سلط موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، السبت، الضوء على العلاقات التركية المصرية، والحراك الدبلوماسي الأخير بين الطرفين.
وقال الموقع في مقال نشرته للكاتب علي باكير، وترجمته “عربي21″، إن “القاهرة كانت ربما تبحث عن تحقيق مكاسب تكتيكية، من خلال استخدام أنقرة، لكي تستعيد قيمتها في عيون شركائها”.
ولفت إلى إعلان مصر، الشهر الماضي، عن مسعى جديد للتنقيب عن النفط والغاز بمنطقة شرق المتوسط، وأشارت إلى أنها أخذت بالاعتبار إحداثيات الرف القاري طبقا لما أعلنت عنه أنقرة، وذلك بموجب اتفاقية 2019 بين تركيا وليبيا، التي دونت من قبل الأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهذا ما جعل أنقرة ترى في التحرك المصري رسالة إيجابية.
وتاليا نص المقال كاملا
العلاقات التركية المصرية: ماذا وراء الحراك الدبلوماسي الأخير؟
ربما كانت القاهرة تبحث عن تحقيق مكاسب تكتيكية من خلال استخدام أنقرة لكي تستعيد قيمتها في عيون شركائها
أعلنت مصر الشهر الماضي عن مسعى جديد للتنقيب عن النفط والغاز في منطقة شرقي المتوسط. وأشارت إلى أنها أخذت بالاعتبار إحداثيات الرف القاري طبقا لما أعلنت عنه أنقرة، وذلك بموجب اتفاقية 2019 بين تركيا وليبيا، والتي دونت من قبل الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهذا ما جعل أنقرة ترى في التحرك المصري رسالة إيجابية.
على كل حال، لم تكن تلك هي الرسالة الأولى من نوعها، فعلى الرغم من انتقاده للاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا، أثار وزير خارجية مصر استغراب الجميع أثناء مؤتمر روما في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2019، عندما أكد أن الاتفاقية “لا تضر بمصالح مصر” في شرقي المتوسط.
وعندما وقعت مصر اتفاقية لرسم الحدود البحرية مع اليونان في أغسطس/ آب من عام 2020، أشار الخبراء إلى أن الاتفاقية أخذت بالاعتبار تحفظات تركيا على الحدود البحرية للجزر. فلقد دعمت الاتفاقية، طبقا لوزير خارجية تركيا، النظرية التركية التي تقول إن الجزر لا تملك رفوفا قارية ذات سيادة.
وكانت القاهرة قد أدخلت مؤخرا تغييرات على سياستها في ليبيا، ما قربها أكثر من أنقرة. ففي مواجهة الحقائق الجديدة على الأرض في ذلك البلد الشمال أفريقي، بعدّ نجاح أنقرة في تغيير ميزان القوة وسحب البساط من تحت أرجل الجنرال الليبي المتمرد خليفة حفتر، اتخذت مصر عدة خطوات، ومنها إرسال وفد دبلوماسي وأمني رفيع المستوى إلى طرابلس للإعلان عن خطط إعادة فتح السفارة المصرية لأول مرة منذ عام 2014.
لم تمر تلك الرسائل دون أن تلاحظها أنقرة. ففي الثالث من مارس/ آذار، ثمن رئيس الدبلوماسية التركية احترام القاهرة لحدود بلاده البحرية، حيث ركز وزير الخارجية مولود جاويش أغلو على المصالح المشتركة بين البلدين، مشيرا إلى استعداد تركيا للتفاوض وتوقيع ولاية بحرية مع مصر.
وبعد ثلاثة أيام، أدلى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بدلوه في قضية الدبلوماسية المصرية، عندما أكد في أثناء المناورات التكتيكية التي تعرف باسم “الوطن الأزرق” لعام 2021 على أن البلدين يشتركان معا في قيم تاريخية وثقافية، وأومأ إلى إمكانية حصول تطورات جديدة.
أقر هذه التصريحات إبراهيم قالن، عندما قال في تصريح لموقع بلومبيرغ إن “صفحة جديدة يمكن أن تفتح… في علاقتنا مع مصر.” ما من شك في أن صدور هذه الرسائل عن كبار المسؤولين في الدولة التركية يعكس جديتها.
تعزيز العلاقات
تأتي هذه الرسائل المصاغة بعناية من قبل البلدين استجابة ليس فقط للمصالح المشتركة بينهما، ولكن أيضا استجابة للمتغيرات الدولية وللديناميكيات الإقليمية، فقد دفع فوز الرئيس الأمريكي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية العام الماضي العديد من دول المنطقة، بما في ذلك مصر وتركيا، نحو إعادة تعيير سياساتها، والتكيف مع الإدارة الجديدة.
على المستوى الإقليمي، لم تكن مصر سعيدة بنتيجة قمة مجلس التعاون الخليجي، إذ إن من يفترض فيهم أنهم حلفاؤها -المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- لم ينسقوا مع القاهرة، ولم يأخذوا بالاعتبار مصالحها، عندما وافقوا على التصالح مع الدوحة.
تسمح المصالحة الخليجية لتركيا بتعزيز علاقاتها مع قطر والكويت وسلطنة عمان، وفي نفس الوقت بالتوصل إلى نوع من الانفراج في العلاقة مع المملكة العربية السعودية، وبدرجة ما حتى مع الإمارات العربية المتحدة. وكان المسؤولون المصريون في يناير/ كانون الثاني قد جلسوا ينصتون إلى المسؤولين في الإمارات العربية المتحدة وهم يعبرون عن رغبتهم في تطبيع العلاقات مع تركيا، والبناء على المصالح الاقتصادية المشتركة للطرفين، في نفس الوقت الذي كانت مصر حينها على حافة الدخول في صدام مع تركيا في ليبيا استجابة للضغوط الإماراتية.
