تجاوز الدولار عتبة الـ12 ألف ليرة، ولا شيء تغيّر في المشهد العام. لا التركيبة الحاكمة تتنازل عن بعض من مكتسباتها ومطالبها للمساهمة في ولادة الحكومة وإخراجها من عنق الخلافات، ولا القوى التي تعتبر نفسها معارضة قادرة على فرملة لامبالاة السلطة. ولا الحراك الشعبي يُقنع الرأي العام الذي يجتاحه الإحباط واليأس من كل شيء.
من كان ليصدّق أنّ اللبنانيين باتوا مهدّدين بالعتمة، فيما خزينتهم العامة استثمرت أكثر من 40 مليار دولار في قطاع الكهرباء، ذهبت هدرًا وفسادًا… وها هم يعيشون على وقع التهديدات بإطفاء محركات معامل الإنتاج، إذا لم يقرّ مجلس النواب سلفة الخزينة المطلوبة لمؤسسة كهرباء لبنان، بينما مصرف لبنان يمتنع عن دفع استحقاقات المؤسسة بالدولارات الطازجة لمصلحة الشركات المشغّلة للمعامل.
أكثر من ذلك: تمارس القوى السياسية سياسة النكايات بحق بعضها البعض، حتى لو دفع الناس الثمن، كما تمارس سياسة إنكار واقع أنّ الانفجار قد يقع في أيّ لحظة، ويطيح بكل ما هو قائم… وتحصر اهتماماتها بعناوين سياسية سخيفة بآلية تحاول من خلال حرف الأنظار وشراء بعض الوقت.
تقول المعلومات إنّ الاجتماعات الأخيرة لـ”تكتل لبنان القوي”، تشهد في الفترة الأخيرة نقاشات حامية بين رئيسه جبران باسيل من جهة، وبعض النواب من جهة ثانية، على خلفية إصرار الأول على اللجوء إلى الاشتباك السياسي مع “القوات”، خصوصًا بعد تحركات الشارع في الأيام الأخيرة. باسيل يرى أنّ هذا أقصر طرق شدّ العصب المسيحي، لحرف الأنظار عن الأزمة الحاصلة على المستوى الاقتصادي – الاجتماعي – النقدي. فيما يطالبه النواب بالعمل على وضع علاجات جذرية للأزمة تبدأ بتأليف حكومة، صار لا بدّ منها مهما كانت الكلفة السياسية، ذلك لأنّ الثمن الذي يدفعه العهد ومعه “التيار الوطني الحر” في الشارع، أغلى بكثير. لكن لا حياة لمن تنادي.
فماذا حلّ بمبادرة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم؟
يتّفق الفريقان “العوني” و”المستقبلي” على أنّ المبادرة معلّقة، لكن لكلّ فريق تفسيراته لحالة الانسداد الحكومي. يقول الحريريون إنّ اعتبارات الفريق العوني تتجاوز الحكومة لتتصل بمستقبل جبران باسيل. لكنّ الأخير يقدّم “بضاعة كاسدة” يرفض أيٌّ من القوى الخارجية شراءها أو الاستثمار فيها. ولهذا لا يجد من يستمع إليه أو من يجاريه في مطالبه. يشير هؤلاء إلى أنّ الدخول الروسي على الخطّ، قد لا يثمر انصياع رئيس الجمهورية وقد لا يدفعه إلى توقيع مراسيم ولادة الحكومة، لأنّ باسيل يريد إشارة إيجابية من الأميركيين، وهذا الأمر قد لا يحصل. ولهذا فالولادة عالقة في عنق العقوبات الأميركية المفروضة على رئيس “التيار الوطني الحر”.
وفق العونيين، الحريري يحور ويدور لكي يدخل الممكلة العربية السعودية، ولهذا يكبّر من حجر مطالبه كسبًا للوقت، ولمزيد من الرحلات الخارجية والزيارات الدولية، علّه يتمكن من اختراق أسوار المملكة. والأخيرة تسدّ آذانها، ولهذا يضع الحريري التكليف في جيبه.
في هذه الأثناء، يقول المقرّبون من رئيس مجلس النواب نبيه بري، إنّ محاولاته ايجاد أرضية مشتركة للتفاهم بين الرئيسين، لا تزال قائمة. قد تخفّ وتيرتها أو تزداد وفقًا للظروف، لكن من دون أن يعني ذلك إمكان حصول خرق في المدى القريب، مع اعتراف المطّلعين على مسعى رئيس مجلس النواب أنّ الأزمة أكبر ممّا يعلنه طرفا المشكلة، أي الرئاستين الأولى والثالثة. لأنّ توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم الحكومة قد يكون الأخير قبل انتهاء عهده، ولهذا فإنّ الرجل لن يستسلم قبل تحقيق مطالبه وضمان مستقبل “التيار الوطني الحر” وباسيل.
لهذا فإنّ القفز بين مطلبَيْ الثلث المعطل ووزارة الداخلية، ليس سوى من باب التورية، فيما رئيس الحكومة المكلف يلعب على وتر الوقت، علّه يتمكن من تعويض الغطاء السعودي، بغطاء دوليّ عربيّ يساعده في مهمّته المستحيلة.