قمع واستبداد ممنهج في السعوديّة.. والمجتمع الدوليّ شريك في الجريمة
الوقت- بعد أن تفوقت السعودية على جيرانها واحتلت المرتبة الأولى في القمع والاستبداد، بحسب نتائج المسح الذي أجراه مركز “البيت الخليجيّ للدراسات والنشر” كأول إصدار بحثيّ متخصص بقياس درجة “المشاركة السياسيّة” بالدول الخليجية قبل شهر تقريباً، والذي صنف السعودية كمملكة للقمع والحكم الاستبداديّ، حيث حلت مملكة آل سعود في المرتبة الأخيرة على مستوى الدول الخليجية في مؤشر المشاركة السياسيّة في ظل حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة، ما أضاف إدانة أخرى للنظام المشهور بدكتاتوريّته الشديدة، ومؤخراً أكّدت المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان، أنّ سلطات آل سعود تستخدم قانون “مكافحة الإرهاب” كغطاء للقمع الممنهج ضد السعوديين، ويأتي هذا الحديث في الوقت الذي يتصاعد فيه السخط الشعبيّ داخل السعوديّة نتيجة السياسات التي ينتهجها حكام آل سعود.
قمع ممنهج
في ظل قيام السلطات السعودية بوضع “سوار ابن سلمان” لتتبع ومراقبة أبرز المعارضين، بالتزامن مع حملات الاعتقال التي لا تتوقف بحق نشطاء المعارضة وأقربائهم، قالت المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان إنّ “سلطات آل سعود تمارس قمعاً ممنهجاً وشديداً ضد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وتلاحقهم بسبب عملهم ونشاطهم”، حيث إنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، تفرغ إلى ناشطي المعارضة، بعد أن تخلص من أبرز منافسيه من خلال موجات من الاعتقالات التي شملت أهم وأبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، إضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، ووسعت سلطات البلاد حملة الاعتقالات لتشمل دعاة وعلماء وسياسيين وتجار، فيما لم تستثن الأقرباء المنافسين لولي العهد كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم.
ولا يخفى على أحد أنّ السعودية تحاكم النشطاء في البلاد عادة بمحاكمات معيبة، وتزجهم داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير، وتضيف المنظمة الحقوقيّة أنّ “الرياض تستخدم قوانين سيئة كنظام مكافحة الإرهاب ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ضدهم”، في ظل نهج واضح لاعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم ولا نية لحكام المملكة بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم.
وبالرغم من البراهين التي لا عد لها بشأن إجرام النظام الحاكم بحق شعبه، تُصر الرياض على نفي ممارستها انتهاكات بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، فيما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين، في الوقت الذي تحتاجهم البلاد بشدة للسير نحو التقدم والتطور.
ومع غياب أيّ قانون يحمي السعوديين من المعاقبة بهذا الأسلوب الساديّ، تغيب أيضاً الإحصائيّات الرسميّة حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون آل سعود، في ظل إنكار وزارة الداخليّة السعودية وجود أيّ سجينٍ من هذا النوع، وتقولُ لجنة “حقوق الإنسان الإسلاميّة” التي يقعُ مقرها في المملكة المتحدة، أنّه يوجد أكثر من 30 ألف سجين سياسيّ في سجون البلاد، وتضيف إنّ السجناء السياسيين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتصفُ السجن السياسيّ في المملكة بالـ “وباء” بحيثُ يشمل الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.
تنديدات متصاعدة
لم تكن تصريحات المنظمة الحقوقيّة جديدة على مسامعنا وسبقها الكثير من التصريحات المنددة بإجراءات آل سعود القمعيّة، ويوماً بعد آخر تتصاعد التنديدات الدوليّة نتيجة سلسلة الأعمال الإجراميّة المتواصلة التي يرتكبها حكام المملكة بحق شعبهم، ففي العام المنصرم، تلقت السعودية ضربة قويّة، خسرت فيها فرصة مهمة للحصول على العضوية في مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، بسبب الرفض الدوليّ الذي يستند على السجل الدمويّ للرياض وانتهاكاتها في هذا المجال، حيث كشفت نتائج انتخابات مجلس حقوق الإنسان، بعد فرز الأصوات النهائيّة لمقاعد آسيا والمحيط الهادئ، عن فوز باكستان وأزباكستان ونبال والصين، بالمقاعد الأربع المتنافس عليها في المجلس، فيما خسرت السعوديّة بعد حصولها على المرتبة الأخيرة، بحسب مدير الإعلام والمتحدث باسم الجمعية العامة للأمّم المتحدة، برندان فارما، وبشكل مباشر رحبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بتلك النتيجة، معتبرة أنّ مجلس حقوق الإنسان وجّه توبيخاً شديد اللهجة إلى السعودية في ظل قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، الدولة الوحيدة غير المنتخبة، والمنبوذة من قبل غالبيّة الأمم المتحدة.