وفي موازاة ذلك، عقدت اليونان وتركيا أول جولة محادثات رسمية مباشرة لهما منذ خمس سنين للنقاش حول خلافهما بشأن شرقي المتوسط، بينما كانت الأمم المتحدة تستعد لعقد اجتماع لاختبار ما إذا كان ثمة إمكانية لحل مشكلة قبرص.
لابد أن القاهرة حسبت حسبتها، وتوصلت إلى القناعة بأنه لن يكون من مصلحتها البقاء في عداء مع تركيا، بينما ينهمك حلفاؤها في الخليج وفي شرقي المتوسط -بشكل أساسي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية واليونان وإسرائيل وحتى فرنسا- في تخفيف حدة التوتر مع أنقرة، ولعل هذا ما يفسر لماذا اكتسبت الجهود الدبلوماسية بين مصر وتركيا زخما خلال الفترة الأخيرة.
الحدود البحرية
من جهتها، التزمت إسرائيل الحذر في انتقاد الموقف التركي في شرقي المتوسط، وذلك أن تل أبيب تضع نصب عينيها مشروع خط أنابيب شرق المتوسط لتصدير الغاز إلى أوروبا، ولكن نظرا لاحتمال ألا يرى خط الأنابيب النور في أي يوم من الأيام؛ نظرا لطوله الشديد (1900 كيلومتر)، وتكلفته المرتفعة (حوالي 7 مليارات دولار)، وعبوره من خلال منطقة تزعم تركيا أنها تابعة لها، ما يعني أن بإمكان أنقرة قطع الطريق على المشروع بأسره، ترغب إسرائيل في الأرجح في إبقاء خياراتها مفتوحة مع تركيا، لأن تمديد خط الأنابيب من خلال أراضيها قد يغدو خيارها الوحيد.
ولمصر قضية مشابهة مع تركيا فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، وذلك أن المسؤولين في وزارة الخارجية وفي أجهزة المخابرات المصرية يفضلون إبرام اتفاق بحري مع تركيا بدلا من اليونان، لأن ذلك من شأنه أن يمنح مصر مساحة بحرية أكبر بكثير. إلا أن الرئاسة المصرية أبرمت صفقة مع أثينا لضمان تحقيق بعض المكاسب السياسية دون أن تغلق الباب تماما في وجه تركيا، خاصة بعد الاتفاقيات التي وقعت بين الإمارات وإسرائيل، والتي أضرت بمصالح مصر السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.
إدراكا منها لتلك الحقائق وللحسابات الجيوسياسية في القاهرة، راحت أنقرة تغازل مصر بصمت انطلاقا من المصالح المشتركة للطرفين في شرقي المتوسط وفي ليبيا. تقوم رسائل أنقرة التي صيغت بعناية فائقة على معادلة المكسب المضمون، وعلى حقيقة أن التعاون مع تركيا يخدم مصالح القاهرة.
وبالفعل، في فترة ما قبل جائحة فيروس كورونا، قدمت أنقرة للقاهرة الكثير من الجزر، بما في ذلك زيادة حجم التجارة المتبادلة والاستثمارات وكميات الغاز المستورد، حتى بدت علاقاتهما التجارية محصنة ضد التقلبات السياسية، إذ زادت خلال السنوات القليلة الماضية، وتجاوزت عتبة 5 مليارات دولار لأول مرة في عام 2018. ويمكن للاستقرار في ليبيا أن يعزز هذا التعاون ليصل إلى مستويات غير مسبوقة فيما لو عملت تركيا ومصر معا على إعادة بناء ليبيا.
مد يد العون
من الناحية السياسية، توجد لدى تركية مصلحة حيوية في إبقاء مصر بعيدة عن الوقوع رهينة لدول أخرى قد ترغب في استخدامها كدرع في معاركها هي مع تركيا، وبالذات الإمارات العربية المتحدة واليونان. ولذلك فإن أنقرة من خلال الانفتاح على مصر إنما تمد يد العون لذاتها، ونفس الشيء ينطبق على احتياج القاهرة لتركيا.
ومع ذلك، لا يعني تبادل الرسائل الإيجابية بين مصر وتركيا أن تقاربهما لن يواجه أي تحديات، لكنه يعني ببساطة أنهما يسعيان لمنع نقاط الخلاف بينهما حول قضايا معينة من أن تتحول إلى عقبات دون أن يعملا معا في خدمة المصالح المشتركة.
من الواضح أن بعض الأطراف، ومن باب الحفاظ على نفوذها، ستسعى إلى تعطيل ذلك المسعى؛ لأنها تفضل أن ترى تركيا ومصر يتصادمان بدل رؤيتهما يتعاونان. وهناك أيضا مسألة ما إذا كانت رسائل مصر صادقة أم لا، لأنها، وعلى النقيض من أنقرة، كانت في السابق تفضل العمل فيما وراء الكواليس.
فإما أنها تريد تحقيق مكاسب تكتيكية من خلال استخدام أنقرة لاستعادة قيمتها في عيون شركائها (الإمارات العربية المتحدة واليونان وإسرائيل)، أو أنها تسعى إلى إقامة توازن دقيق، تاركة خياراتها مفتوحة مع تركيا لضمان أكبر قدر من المكاسب من كل اللاعبين.
وقد يفسر هذا الأمر لماذا تعمد القاهرة في بعض الأوقات إلى بعث رسائل مختلطة أو متضاربة، حيث أنها ترغب في الانفتاح على تركيا، ولكن دون أن تفقد دعم أي من الأطراف الأخرى. أيا كان الأمر، ما من شك في أن التواصل مع تركيا يخدم الأجندة المصرية.