الوقت- في صباح يوم 11 آذار/ مارس، كانت طائرة رجال أعمال نفّاثة أرسلتها الإمارات متوقفة في مطار بن غوريون في انتظار اصطحاب نتنياهو والوفد المرافق له ونقلهم إلى أبو ظبي لكن الأردن رفض الموافقة على مسار الرحلة فوق أراضيه.
ورفض السعوديون طلبات السماح للطائرة بالتحليق فوق أراضيهم، وقرر نتنياهو في النهاية تأجيل رحلته، واتصل بولي العهد للاعتذار.
كان سبب هذه الحادثة المحرجة في اليوم الذي سبق، بسبب زيارة مخطط لها من قبل ولي العهد الأردني حسين لحضور صلاة خاصة في الحرم الشريف في القدس، الأردن أبلغ “إسرائيل” بالزيارة قبل يومين فقط، مشيراً إلى الطبيعة التلقائية لقرار ولي العهد.
في الحالتين، عندما وصل وفد من عشرات الأردنيين كثير منهم حرّاس شخصيّون، بالحافلة من الأردن، نشأ خلاف عميق بين حرسه الأمني وجهاز “الشاباك” الإسرائيلي المكلف بحماية الحدث.
الأردنيون انتظروا على أمل التوصل إلى حل سريع للمشكلة. عندما لم يحدث ذلك، استداروا وعادوا إلى عمّان، حيث أصدر القصر الملكي بياناً غاضباً.
وهذا بدوره، مهّد الطريق لسلسلة من المسؤولين الأردنيين لشرح مدى تدهور العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة، ونهائية المقاطعة التي فرضها القصر على أي اتصال مع نتنياهو. وأثار هذا التوتر بين الأردن وإسرائيل تساؤلات حول دلالات هذه الأزمة وانعكاسها على الطرفين.
وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أعلن الخميس أن ولي العهد الأردني ألغى زيارة كان سيقوم بها إلى المسجد الأقصى الأربعاء، لإحياء ليلة الإسراء والمعراج “بسبب خرق إسرائيل ترتيبات الوصول إلى الحرم المبارك، ومحاولة فرض تعقيدات كانت ستضيق على المقدسيين في هذه الليلة المباركة”.
وفي اليوم ذاته؛ أعلن مكتب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، أن زيارته التي كانت مقررة للإمارات الخميس تأجلت بسبب “تعطل” منح عمان تصريحا لطائرة نتنياهو بالتحليق في المجال الجوي للأردن، لافتة إلى أن ذلك يتعلق “على ما يبدو” بإلغاء زيارة ولي عهد الاردن للمسجد الأقصى.
وأضاف المكتب أن التصريح الأردني بمرور رئيس الوزراء الإسرائيلي صدر في نهاية المطاف، لكنه كان متأخرا جدا بالنسبة لجدول أعمال نتنياهو.
ورغم إعلان نتنياهو في مؤتمر صحفي الخميس، أنه تمت تسوية الخلاف مع الأردن؛ إلا أن الصفدي عاد ليصرح بأن تعاون الأردن في تسهيل رحلة نتنياهو إلى أبوظبي “لم يكن شيئا يمكن توقعه، بعد تنكر نتنياهو لاتفاق مع الأردن بشأن زيارة الأمير الحسين إلى القدس المحتلة”.
وقال الصفدي عبر مقابلة مع شبكة “CNN” الجمعة مخاطبا نتنياهو: “تُغيِّر الاتفاق مع الأردن، وتُعطل زيارة دينية، وتخلق الظروف التي جعلت هذه الزيارة الدينية في مناسبة مقدسة مستحيلة، ثم تتوقع أن تأتي إلى الأردن وتحلق عبر أجوائها؟!”.
توتر بلا قطيعة
ويعتقد محللون سياسيون أن العلاقة بين الأردن والاحتلال خلال ولاية نتنياهو تميزت بالتوتر أصلا، لتأتي أخيرا القشة التي قصمت ظهر البعير، وذلك بعرقلة زيارة الأمير الحسين للقدس. مضيفا ان التوتر الأخير بين الطرفين سيبقى في حده المعهود، ولن يتحول إلى قطيعة؛ لأن الجغرافيا السياسية لا تسمح بذلك، وان امريكا المرتبطة بعلاقة استراتيجية مع الطرفين لن تسمح به أيضا.
ومن الممكن أن يفتح هذا التوتر الباب للنقاش حول الأسباب التي أوصلت العلاقات بين الطرفين إلى هذا المستوى المتردي، وربما تعيد فتح العديد من الملفات بشكل موسع وأعمق.
ونقلت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، الخميس، عن مصدر أردني رفيع قوله إن “مسؤولين إسرائيليين كبار في النظام السياسي، ومسؤولين أمنيين سابقين، شجعوا الأردن لمنع نتنياهو من المرور عبر أجوائه لنسف زيارته للإمارات”.
وفي ذات السياق قالت مستشرقة إسرائيلية إنه “لا توجد خلافات كبيرة بين إسرائيل والأردن، وإن سلسلة الأزمات بين الطرفين تنبع فقط من الازدراء أو التجاهل أو الوقاحة، وتسببت في تحول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى شخصية غير مرغوب بها في القصر الملكي في عمان”.
وأضافت كاسينيا سفيتلوفا عضوة الكنيست السابقة، في مقالها بصحيفة يديعوت أحرونوت أن “سلسلة الأزمات بدأت من محاولة اغتيال خالد مشعل زعيم حماس السابق بقلب العاصمة الأردنية عمان عام 1997، مرورا باستقبال حارس الأمن الإسرائيلي قاتل الأردنيين في السفارة عام 2017، استمرارا في قضية تأجير الأراضي الحدودية، ووصولا إلى رفض إسرائيل لقدوم حراس أمن ولي العهد خلال زيارته للقدس”.
وأوضحت سفيتلوفا، مديرة برنامج العلاقات بين إسرائيل والشرق الأوسط في معهد ميتافيم، أن “العلاقة الإسرائيلية مع الأردن خلال عهد نتنياهو، تعلوها صورة مقلقة ومشكوك فيها، أما العلاقة الاستراتيجية مع المملكة، فقد تتضرر بأسوأ الأحوال، وهذه المرة شعر نتنياهو بأنه استهدف في كرامته بشدة، وأدت العلاقات الغامضة مع عمان إلى إلغاء زيارة دبلوماسية تاريخية لأبوظبي، واللقاء بولي العهد محمد بن زايد”.
وأشارت إلى أن “سلسلة الأحداث التي أدت إلى تأجيل جزء من الحملة الانتخابية لنتنياهو للإمارات العربية المتحدة دليل على أنه ليس جميع من في الشرق الأوسط يرقصون على أصوات العازف المقيم في مقر رئاسة الحكومة بمدينة القدس، صحيح أن نتنياهو كان قادرا على تحديد موعد بمساعدة رئيس الموساد يوسي كوهين مع حاكم الإمارة، لكنه يعلم أيضا أنه ما لم يحدث شيء دراماتيكي، فإن القصر الملكي الأردني لن تطأه قدمه قريبا”.
وفي المجموع يمكن القول ان نتنياهو لا يزال يحرج نفسه في الداخل والخارج وان جل ما يمكن ان يفعله هو التحسر على اجتماعه مع الاماراتي الذي لم يحدث بعد، كما ان الحوادث الاخيرة تعيد التذكير بان التطبيع وغيره لن يغير من طباع الصهاينة الاستعمارية والغادرة تجاه جميع من حولها وسيظل الصهيوني صهيونيا حتى يقظة الحكومات ووحدتها واقتلاع جذوره من أساسها.