الدولار بـ14 ألف ليرة ويتابع مساره صعوداً، بينما حامي الليرة والمسؤول الأوحد عن الحفاظ على سلامة النقد رياض سلامة، يتجوّل في باريس لمتابعة شؤون شخصية. على المنوال نفسه، يجلس رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري متفرجاً على غرق البلاد في انهيار اقتصادي واجتماعي غير مسبوق، لا بل يسهم في تعزيز الأزمة لتسجيل نقاط على خصومه، ودفعهم إلى الاستسلام له، ظنّاً منه أن بقاءه في موقع «المكلّف» يعفيه من المساءلة عن أزمة اشتعلت شرارتها في عهد حكومته السابقة
هي الفوضى الأمنية والاقتصادية والمالية والسياسية تعبث بالبلد وتدفعه الى الانهيار الشامل بسرعة جنونية. ثمة من يستفيد من هذا الانهيار ويتعمّد خلق الأجواء والظروف المؤاتية لتغذيته حتى ينقضّ على خصومه السياسيين. فكما يترك سلامة البلاد ليتجول في باريس، يجلس رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بارتياح في بيت الوسط في الوقت المستقطع بين جولاته الخارجية الفارغة، ظنّاً منه أنه معفى من التفلت الحاصل اليوم، وأن تداعيات السقوط المالي والنقدي يُحمّلان اليوم الى العهد وحزب الله. وهو يستخدم هذه الورقة، بالتعاون مع سلامة، من أجل الضغط على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. قدّم الأخير تنازلاً من أجل تأليف الحكومة، لكن الحريري رفض تلقف المبادرة، مطالباً بالاستسلام. يستخدم الانهيار للضغط على عون، متيقناً من أنه خارج إطار المحاسبة عن قيادته البلد – يوم كان رئيساً للحكومة – صوب الهاوية، ثم الفرار من المسؤولية بإعلان استقالته، ثم استقالته حالياً من مسؤوليته ورفضه كل الحلول والمبادرات. فبعد إجهاز فريقه السياسي، بالتعاون مع حلفائه، على الخطة المالية لحكومة حسان دياب، يتركز الاهتمام اليوم على القضاء على أي أمل بإجراء تدقيق جنائي في مصرف لبنان والمصارف.
ما سبق يدفع مصادر مطلعة الى القول إنه يصعب على رئيس الجمهورية اليوم التعاون مع الحريري نفسه الذي ما زال يتبنى النهج ذاته والطروحات ذاتها ويتمسك بالأشخاص أنفسهم. تلك النقطة الأولى، وفق المصادر، التي تشير بما لا لبس فيه إلى أن الحريري ليس رجل المرحلة، في نظر رئيس الجمهورية. لا بل إنه بات جزءاً من المشكلة ومعرقلاً لأي حلّ؛ فبدلاً من أن يكون همه الأول خلق المبادرات للإسراع في تأليف الحكومة، ينتظر مبادرات غيره ويتعمد رفضها لإطالة أمد الأزمة وتسجيل نقاط على خصومه. أما النقطة الثانية، فتدور حول عدم قدرة الحريري، رغم كل الجولات التي قام بها، من الإمارات الى تركيا ومصر وفرنسا وقطر، على اجتذاب ولو موقف مساعد رمزيّ، كبادرة دعم لترؤسه الحكومة. فعاد من دون أي مساعدات، ولو كانت عبارة عن لقاحات ضد فيروس كورونا. إزاء ذلك، ترى المصادر أنه بات واضحاً أن الدور المرتجى من وصول الحريري الى منصب رئاسة الحكومة انتفى: ثبت في موضوع تأليف حكومة اختصاصيين أنه يريدها سياسية مع حركة أمل وحزب الله والاشتراكي، وغير سياسية عند الحديث عن تمثيل لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر. وتبيّن من فشل جولاته في فتح أبواب الرياض المغلقة في وجهه أنه بات عائقاً أمام «سيدر» وما يتطلبه من مساعدات خليجية مفتاحها بيد السعودية حصراً.
من جهة أخرى، وفيما كان رئيس الحزب الاشتراكي قد أظهر ميلاً نحو التسوية الأسبوع الماضي، عبر إعلانه موافقته على توسيع الحكومة الى 20 أو 22 وزيراً، بدّل مزاجه مساء أمس بعد زيارته الحريري، حيث أشار بعد اللقاء إلى أن رئيس الحكومة المكلف «متمسك بحكومة من 18 وزيراً ولا يمكن الحديث عن صيغة أخرى، وجميعنا متفقون على هذا المبدأ. لذلك لا يمكن الحديث عن توسيع حجم الحكومة». وقال في حديثٍ إلى موقع «المدن» إن «الهمّ الأساسي لدى كل القوى السياسية هو عدم حصول أي طرف على الثلث المعطل، وهو الذي لا يزال يعرقل التشكيلة الحكومية، وموقفي ثابت، كما موقف الحريري والرئيس نبيه برّي، وأيضاً موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي قال سابقاً إنه لا حاجة إلى الثلث المعطل، وفي حال كان هناك حاجة كبرى له، فإن حزب الله يضمنه». ورأى جنبلاط أنه «لا وجود لأي بوادر للتقدم، بما أن الشروط لا تزال على حالها»، لافتاً الى أن زيارته لبيت الوسط كانت «للتفاهم على جملة أمور، واستمرار التنسيق، والاطمئنان على استمرار التواصل والعلاقة الجيدة بين الحريري والرئيس نبيه برّي، وإلى استمرار التواصل بين الحريري وبرّي في المرحلة المقبلة».
استعراض عسكري للسفيرة الأميركية
وكما في شأن الليرة وتأليف الحكومة، تتعامل السلطة باستخفاف مع مفهوم السيادة، فتسمح للسفيرة الأميركية دوروثي شيا بالقيام باستعراض مسلح في سهل غزة في البقاع الغربي الذي وصلت اليه على متن مروحية لافتتاح بئر مياه سبق لها أن افتتحته سابقاً! وهذه ليست المرة الأولى لاستعراض مسلح مماثل، فقد أحاطت شيا نفسها، منذ بضعة أسابيع، بجيش من المسلحين، لتوزيع كمامات على المارّة قرب مقر السفارة الأميركية في عوكر. لكن لأنها السفيرة الأميركية، لا يجرؤ أحد على استنكار هذه الصولات والجولات، وكأن البلد إحدى مستعمرات الولايات المتحدة الأميركية التي زارها أمس قائد المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي.