كتب المحرّر السياسيّ-البناء
بالتزامن مع تحليق طائرات استطلاع أميركيّة قبالة الساحل اللبناني أشارت إليها “البناء” أمس، ما اضطر المصادر الأميركية للقول إنها مخصصة لمتابعة غواصة روسيّة “متخفّية”، عبر قناة الحدث – العربية التابعة لولي العهد السعوديّ، حطّ قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيت ماكنزي في لبنان، فيما وصفته مصادر متابعة أنه استمرار في خطة تثبيت الحضور الأميركي العسكري في لبنان كلما سنحت الفرصة، وأنه استثمار على الأزمة المالية لربط الجيش اللبناني أكثر بالمساعدات الأميركية، التي حمل ماكنزي وعداً بأن تتجاوز الجانب العسكري إلى جوانب مدنيّة ترتبط بتعزيز قدرة العسكريين على مواجهة تدني القدرة الشرائية لرواتبهم، بعدما تخطى سعر صرف الدولار الـ 13000 ليرة، في ظل تقدير أميركي أن سعر الـ 10 آلاف هو الخط الأحمر الذي يصبح فيه الأمن الاجتماعي للجيش في دائرة الخطر.
الدولار الذي واصل صعوده بصورة لافتة بلغت قرابة الـ 100% بالقياس لسعره قبل ستة شهور، عندما كان السعر 6500 ليرة، سيواصل الصعود وفقاً للخبراء، طالما أن الانسداد الحكوميّ مستمر ولا آفاق قريبة لتخطّيه، لتصير الكلمة الفصل في سعر الصرف، لعاملَيْن، هما نزيف الدولارات الى الخارج تحت عنوان السلع والأدوية والمحروقات المدعومة، وأغلب هذه الدولارات يتم تهريبها تحت ستار استيراد لا يتمّ، وإن تمّ فتعقبه إعادة تصدير للسلع المدعومة سواء بطرق شرعيّة او غير شرعيّة، وبالتوازي ضخ المزيد من الأوراق النقدية اللبنانية في الأسواق من دون أية تغطية بالذهب او العملات الصعبة توازي الكميات الهائلة التي تمّ ضخها منذ بدء الأزمة الراهنة. وهو ما قالت مصادر مالية إنه أبعد من مجرد اعتماد التمويل السهل للإنفاق العام، بقدر ما هو خطة مدروسة من مصرف لبنان لتخفيض قيمة مطلوباته وتضييع خسائره عبر تدوير حساباته الى الليرة اللبنانية وتغطيتها بطباعة المزيد من الأوراق النقدية.
الحدث الأبرز الذي تابعه اللبنانيون أمس، كان زيارة وفد حزب الله برئاسة النائب محمد رعد الى موسكو ولقاءاته التي شملت وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف. وقالت مصادر روسية متابعة للزيارة إن لافروف ونائبه أبلغا رعد والوفد المرافق، إضافة لتشجيع مبادرات وسطية لتسريع تشكيل الحكومة اللبنانية، أن موسكو لا ترى في الأفق فرصاً لتفاهمات روسية أميركية على ملفات الخلاف، بل ترى تجديداً قاسياً للحرب البادرة كإطار للمشهد الدولي، وأن موسكو تعطي الأولوية لتعزيز تحالفاتها لأنها تتوقع الأسوأ خلافاً للانطباع السائد منذ وصول الرئيس جو بايدن الى البيت الأبيض، من دون أن يبنى على ذلك استنتاج بانعدام فرص حصول تسويات في بعض الملفات الساخنة، كحال الملف النووي الإيراني، والانفتاح إيجاباً على هذه الفرص، والتشاور حولها حالة بحالة بواقعية. وقالت المصادر إن لافروف استمع لقراءة الحزب للمشهد الدولي والإقليمي ووضع الوفد في صورة زيارته الخليجية والمساعي المتصلة بعودة سورية الى الجامعة العربية، وإمكانية إحراز تقدّم في الملف السياسيّ للأزمة السورية من خلال منصة أستانة، والمنصة الروسية التركية القطريّة المتفرّعة عنها.
يبدو أن الأزمة تتجه إلى مزيد من التأزم ما يضع لبنان على طريق الانهيار التدريجيّ مع استمرار الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار الذي تخطى أمس الـ13 ألف ليرة ولامس في ساعات المساء 14 ألفاً، ما يعني أن لبنان أصبح في قلب الانهيار الكامل، بحسب خبراء في المال والاقتصاد.
ولفت ما نشرته صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أمس، حول تفاقم الأزمة في لبنان، محذرة من أن البلد أصبح «رهينة» ويتجه نحو الانهيار.
ارتفاع سعر الصرف دفع بالعديد من السوبرماركات الى إقفال أبوابها ومحطات الوقود الى رفع خراطيمها، فيما قطعت طرق عدة في بعض المناطق احتجاجاً على الغلاء والأوضاع المعيشيّة، كما دفع الصرافين الى إقفال أبوابهم من قبل بعض الشبان الغاضبين.
