الوقت- دعت وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة “آنا بلاسيو” الاتحاد الأوروبي إلى القيام بدور أكثر فعالية ورئيسي في المفاوضات بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) في ملف الصحراء الغربية المتنازع عليها.
آنا بلاسيو كانت تشغل منصب وزيرة خارجية إسبانيا في عام 2002 مع بدأ الأزمة بين المغرب وإسبانيا حول جزيرة ثورة، والتي كادت أن تؤدي إلى حرب بين البلدين، وحينها قامت واشنطن بدور الوساطة من أجل تهدئة الطرفين والدخول في مفاوضات أشرف عليها حينها وزير الخارجية الأمريكي كولن باول. بلاسيو أيضاً كانت من أشد وزراء خارجية الاتحاد الأوربي دفاعاً عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وزيرة الخارجية السابقة نشرت مقالاً تحت عنوان: “قنبلة الصحراء الغربية” في موقع “بروجيكت سيندكات” وهو يعتبر مصدر رئيسي تعتمد عليه كبرى الصحف الدولية في مقالات الرأي والتحليل، وكان المقال يتحدث عن تاريخ الصراع في الصحراء الغربية و دور إسبانيا كقوة استعمارية هناك.
كما ركزت وزيرة الخارجية السابقة آنا بلاسيو في مقالها على فكرتين رئيسيتين، الأولى وهي احتمالية عدم تراجع إدارة بايدن الجديدة عن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء رغم الدعوة التي وجهها الرئيس جو بايدن إلى بدأ مفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تحكم الصحراء الغربية. وتؤكد الوزيرة أن أوروبا تنتظر موقفاً مختلفاً من البيت الأبيض، ألا وهو التراجع عن قرار الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، وهذا الأمر قد لا يحدث.
وهذا ما دفع الوزيرة آنا بلاسيو لانتقاد الاتحاد الأوروبي ومطالبته بلعب دور فعال من أجل المساهمة في البحث عن حل للنزاع في الصحراء الغربية حيث تقول: “الاتحاد الأوروبي مطالب بدور ريادي، فالعلاقات بين أوروبا والصحراء الغربية والقيم الأساسية للاتحاد الأوروبي لن تتطلب أقل من ذلك”.
آنا بلاسيو لا تشغل أي منصب رسمي في الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن، إلا أن رأيها الشخصي يصب في نفس الإطار مع الموقف الرسمي للحكومة الإسبانية الحالية بين التحفظ أو رفض قرار واشنطن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء ثم التشديد على لعب الاتحاد الأوروبي دوراً رئيسياً في المفاوضات بين المغرب والصحراء الغربية.
يذكر أن دولة أوروبية أخرى وهي ألمانيا أعلنت رفضها لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والذي اعترف من خلاله بالسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية، وهذا الرفض فجر أزمة دبلوماسية بين الرباط وبرلين، حيث أعلنت ألمانيا تجميد منح التأشيرات للرعايا المغاربة رداً على قرار الحكومة المغربية وقف الاتصالات الدبلوماسية مع برلين.
المغرب ينتظر رأي بايدن الرسمي
تنتظر الحكومة المغربية رأي بايدن الرسمي في قضية الصحراء الغربية علماً أنه لا يزال هناك عشرات الأوامر التنفيذية والقوانين التي سيحيلها الرئيس بايدن على الكونغرس، بهدف التراجع عن بعض السياسات والقرارات الاستفزازية التي تحمل توقيع الرئيس السابق دونالد ترامب، فهل سيكون من بين هذه القرارات قرار اعتراف ترامب بمغربية الصحراء الغربية؟ وهل سيتراجع المغرب عن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي إذا تراجعت إدارة بايدن عن الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية؟ خصوصاً وأن الرباط لم توقع على “اتفاقية ابراهام”، كما فعلت أبوظبي والمنامة والخرطوم. فلم يحصل في المغرب احتفاء رسمي واضح وصريح بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي. كما أن الإعلام الرسمي والموالي للحكومة المغربية كان يسلط الضوء أكثر على الاعتراف الأميركي بالصحراء الغربية، ولم يبد اهتماماً كبيراً بالتطبيع مع الكيان الاسرائيلي كما كان الأمر في الإمارات والبحرين.
