الوقت- تشهد الليرة التركية منذ أكثر من عامين انخفاضاً بلا هوادة، كما ان أرقام وإحصائيات البطالة، وخاصة بين المهنيين الشباب ، مأساوية. وأسعار المواد الغذائية الأساسية تتقلب على نطاق واسع. لقد كانت الصورة دائماً كما هي منذ بداية أزمة العملة والأزمة الاقتصادية في خريف 2018 فالوضع الاقتصادي مُقفِر، والحلول التي اقترحتها الحكومة التركية، فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية والنقدية، ذهبت أدراج الرياح.
ولكن في نهاية العام الماضي 2020، بشر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ “حقبة جديدة للاقتصاد”. وتبع ذلك إقالات مثيرة للحيرة كان أولها لرئيس البنك المركزي مراد أويسال، ثم وزير المالية التركي بيرات البيرق ، وهو أيضاً صهر أردوغان. و كانت الرواية الرسمية حينها هي أن البيرق استقال لأسباب صحية.
يبدو أن الرئيس التركي يركز أكثر على مشروع ضخم في الوقت الحالي فبدلاً من مساعدة المنتجين الزراعيين والسكان مالياً في أوقات الأزمات، فقد أعلن أردوغان في فبراير المنصرم عن ولادة وشيكة للرحلات الفضائية التركية. وبمساعدة الشركاء الدوليين، وقال: “بحلول نهاية عام 2023، سيتم الوصول إلى القمر بصاروخنا الهجين الوطني والفريد من نوعه”، حسبما أعلن في يوم الذكرى السنوية لتأسيس الجمهورية التركية.
المشروع يقسم الجمهور التركي إلى قسمين فبينما يعبر البعض عن حماسهم للمشروع على مواقع التواصل الاجتماعي، يتسائل البعض الآخر كيف يمكن دفع تكلفة مهمة القمر، باهظة الثمن، في ظل الأزمة الاقتصادية؟
وفي ظل كل هذه الأزمات يأتي الإعلان الأخير والمفاجئ من قبل أردوغان عن حزمة إصلاحات اقتصادية جديدة، مؤكداً تصميم حكومته على الارتقاء بالبلاد إلى مصافي العشرة الكبار اقتصادياً.
وقال أردوغان في كلمة خلال الحفل التعريفي بـ”حزمة الإصلاح الاقتصادي”، بمدينة إسطنبول: “نهدف إلى اقتصاد وطني يسجل أرقاماً قياسية جديدة”.
وأضاف: “سنصل بالتأكيد إلى أهدافنا في جعل تركيا واحدة من أكبر 10 اقتصادات بالعالم”.
وأوضح: “عملنا على تحقيق الاستقرار السياسي الذي يعدّ شرطاً أساسياً لتحقيق الديمقراطية والنمو الاقتصادي، وهو بالوقت نفسه خطوة لتسهيل إنشاء مناخ ثقة، فتركيا تحافظ على قوتها رغم العديد من الأزمات الإقليمية والدولية”.
كما تطرق الرئيس أردوغان إلى تداعيات جائحة كورونا التي اجتاحت العالم، مشيراً إلى أنها تحولت إلى اختبار للبنية التحتية القوية التي أنشأتها الحكومات التركية منذ 18 عاماً، ونظام الإدارة الجديد.
وأعرب عن شكره لله لتجاوز تركيا بنجاح لهذا الاختبار في كافة المجالات من الصحة إلى الإنتاج ومن الأمن إلى التكافل الاجتماعي.
وبيّن أن تركيا أصبحت الدولة الثانية بعد الصين ضمن “مجموعة العشرين” التي تمكنت من تنمية اقتصادها بالقيمة الحقيقية.
وقال: “حققنا نموا اقتصاديا بنسبة 1.8 بالمئة العام الماضي رغم تداعيات فيروس كورونا”.
حزمة الإصلاحات والخطة الجديدة
بشأن حزمة الإصلاحات لفت الرئيس التركي أردوغان إلى أن السياسات الاقتصادية الكلية والهيكلية تشكل العمود الفقري لها، مبيناً: “ركزنا على مجالات المالية العامة والتضخم وقطاع التمويل وعجز الحساب الجاري والتوظيف في إطار استقرار الاقتصاد الكلي”.