وفي الوقت ذاته، تُتهم السعودية بمحاولة شراء المواقف الدوليّة بعد أن أصبحت في السنوات الأخيرة، قبلة فنية وثقافية وترفيهية عالميّة، يتوافد عليها نجوم الفن والغناء من مختلف دول العالم، في إطار خطط البلاد للانفتاح على ثقافات العالم بعد عقود من الانغلاق استناداً لتفسيرات دينيّة ما لبثت المملكة أن تخلت عنها، للتغطية على جرائم الحكومة بحق مواطنيها، ولكي تقنع الرياض الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت ديمقراطيّة في ليلة وضحاها، و خلق “صورة مختلفة” للمملكة على الصعيد الدوليّ، بعد الفضائح المشينة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام السعودية للبقاء في سدة الحكم.
وتسعى السعودية لتلميع سجلها “الدمويّ” في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة، ويبدو أنّ المملكة تحتاج إلى وقت طويل إضافة إلى إثباتات عمليّة على أرض الواقع، لتقنع العالم بجديّتها في “التحول المستبعد” وخاصة بعد إثبات تورط وليّ العهد السعودي بجريمة اغتيال وتقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018.
يُذكر أنّ عمليّة زجّ المعارضين كسجناء سياسيين في السعودية بدأت منذُ التسعينيات وهي مستمرة حتى يومنا هذا، وقد وقعت عدة احتجاجات واعتصامات طالبت بالإفراج عن السجناء السياسيين خلال الاحتجاجات السعودية في بداية ما يسمى “الربيع العربيّ”، في مُختلف أنحاء بلاد الحرمين، لكنّ قوات الأمن السعودية قمعتها بشدة، من خلال استعمال العنف لتفريقها، كما حصلَ في الاحتجاج الذي اندلعَ يوم 19 آب/ أغسطس 2012 في سجن الحائر، والذي دفع قوات الأمن لإطلاق الرصاص الحي لإخماده.
مملكة استبداد
كما هو معروف، فقد تحول “الربيع العربي” إلى خريف دامٍ على الكثير من الدول العربيّة منذ العام 2011، وإلى شتاء طويل وقاسٍ على دعاة التغيير الحقيقيّ من النشطاء السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان في ممالك النفط التي تسيطر عليها بعض العائلات الحاكمة منذ عقود طويلة وبالأخص مملكة آل سعود، بمن فيهم سجناء الرأي، حيث يقضي العشرات إن لم نقل المئات الذين عبروا عن آرائهم سلميّاً، والذين ناضلوا من أجل حقوق الإنسان الأساسيّة، فترات سجن طويلة تصل إلى السجن مدى الحياة، في السعودية التي ادعت حرصها على الحرية في بعض الدول العربيّة وأبرزها سوريا واليمن، ودعمت الإرهاب فيها وحولت حياة الناس فيها إلى جحيم، وموت لا يتوقف.
وفي مملكة محمد بن سلمان المعروفة باستبدادها، يُعتبر المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعلهم يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد دعوتهم إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها.
وقد جعلت السلطات السعوديّة هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً، حيث لجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، خاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
وقد كان العام 2011 غير عاديّاً بالنسبة للسعودية بالتحديد ذات القبضة الحديديّة، حيث شنّت حملات على النقاد والنشطاء السلميين بالاعتقالات التعسفيّة والتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة، بالإضافة إلى المحاكمات التي لا تفي بمعايير المحاكمة العادلة والأحكام المطولة، وقامت بمضايقة أفراد عائلاتهم، وفرضت عليهم حظر السفر، ما جعل حياة أيّ شخص يرغب في التعبير السلميّ عن أيّ رأيٍ مستقل أمراً مستحيلاً، حيث إنّ معظم النشطاء السلميين في السعودية هم إما في المنفى أو مكمّمي الأفواه داخل وطنهم.