وفيما علمت «البناء» أن السوبرماركات تتجه نحو تسعير المواد والسلع بالدولار لعدم قدرتها على مواكبة الارتفاع التدريجيّ بسعر الصرف، اعلن نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد أن الخوف من الارتفاع الجنونيّ للدولار حال دون استمرار تسليم البضائع الى المتاجر الكبرى ولفت الى أن «السوبرماركت تواجه معضلة اساسية بسبب ارتفاع سعر الدولار، وبعض الأصناف لا سيّما الأساسية نفدت من على الرفوف ومن المستودعات بعد تهافت المواطنين على شرائها لكوننا لم نغيّر الأسعار بعد، لأننا لم نحصل على لوائح التسعير من الموردين. بالتالي، البضائع تتناقص في حين أن لا تسليم حيث إن الموردين بذاتهم لا يعرفون على أساس أي سعر صرف سيسعّرون، والمنتجون المحليون يواجهون المشكلة نفسها، لأن قسماً كبيراً من كلفتهم بالدولار».
ولحظت مصادر مطلعة في نقابة الصرافين أسباب عدة لارتفاع سعر الصرف الى هذا المستوى، موضحة لـ«البناء» أنه الى جانب الخلفية السياسية لذلك، فهناك القرارات الأخيرة التي اتخذتها وزراتا الداخلية والمالية لجهة اعتماد سعر الصرف في السوق السوداء في تخمين المتر البيعي في البلديات والضريبة على القيمة المضافة، ما أعطى السوق السوداء المصداقية وبات المواطن يعتمد عليها في عملياته المالية والمصرفية، في ظل تفلّت السوق السوداء من أية ضوابط بغياب الصرافين المرخصين.
وكشفت المصادر في هذا السياق أن أكثر من 80 في المئة من الصرافين الشرعييّن أقفلوا مكاتبهم خوفاً من تأثير الإشاعات التي تطالهم على القرارات القضائية والأمنية واتخاذ إجراءات عشوائيّة ضدهم وقد حصلت فعلاً. وطالب المرجع بإعادة العمل بالمنصة الإلكترونية التي أنشأها مصرف لبنان ما يُمكّن الاخير من معرفة كل ما يلزم لإحصاءات وتحاليل مالية. «فسلطات الرقابة حالياً تجهل حجم حركة الدولارات في السوق والسعر الواقعي المفترض».
وكشفت المصادر أيضاً أن أسعار التطبيقات الإلكترونية التي تستند إليها السوق السوداء مصطنعة وغير واقعية لعدم وجود البديل الرسمي. فالتحكم بسعر الصرف من خلالها موجّه من أصحابها وبحسب مصالحهم، كما أنه لا يستند إلى أية قواعد علمية وحسابية أي إلى حركة البيع والشراء وكمية العرض والطلب والأسعار المتداولة».
وانعكس ارتفاع سعر الصرف زيادة في الفوضى الاجتماعيّة والأمنية، وأمس انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لإشكال بين المواطنين على المواد المدعومة في سوبرماركت رمال في حارة حريك وتطوّر الى اشتباك بالسكاكين كما تم التداول بفيديو يظهر اشتباكاً بين شبان من بلدتي المرج وبر الياس على خلفية قطع طرقات، وسُمع إطلاق نار كثيف في المحلة، وساد جو من التوتر والخوف. وأفادت المصادر أن الإشكال حصل بين العرب وأهالي بر الياس بسبب خلاف شخصي تطور إلى تشابك بالأيدي وتضارب بالعصي قبل أن يتحول إلى إطلاق نار كثيف في المحلة.
على صعيد آخر، توزّع المشهد السياسي والحكومي بين بيروت وموسكو التي استقبلت وفداً من حزب الله برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ومسؤول العلاقات الخارجية في الحزب عمار الموسوي.
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية، أن اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وفد «حزب الله» ركز على ضرورة تشكيل حكومة لبنانية جديدة برئاسة سعد الحريري. وجاء في بيان الخارجية الروسية، أن لافروف جدّد التأكيد على موقف روسيا الثابت الداعم لسيادة لبنان ووحدته وسلامة أراضيه. وشدّد على ضرورة حل القضايا المستعصية على الأجندة الوطنية من خلال حوار واسع بمشاركة ممثلين عن كافة الطوائف الرئيسية في المجتمع اللبناني حصراً في الفضاء القانونيّ ومن دون تدخل أجنبي».
وأشار البيان الروسي إلى أنه خلال تبادل الآراء حول مسألة التسوية الشاملة في سورية، أكد الجانب الروسي مجدداً تمسكه بحق السوريين في تقرير مستقبلهم بشكل مستقل، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254». وتمت الإشارة بحسب البيان «إلى أهمية تكثيف الجهود الدوليّة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين، بمن فيهم الموجودون في لبنان، إلى وطنهم (سورية)، من أجل تحقيق استقرار موثوق في المنطقة».
ولفتت مصادر مطلعة على اللقاء الى أن «زيارة وفد الحزب الى موسكو أتت في اطار التنسيق والتشاور الدائم في الأزمة الإقليمية والوضع في لبنان ولم تأت بناء على استدعاء روسيّ للحزب كما أشيع، بل بناء على دعوة روسية رسمية لزيارة روسيا». فالحزب بحسب المصادر «جهة سياسية فاعلة في لبنان والمنطقة ولديه علاقات سياسية مع روسيا وأتى هذا اللقاء في اطار اللقاءات الدورية مع السفير الروسي السابق في لبنان والتي ستستمر مع السفير الحالي». وأكدت بأن لا علاقة مباشرة للزيارة بملف تأليف الحكومة بل جاء تزامن موعد الزيارة مع حماوة الملف الحكومي، وبالتالي لا مبادرة روسية حكومية.
وفي السياق، أشار مرجع وزاري ودبلوماسي لبناني لـ«البناء» إلى أننا «لم نتبلغ من الروس مبادرة لديهم للحل في لبنان، بل المبادرة الوحيدة قيد التداول والنقاش هي المبادرة الفرنسية ولا بديل عنها في الوقت الراهن»، وأوضح أن «المساعي الروسية تتكامل مع المبادرة الفرنسية ليس حيال لبنان فحسب، بل في مجمل ملفات المنطقة وتحديداً الملف السوري واليمني». ووضع المرجع جولة لافروف الخليجية في هذا الإطار، ولفت إلى أن «التنسيق بين روسيا وكل من السعودية ومصر هي الركائز الأساسية لأي تسوية في المنطقة ومن ضمنها لبنان».
وأوضحت أوساط دبلوماسية رسمية التقت أكثر من سفير أجنبي في الايام القليلة الماضية لـ«البناء» أن الكلام الفرنسي الأخير الذي ورد على لسان وزير خارجية فرنسا ليس جديداً «لكنه يتخذ منحى تصاعدياً كلما اشتدت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية واقتربنا أكثر من الانهيار». ونقلت الأوساط الدبلوماسية عن أحد المسؤولين الاقتصاديين والماليين الفرنسيين بأن «لا أمل من النظام الاقتصادي الحالي في لبنان لأنه غير شفاف وغامض وفاسد ويتجه نحو الانهيار الكامل وإن تمكنت بعض تحويلات المغتربين اللبنانيين إلى ذويهم في لبنان أو ما يسمى بالاقتصاد غير الرسمي من تأخير انهيار النظام، مما يتطلب إجراء إصلاحات جوهرية موجودة معظمها في خطة ومشاريع سيدر». ولفتت الى أن «الرافعة الأخيرة لوقف الانهيار الكامل هو قيام حكومة بأسرع وقت وإعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي تسعى فرنسا لأن يكون مرناً من جهة مقاربته للوضع اللبناني للوصول إلى برنامج تمويلي وإصلاحي للبنان». ونقل هؤلاء السفراء لجهات رسمية لبنانية «استعداد صندوق النقد بتسهيل حصول لبنان على المساعدات المالية بعد تأليف الحكومة وإعطاء الأولويات للحاجات الاجتماعية وشبكة الدعم الاجتماعي في الظروف الحالية ومواكبة للعملية الإصلاحية».
أما في بيروت، فبقيت مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحكوميّة الوحيدة قيد التداول، وسجلت حركة سياسية لافتة تمحورت حول هذه المبادرة، حيث استقبل الرئيس المكلف سعد الحريري في بيت الوسط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يرافقه النائب وائل أبو فاعور، وتناول اللقاء البحث في آخر المستجدّات السياسية والاوضاع العامة. فيما أوفد جنبلاط الوزير السابق غازي العريضي الى عين التينة حيث استقبله الرئيس بري وتناول اللقاء الأوضاع العامة والملف الحكومي.
وفيما اتهمت مصادر التيار العوني الحريري بأنه لا يريد تأليف الحكومة خوفاً من الغضب السعودي، انشغلت الأوساط المحلية بما أوردته أخبار الخليج نقلاً عن أوساط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنه قال «بعد الانهيار الاقتصادي في لبنان ليس امام سعد الحريري إلاّ الاعتذار، فالسعودية لا تريده رئيساً لأي حكومة في لبنان ولو لفّ العالم كله ومعهم إسرائيل». إلا أن أكثر من مصدر في المستقبل نفى ذلك مشيراً الى أن هذه الاخبار «تندرج ضمن حملات الافتراء الكاذبة ولا اساس لها من الصحة وبات مصدرها معروفاً».
وفيما أفيد أن رئيس الجمهورية ميشال عون رفض اقتراح بري مع التمسك بالثلث المعطل، نفى مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية ذلك، مؤكداً أنه لم تعرض على رئيس الجمهورية أي صيغة حكومية جديدة.
وفي موازاة ذلك، نفى المكتب الاعلامي لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل نفياً قاطعاً ما ذكرته قناة الجديد في نشرتها أمس، عن أن حزب الله طلب من باسيل التراجع عن الثلث المعطل، وأنه رفض.
وكرر المكتب الإعلامي أن التيار لم يطلب لا الثلث ولا غيره في هذه الحكومة، لا بل عبّر مراراً وتكراراً عن عدم رغبته المشاركة بها مع احتفاظه بحقّه بإعطائها الثقة او عدمها بحسب تشكيلة الحكومة وبرنامجها.