارستها وزارة الطاقة بحق اللبنانيين وخيّرتهم من خلالها بين السلفة والعتمة، فكان لا بد من الاختيار بين خيارين أحلاهما مرّ لمنع وقوع اللبنانيين في عتمة شاملة”.
أما على ضفة المعترضين، فبرز تصدي كل من كتلتي “اللقاء الديمقراطي” و”الجمهورية القوية” لإقرار السلفة انطلاقاً من القناعة الراسخة بعقم تمويل وزارة الطاقة على حساب الخزينة وأموال المودعين، من دون إقدامها على أي خطوة إصلاحية على امتداد السنوات الخمس عشرة الأخيرة حتى راكمت الجزء الأكبر من مليارات الدين العام.
وإذ ربط أمين سر كتلة “اللقاء الديمقراطي” النائب هادي أبو الحسن رفض السلفة بمبدأ عدم الرضوخ لسياسة الابتزاز “واستنزاف أموال المودعين، لأننا من دون ضمانات أو من دون تشكيل حكومة وإصلاحات نكون بإقرارها نشارك في هذه الجريمة”، شدد عضو “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص بعد الجلسة على أنّ الرفض القواتي لإقرار سلفة الكهرباء ينطلق من رفض بقاء المجلس النيابي “هيئة ناظمة للفساد”.
في حين كان تأكيد من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على أن كتلته النيابية كما صوتت في اللجان المشتركة ضد السلفة “كذلك ستصوّت في الهيئة العامة”، وقال متوجّهاً إلى وزارة الطاقة: “بدنا نخلص من سما دين ربّكن بقى”، فمنذ 15 عاماً يتم تكرار نفس “الترجومة” في كل عام وهي أعطونا سلفة للكهرباء وستقوم وزارة الطاقة بالإصلاحات اللازمة”، وأضاف: “أكثر مؤسسة في الدولة اللبنانية في السنوات العشر الأخيرة فيها زبائنيّة هي مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، وبالرغم من كل هذه الأمور يريدون اليوم منا أن ندفع ثمن هذه التصرفات (…) وهذه السلفة فقط كي تتمكن وزارة الطاقة من الاستمرار بما كانت تقوم به من زبائنيّة وفساد وقلّة إصلاح لسنة إضافيّة، فإذا لم تتمكنوا خلال 10 سنوات من القيام بما وعدتم به في كل مرّة فهل ستستطيعون القيام بذلك في هذه المرّة”، معتبراً أنّ كل ما يشهده البلد راهناً من مخاض عسير إنما هو “مؤشر إلى نهاية حقبة وبداية أخرى وإلى نهاية عهد وبداية آخر (…) والعجيب أنّ أركان السلطة اليوم لا يدركون أنه عندما تتدهور الأوضاع إلى هذا الحد فهذا إن دلّ على شيء فعلى أن أيامهم أصبحت معدودة”.