“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى
حرص “حزب الله” على لسان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، على تظهير الخلفيات والأسباب الموجبة لزيارة وفد الحزب إلى موسكو، ولو بعناوينها العريضة، بحيث أنه بعداللقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكّد، وهو غير مضطر لذلك أبداً، أن البحث تناول شؤون المنطقة ومن ضمنها لبنان. وهنا تجدر الإشارة، إلى أنه كان قبل سفر الوفد قد أكّد رعد أيضاً الكلام نفسه، بأن التركيز سيتناول شؤون المنطقة، وسنعرّج على الملف اللبناني والحكومي.
وبالتالي، السؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا تقصّد “حزب الله” التظهير بأن مداولاته في موسكو تختلف عن المداولات التي تجريها القوى السياسية اللبنانية الأخرى التي تلتقي مع المسؤولين الروس مداورةً، إن كان الرئيس المكلّف سعد الحريري، أو أياً من فريق العهد كالنائب جبران باسيل أو غيره، أو الثنائي الدرزي الوزير السابق وليد جنبلاط والنائب طلال إرسلان؟ فباقي القوى تتمحور نقاشاتها مع موسكو حول الملف اللبناني، فيما يتم التعريج على التطورات في المنطقة من باب القراءة السياسية لا أكثر، إلا أن الحزب يحرص على التظهير بأن مداولاته مع الروس تتناول بشكل أساسي ملفات المنطقة، فيما يتم “التعريج” على الملف اللبناني، الذي لا يشكّل أبداً محور هذه النقاشات وأساسها.
وفي هذا الإطار، شدّدت أوساط سياسية مطّلعة، على أن “حزب الله” يحاول أن يظهر، أن مداولاته في ملفات المنطقة مع المسؤولين الروس، ليست من باب القراءة السياسية لآخر تطوّراتها فحسب، وإنما يريد تحديداً تظهير وإبراز نوع من الشراكة مع موسكو في هذه الملفات، باعتبار أنه في لقاء أي مسؤول سياسي لبناني مع أي دبلوماسي، كان يتم التداول بشكل طبيعي في شؤون عامة لها علاقة بالتطورات في المنطقة، لكن التركيز الأساس للقاء يكون الملف اللبناني، الأمر الذي لا ينطبق على ما يقوله الحزب الذي يتقصّد القول إنه شريك في المنطقة.
ولفتت الأوساط، إلى أن هناك أسئلة كثيرة تتطلّب الإجابة عنها في هذا الموضوع، أولها: لماذا تقصّد الحزب إظهار دوره على صعيد المنطقة، خصوصاً في هذا الظرف والتوقيت بالذات، الذي يطرح فيه غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مسألة حياد لبنان عن الصراعات الإقليمية؟
ثانيها: “حزب الله” تحدّث عن أنه يريد التباحث في الملف السوري والعراقي واليمني مع موسكو، وبالتالي، هو يطلّ على الساحة الدولية كلاعب إقليمي وليس لبناني، فلماذا أيضاً يريد الإيحاء بأنه شريك الروس في ملفات المنطقة، وله أدوار يلعبها على هذا الصعيد، في التوقيت الذي يتم الحديث فيه عن إعادة هندسة للمنطقة مع الإدارة الأميركية الجديدة؟
ثالثها: هل من مصلحة “حزب الله” أن يطل بهذه الصورة في هذا التوقيت؟
رابعها: إلى أي حد من الممكن أن يتم تطبيق الحياد الذي يدعو له غبطة أبينا البطريرك مع فريق سياسي في لبنان يتصرّف كلاعب إقليمي، وليس كلاعب محلي؟ وآخرها، ما هي الرسالة التي يريد الحزب إرسالها من هذه المسألة برمّتها؟
وأكّدت الأوساط، أنه من الواضح أن “حزب الله” تقصّد الكلام عن هذا الأمر، باعتبار أنه كان باستطاعته، وبكل سهولة، ألا يصرّح، أو حتى لو صرّح، ألا يقول ما قاله، إلا أن التركيز وتسليط الضوء على أدواره الإقليمية مقصود ويريد الحزب منه توجيه رسائل عدّة، أوّلها رسالة واضحة المعالم بأن موضوع الحياد الذي يطرحه غبطة أبينا البطريرك لا يعنيه ولا ينطبق عليه، فهو صحيح قوّة لبنانية، إلا أنه في الوقت عينه قوّة إقليمية شريكة في ملفات المنطقة، ومن خلال هذا الموقف الذي أطلقه، يمكننا أن نعتبر أن هذه الزيارة أتت بشكل واضح للردّ على دعوة البطريرك للحياد.