لذلك يمكن القول أن الرباط اتخذت مبدأ “التريث” في موضوع إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الإسرائيلي، وهذا الأمر فسره بعض المحللون بالرغبة المغربية في عدم التسرع وانتظار قرار الإدارة الأميركية الجديدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وتهدئة الشارع المغربي المرتبط قلبياً بالقضية الفلسطينية.
تراجع بايدن عن قرار ترامب حول الصحراء الغربية أمر “مستبعد”
من الممكن أن يلجأ الرئيس الأميركي الجديد لنفس الاستراتيجية التي تبناها سلفه باراك أوباما، عندما كان بايدن إلى جانبه نائبا للرئيس فيما يخص قضية المغرب والصحراء الغربية. فإدارة أوباما كانت تعتقد أن حل قضية الصحراء الغربية رهن بتفعيل الاتحاد المغاربي للإسهام في تنمية بلدانه والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية. وفي هذا السياق كانت إدارة أوباما قد أصدرت وثيقة هامة عام 2009 تحت عنوان ” لماذا تستحق المنطقة المغاربية الاهتمام: المعاهدات والفرص والخيارات من أجل التزام أميركي حقيقي في شمال إفريقيا “. أعدها مستشارون للرئاسة الأميركية في ذلك الوقت، وهذه الوثيقة تعبر عن آفاق تغيير التعاطي الأميركي مع المغرب العربي لجعله منطقة اهتمام استراتيجية بالنسبة لأمريكا، أسوةً بمنطقة الشرق الأوسط. كما صدرت عن معهد بوتوماك للدراسات السياسية في جامعة أرلينغتن وبرنامج إدارة النزاعات في جامعة جونز هوبكينز بواشنطن، دراسة حول الدور الأمريكي في شمال أفريقيا تحت عنوان “مشروع ورقة عن سياستـنا في شمال إفريقيا”. ولفتت الوثيقة الانتباه إلى أن شمال إفريقيا كان دائماً بنظر الولايات المتحدة الأمريكية منطقة خاضعة للسيطرة الأوروبية وهذا ما يجب إعادة النظر فيه لأن هذه المنطقة تربطها علاقات تاريخية مع الولايات المتحدة، من حيث موارد الطاقة والأمن والاستقرار والتجارة والتنمية، وعدة مجالات أخرى.
و رأى الفريق، الذي أعد هذه الدراسة أن “الحل القائم على حكم ذاتي في إطار السيادة المغربية، هو خيار قابل للحياة وقابل للتطبيق على أرض الواقع، وقد حظـي بوفاق داخلي بين الحزبيـن الجمهوري والديمقراطي وبتزكية الإدارات الأميركية السابقة.
كل التصريحات والتوقعات تشير أن بايدن لن يتراجع عن هذا القرار فلدى موافقة الكونغرس على تعيين أنتوني بلينكن وزيرأ للشؤون الخارجية الأمريكية، صرح بأن الولايات المتحدة الأميركية ستدعم اتفاقيات السلام بين إسرائيل ودول الجوار وستبنى عليها مستقبل المنطقة.
وهذا يشير إلى أن أي كلام عن تراجع بايدن عن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، أو احتمال تراجع المغرب عن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، يبقى مجرد تكهنات، وهو أمر مستبعد جداً، إضافة إلى دور اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لفائدة مصالح المغرب التي تكثر فيها الديانة اليهودية. لذلك يبقى قرار ترامب في هذا السياق قراراً ذا طابع استراتيجي بعيد المدى في السياسة الخارجية الأميركية وهو متفق عليه بين الأحزاب الداخلية في أمريكا ولن يتم التراجع عنه بسهولة.