خاص النشرة
قبل سنة من اليوم، أي في آذار من العام 2020 كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة يتراوح بين 2000 و 2100 ليرة، يومها، كان يمضي الطبيب المتخصص في جراحة الرأس حوالي خمس أو ست ساعات في غرفة العمليات لإجراء عملية دقيقة، وكانت تسعيرة هذه العملية 700 ألف ليرة أي ما كان يعادل يومها حوالى 350 دولاراً. اليوم وبعدما تخطى سعر صرف الدولار العشرة آلاف ليرة، لا تزال تسعيرة العملية الجراحية 700 ألف ليرة أي ما يعادل أقل من سبعين دولاراً. هذا النموذج الفاضح عن الإنهيار الحاصل، هو الذي يشجع عدداً كبيراً من الأطباء الى الهجرة وترك البلد بحثاً عن راتب يعيشون منه مع عائلاتهم حياة كريمة.
هذه الهجرة هي أكثر من خطيرة بحسب نقيب الاطباء شرف أبو شرف، لماذا؟
لأن نقابة الأطباء تلقت بين العام 2020 ومطلع العام 2021 حوالى 600 طلب من إطباء يريدون إفادات تثبت سيرتهم المهنية الحسنة بهدف السفر الى بلجيكا وفرنسا وبعض دول الخليج، وخسارة هؤلاء كبيرة ولا تعوض خصوصاً انهم من جيل الشباب وأعمارهم تتراوح بين الـ35 والـ55 عاماً أي من الفئة التي يتكل عليها كثيراً في المستشفيات. وبحسب المصادر المتابعة لهذه القضية لا تقتصر خطورتها ما يحصل على هؤلاء، فهناك أعداد كبيرة من الأطباء تغادر لبنان من دون علم نقابتهم لأن الدول التي ينتقلون اليها لا تطلب إفادة حسن السلوك المهني من النقابة، وفي هذا السياق تتوقع مصادر النقابة أن تكون أعداد هؤلاء قد وصلت الى حوالى 600 طبيب ما يعني عملياً ان عدد الأطباء الذين غادروا لبنان في السنة الأخيرة تخطى الألف والحبل عالجرار. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ترك لبنان من مستشفى الجامعة الأميركية فقط أكثر من مئة طبيب، ومن مستشفى القديس جاورجيوس، غادر حوالى خمسين طبيباً الى الخارج. خسارة هؤلاء ستظهر على أكثر من مستوى تقول المصادر الطبية المتابعة، أولاً على صعيد فقدان طاقات لبنانية طبية في إختصاصات نادرة كجراحة الرأس، جراحة العظم وأطباء الغدد، وأطباء علاجات الأشعة التي تستعمل للعلاج بدلاً من إجراء العمليات الجراحية. ففي هذه الإختصاصات النادرة، كان المرضى اللبنانيون الذين يعيشون في الخارج إضافة مرضى عرب وأجانب، يقصدون لبنان للإستفادة من قدراته الطبية على هذا الصعيد، بعد هذه الهجرة، قد يضطر المريض اللبناني وللأسف الى ترك لبنان لإجراء عملية في بلد عربي أو أجنبي آخر، لأن الأطباء المتخصصين في مجال مرضه، غادروا بلدهم هرباً من الأوضاع الإقتصادية الصعبة والإنهيار المالي الحاصل. كل ذلك من دون ان ننسى إنعكاس هذه الهجرة على الحياة الجامعية لأن عدداً لا بأس به من الاطباء المهاجرين يعلمون الأجيال الصاعدة.
هذه الهجرة الطبية التي تؤكدها الأرقام في نقابة الأطباء وخارجها، وإن كانت تنسحب أيضاً على الممرضين والممرضات الذين غادر منهم حوالى 600 ممرض وممرضة لبنان في الأشهر القليلة الماضية، فهي لا تنسحب أبداً على القضاة الذين على رغم كل ما قيل وتردد وكتب، لم يتقدم بإستقالته منهم الى مجلس القضاء الأعلى أكثر من قاضيين فقط خلال الأشهر الستة الماضية، علماً ان عدداً منهم كتب على تويتر أنه سيهاجر لكنه عملياً لم يتقدم بإستقالته الى مجلس القضاء الأعلى.