وفي الفترة الأخيرة، وظّفت سلطات آل سعود انتشار جائحة كورونا، كذريعة لمواصلة أنماط قمع الحق في حرية التعبير الموجودة مسبقاً، وحذرت مواطنيها من المسؤولية الجنائيّة المترتّبة على ما تُطلق عليها نشر “أخبار كاذبة” أو “معلومات مضلّلة”، وفي كثير من الحالات، قاضت الرياض المواطنين الذين نشروا محتوى على وسائل التواصل الاجتماعيّ حول الوباء أو كيفية استجابة الحكومة، بينما أطلقت سراح مئات السّجناء للمساعدة في احتواء الوباء، باستثناء سجناء الرأيّ.
ولأن العائلة المالكة في السعودية ترتعب من أدنى انتقاد لها على مواقع التواصل الاجتماعيّ، لا توفر جهداً في التجسس على حسابات المستخدمين، ومؤخراً نقلت مواقع إخباريّة أنّ نشطاء سعوديين يعتزمون نشر فيلم وثائقيّ حول تجسس السلطات السعودية على موقع التواصل الاجتماعيّ “تويتر”، واختراق حسابات لمعارضين، وكانت الرياض عبر عملاء لها داخل شركة تويتر، تمكنت من كشف آلاف الحسابات التي تنتقد النظام السعوديّ وأفراداً في عائلة آل سعود، وهو ما دفع العديد من النشطاء إلى رفع دعاوى ضد الانقلابيّ محمد بن سلمان، ومسؤولين استخباراتيين في المحاكم الأمريكيّة.
وبناء على ذلك، لم تترك المنظمات الدوليّة المعنيّة بحقوق الإنسان، كلمة تنديد إلا واستخدمتها في بياناتها المتعلقة بحقوق الإنسان وحريّة الرأي والتعبير في مملكة آل سعود، ومع ذلك تصر سلطات البلاد على الاستمرار بنهج الاعتقالات التعسفيّة والانتهاكات ضد النشطاء المعارضين ودعاة الإصلاح، وقد ملّت المنظمات من كثرة ما انتقدت السلوك القمعيّ لسلطات محمد بن سلمان ضد المواطنين، فيما أكّد ناشطون سعوديون أنّ الأوامر التي تتلقاها الأجهزة الأمنيّة تأتي بشكل مباشر من ولي العهد.
وتؤكّد تلك المنظمات الدوليّة، أنّ الاعتقالات داخل السعودية تتم دون التقيد بالإجراءات القانونيّة والقضائيّة، ناهيك عن منع المعتقلين من أبسط حقوقهم في العلاج والرعاية الصحيّة مع غياب كامل لتقديمهم إلى محاكم عادلة، وقد أشارت المنظمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان، في وقت سابق، إلى أنّ السلطات السعودية تواصل احتجاز جثامين عشرات المواطنين الذين جرى قتلهم دون محاكمات قضائيّة أو نفذت في حقِّهم عمليات إعدام تعسفيّة، ودعت المنظمة سلطات البلاد إلى الاستجابة لمطالب أسرهم وتسليمهم جثامين أبنائهم بشكل فوريّ.
ولم تهتم مملكة آل سعود للانتقادات المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية المعروفة كـ “هيومن رايتس ووتش”، ولا حتى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة، ولم يصغ المجتمع الدوليّ لدعوات لجنة “الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربيّة”، التي تطالب بإيقاف الدعم السياسيّ عن نظام آل سعود، ما يطرح تساؤلات عديدة حول آلية التعامل الدوليّة مع الرياض وغياب محاسبة قياداتها، ويعتقد البعض أنّ المجتمع الدولي إما منخرط مع السعودية مع إجرامها الداخليّ والخارجيّ، أو أنّه يقبض ثمن صمته كما كان يفعل الرئيس الأمريكيّ السابق دونالد ترامب.