وتابع: “أول مجال في إصلاحاتنا يتمثل في إنشاء هيكلية أكثر متانة للمالية العامة في مواجهة المخاطر”.
وأوضح أردوغان أنه سيتم تنفيذ سياسات جديدة في القطاع العام والشراكات بين القطاعين العام والخاص.
كما لفت إلى أن المشاكل التي تعترض المستثمرين الدوليين فيما يخص الضرائب أدرجت أيضا ضمن الإصلاحات.
وفي السياق نفسه ، أكد أردوغان أن مكافحة التضخم وخفض مستواه إلى أدنى حد ممكن يأتي على رأس أولويات الحكومة.
كما أعرب أردوغان عن ثقته بأن حزمة الإصلاحات الاقتصادية ستنقل تركيا بأمان نحو المستقبل بما تتضمنه من سياسات عملية، وأن جوهر الحزمة يتمثل بتنمية الاقتصاد على أسس الاستثمار والإنتاج والتوظيف والصادرات.
وأضاف: “سنزيد نمونا المحتمل عبر رفع الإنتاجية، ونهدف إلى اقتصاد محلي ووطني يقلل من استخدام المدخلات المستوردة، ويحطم أرقاما قياسية جديدة في الصادرات مع إنتاج ذي قيمة مضافة وذلك من خلال تعزيز الاقتصاد الحقيقي”.
وشدد أن المرحلة الجديدة ستنشأ على أربع أسس تتمثل بالاستثمار والتوظيف والإنتاج والصادرات، قائلًا: “ولهذا الهدف سنطبق سياسات جديدة تشمل مسائل مثل ضبط الإنفاق، وإدارة الدين العام، وتعديلات ضريبية، ومناقصات المشتريات العامة، والشراكات بين القطاعين العام والخاص والشركات المملوكة للدولة”.
وأكد أردوغان عزم بلاده على إنشاء رئاسة للصناعات الصحية تابعة للرئاسة الجمهورية بهدف تطوير صناعات صحية مبتكرة وقوية. وأشار إلى أنه عبر هذه الخطوة سيتم إنتاج وتطوير العديد من المستلزمات الاستراتيجية بإمكانات محلية، من الأدوية إلى اللقاحات، ومن الأجهزة الطبية إلى منتجات التكنولوجيا الحيوية، بشكل تنافسي.
وكشف عن نية الحكومة تأسيس مركز لوجستي خارج البلاد من أجل إيصال المنتجات الخاصة بالتصدير للأسواق العالمية بشكل أسرع وبنفقات أقل. ولفت إلى أن الحكومة ستقدم نموذج دعم جديد تحت مسمى “دعم تمويل التوظيف الإضافي”، من أجل إزالة الأضرار الناجمة عن انتشار وباء كورونا في أسواق العمل.
وذكر أردوغان أن “حزمة الإصلاح الاقتصادي” الحالية، و”خطة عمل حقوق الإنسان” التي أعلنها الأسبوع الماضي، تعتبران خطوات من شأنها أن تسهل تحقيق أهداف تركيا.
وأضاف: “هذه الإصلاحات ليست الأولى ولا الأخيرة، وسنستمر في القيام باللازم واتخاذ ما يلزم من خطوات وفقاً لظروف بلدنا والعالم المتغيرة، وتطلعات ومطالب شعبنا”.
دائماً كانت خطط الاصلاح الاقتصادي تحاول إعادة المؤشرات الاقتصادية في الدولة إلى المسار الصحيح ولكن هناك العديد من العوامل التي تؤثر بهذه المؤشرات وخطط الاصلاح الاقتصادي لا تكفي لإعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران، فالأهداف الاقتصادية والخيالية التي تضعها بعض الدول لا تأخذ بعين الاعتبار الأزمات والمشاكل والعوامل الخارجية التي قد تؤثر عليها وقد تبقى هذه الأهداف حبر على ورق لا أكثر ولا أقل.