|
إيلي الحاج – أساس ميديا-الأحد 14 آذار 2021 |
لم يبقَ من 14 آذار إلا الذكريات. لكأنّ دورها اقتصر قبل 16 عامًا على إخراج الجيش السوري من لبنان، وارتاحت بعد انتهاء المهمة. لكنها في درب تحقيق الغاية منها، أثبتت أنّ اللبنانيين عندما يخرجون من أسوار طوائفهم وانتماءاتهم الفئوية، قادرون على صنع معجزات. تمامًا كما أثبتت أنّ القيادات السياسية الحزبية – الطائفية، قادرة على أن تأخذ أتباعها وطوائفها إلى حيث تريد، من غير أن تخشى على نفسها منها. ربما تغيّر الوضع بعد 17 تشرين، ولكن ليس بما يكفي لإحداث تغيير ديمقراطي في البلاد، إذا بقيت هذه البلاد في السنة والأشهر الثمانية الأخيرة من عهد عون. وإذا بقي شيء من ديمقراطية.
في ما عدا إخراج الجيش السوري… أخفقت 14 آذار. ضحّت وضحّى عدد من قياداتها وشخصياتها بحياتهم أيضًا، من أجل كشف حقيقة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه في المحكمة الدولية. عرف الجميع مَن هي الجهة القاتلة، لكن لم يتغيّر المشهد كثيرًا. الحقيقة بالقطّارة فقدت سحرها وتأثيرها على مرّ السنين. ولم يُنزل عقاب بأحد عمليًّا، على الأرض.
إلا أنّ المفجع هو استعجال من كان يُفترض أنّهم المؤتمَنون على 14 آذار، التخلّي عنها. وهم الذين تأخروا – في معظمهم – في النزول إلى الساحة، أو ما كانوا موجودين، كلٌّ لأسبابه، ردًّا على التحدي الذي أطلقه “حزب الله” في وجه اللبنانيين الآخرين، يوم “شكرًا سوريا” في 8 آذار.
لقد أعطى ناس 14 آذار قياداتهم مرتين انتصارًا في الانتخابات النيابية، سنة 2005 وسنة 2009 . ماذا فعلوا بالأمانة ؟ الأكيد ما صوّت لهم ناس 14 آذار كي يصوّتوا بدورهم لميشال عون رئيسًا للجمهورية. ولا لغير ميشال عون من شخصيات 14 آذار.
وكان الأسوأ هو تشبّه أحزاب ما كان 14 آذار، في طائفيّته ومذهبيّته، بدلًا من أن تُنتج أحزابًا وتيارات عابرة للمناطق والطوائف والمذاهب والانتماءات الفئوية، على صورة ما وعد به مشهد الناس في “انتفاضة الاستقلال – 2005”.
ويمكن تعداد لائحة أخطاء جسيمة ارتكبها القيّمون على تلك الحركة الاستقلالية. من أسلوب التعامل مع ميشال عون، إلى الامتناع مدّةً طويلة عن إثارة موضوع “حزب الله” وعقد “الاتفاق الرباعي” معه، والتهرب من إحداث أيّ تغيير في قيادات الأجهزة الأمنية وهيكلياتها، وحكومات المساكَنة وربط النزاع، إلى التراجع بدل الإقدام بعد كل جريمة اغتيال كبيرة، والذهاب إلى حوارات بلا جدوى مع “حزب الله”، وعقد اتفاقات معه سواء على تشكيل الحكومات أو على سلاحه، رغم إدراك الجميع أنه لن يحترمها، بل سينقلب عليها عندما يشاء. والخطأ الأعظم هو الذي سمّي بـ”التسوية الرئاسية”، وسهّل وقوع دولة لبنان نهائيًّا في قبضة الحزب ودائرة نفوذ إيران الإقليمي المباشر، وأوصل الوضع إلى ما هو عليه اليوم من متاهة إفقار وضياع وطن.
أخبرونا – يا لقِصَر النظر المريب والقاتل! – أنّ ميشال عون، وجبران باسيل، سوف يبتعدان عن الحزب وإيران عندما يصل الجنرال إلى قصر الرئاسة !
نتج من ذلك أنّ منطق “الثورة الخمينيّة في لبنان”، صار أقوى بكثير من منطق الدولة في لبنان.
وقائد “الثورة” – لا أحد غيره، بإصبعه المرفوعة – هو الذي يعيّن ويحدّد ويقرّر ما الذي يجب على لبنان أن يفعل، وأيّ اتجاه يتجه.
استسلمت قوى رئيسة في “قوى 14 آذار” سابقًا لمنطق الثورة الخمينية الذي سيطر على الدولة، وغدرت بشعاراتها وجمهورها. لم يعد مهمًّا ذكر المقابل الذي حصلت عليه، أو إذا كان يستحقّ القيام بتلك القفزات السياسية البهلوانية. فهذه القوى باتت في أسوأ أحوالها.
لكن ليس هنا الموضوع الأهم:
لبنان كله أيضًا في أسوأ أحواله. ويتحمل عاقبة القرارات والسياسات الخاطئة، والتي لا تبررها ذريعة العاجزين الساقطة: “شو كان فينا نعمل غير هيك؟”.
كانوا يقدرون على أن يعملوا الأفضل بكثير. أن لا يخونوا أنفسهم وشعبهم والثقة بهم.
أما الآن فمن يدري كم يستمر هذا الوضع الشاذ.
لقد سيطر منطق “الثورة الفلسطينية” عمليًّا على منطق دولة لبنان والشرعية فيه، من 1969 حتى 1982 وانتهى بكارثة بكل المقاييس.
لكن كان هناك من يقاومه بكل الوسائل. الدولة كانت تقاومه. الياس سركيس فؤاد بطرس، وجوني عبدو، بقَدْر كل الميليشيات، كما تبيّن بعد وقت طويل.
واليوم ماذا؟
بات مجرد ذكر 14 آذار يثير ابتسامات شماتة.
ربما لم يخطر ببال ناس 14 آذار لحظةً أنّ قيادتي “تيار المستقبل” وحزب “القوات اللبنانية” كانتا تنظران إلى لحظة “انتفاضة الاستقلال – 2005” الحاسمة في تاريخ لبنان والتي حررته من الاحتلال العسكري السوري، على أنّها رصيد في حسابهما يمكن كل منهما تجييره لحساب “حزب الله” ونظام الأسد، مزهوّتان بعدد مقاعد نالتهما في الانتخابات. أنظروا إلى أين وصلنا. كم كنا طيّبي القلب!
كان يجب أن ندرك إلى أين سنصل عندما لم يسِر في جنازة سمير قصير غير بضعة أنفار، أحدهم جبران تويني، حمل نعشه والدموع تنزل من عينيه. دموع على مشهد قَسَم 14 آذار وعلى حاله وحالنا، بينما نتذكر كل ما جرى.