أما الرسالة الثانية، ودائماً بحسب الأوساط، فمضمونها بأن “حزب الله” لن يكون في موقع المتلقّي في المرحلة المقبلة التي يتم فيها إعادة البحث في ملفات المنطقة، أي أن يكون مجرّد متلقٍّ لما سيتم الإتفاق عليه في هذه الملفات وخصوصاً الملف اللبناني، لذا يقول الحزب في هذه الرسالة بشكل واضح، إن أي شيء له علاقة بلبنان يُبحَث معي أنا على غرار ما يُبحث مع موسكو، وأنا لا أتلقى كفريق لبناني ما يتم بحثه في الخارج، وإنما أريد أن أكون جزءً لا يتجزأ في صناعة القرار على مستوى المنطقة، ومن ضمنها لبنان.
واعتبرت الأوساط، أن ما حصل يمكن اعتباره مؤشراً عن أن هناك نوعاً من إرادة إيرانية بأن يكون لـ”حزب الله” دوراً ، ليس فقط على المستوى العسكري في المنطقة من خلال مشاركته في القتال في سوريا والعراق واليمن، وإنما أن يكون له دور سياسي أيضاً، وهذا ما يمنحه مزيداً من الأوراق على مستوى الحياة السياسية الداخلية، الأمر الذي لا شك في أنه سيزيد من الإشكاليات المطروحة داخلياً، خصوصاً لجهة إمكانية التوصّل إلى تفاهم مع حزب يتصرّف على أنه قوّة إقليمية وليس محلية.
ولفتت الأوساط، إلى أن الرسالة الثالثة التي أرادها الحزب من خلالها تظهير دوره الإقليمي هي لروسيا نفسها، بحيث أنه لا يمكن فهم الكلام الصادر عنه سوى أنه بمثابة رسالة واضحة المضمون لموسكو، بأنها لا يمكن أن تتعاطى معه على غرار تعاطيها مع الرئيس ميشال عون، وبالتالي فريق العهد، والرئيس المكلّف سعد الحريري، وباقي الأفرقاء في لبنان، فهو قوّة إقليمية وعليها أن تتعاطي معه كشريك على مستوى المنطقة، وليس كأي فريق لبناني آخر توجّه له النصائح أو التوجيهات أو تُملي عليه.
كما أن كلام الحزب، بحسب الأوساط، يمكن أن يُفهم أنه تحديد لحدود السياسة الروسية في المنطقة، بطريقة ديبلوماسية طبعاً، باعتبار أن كلام الحزب يُفهم وكأنه يقول لموسكو إن حدودها في المنطقة تقف عند سوريا، ولا تمتدّ إلى لبنان. فقد أعطتها إيران الأولوية في سوريا، فيما تبقى الأولوية في لبنان لطهران، أي لـ”حزب الله”. من هنا، يمكن أن نستنتج أنه بالنسبة للحزب هناك هدف ثان للزيارة، يضاف إلى هدف الردّ على دعوة البطريرك للحياد، وهو أنه ذهب إلى موسكو ليعمل على إعادة توزيع الأدوار معها في المنطقة، أو بالأحرى إعادة توضيح هذا التوزيع.
فـ”حزب الله”، وبالتالي الإيراني، بحسب الأوساط، يريد أن يُفهِم روسيا أنه ترك لها الدور الأساس في سوريا، وأبقى لنفسه دوراً جزئياً، إلا أن هذا الأمر ينطبق فقط على سوريا، ولا يمتد أبداً إلى العراق ولبنان حيث للإيراني الدور الأساس، لذا أتت الزيارة للكلام مع روسيا في الإلتزام بحدود دورها الجزئي في هذين البلدين. وكأن بالإيراني يقول لروسيا، عبر “حزب الله”: إن دورنا كقوّة إقليمية في المنطقة أكبر بكثير من الدور الروسي، وبالتالي، تقف حدود هذا الأخير عند سوريا ولا تمتدّ إلى لبنان والعراق.
ختاماً، تساءلت الأوساط ،عما إذا كان سيعود محمد رعد من موسكو ليدفع باتجاه التشكيل؟ وهل تشكيل الحكومة في هذا التوقيت بالذات يفيد “حزب الله”، بحيث أنه سيُصار الى القول إنه عاد إلى لبنان بضوء أخضر روسي، وبتطمينات بأن الأولوية في لبنان ستبقى له ولدوره الأمر الذي أدّى إلى حلحلة العقد باتجاه التأليف، وكأنه كان هو من يعطّل التشكيل بعدما كان قد دأب على العمل من أجل الظهور كقوّة مسهّلة غير معطّلة؟ وهل كان من مصلحة الحزب زيارة روسيا في هذا التوقيت بالذات، في حال أبصرت الحكومة النور بعد عودة وفده من هناك؟ لا شك في أن الأمور ستكون موضع رصد ومتابعة في الأيام التي ستلي عودة وفد الحزب إلى لبنان، لتبيان مفاعيل هذه الزيارة على أرض الواقع، وتحديداً على مستوى الحكومة.