محمد علي مقلد-نداء الوطن
قيل هجاء كثير في اجتماع بعبدا ولم تترك الصحافة ووسائل التواصل حيّزاً لمستزيد. أخطر ما فيه يتمثّل بانعقاده، لا بالقرارات الصادرة عنه، لأنّه يشكّل، في السياق الذي انعقد فيه، خروجاً على أحكام الدستور، وخطوة ناقصة تصبّ في ما أطلقنا عليه “اغتيال الدولة”.
من حقّ الرئيس أن يدعو من يشاء من اللبنانيين إلى حضور اجتماعاته، فهو سيّد القصر. كلّ اجتماع برئاسة الرئيس هو اجتماع شرعي ومشروع، لكن، لا يكون دستورياً إلا إذا كان المجتمعون يمثّلون واحدة من المؤسّسات الدستورية، وإلا فهو لا يعدو كونه مجرّد لقاء حول أمر يرى الرئيس ضرورة التشاور والتداول بشأنه.
هناك إجماع على أنّ أيّ حل للأزمة يتطلّب تشكيل حكومة، ورئاسة الجمهورية ترمي جزءاً من المسؤولية على الرئيس المكلّف، وجزءاً آخر على التباسات دستورية. بما أنّ توضيح الالتباسات ليس من اختصاصات رئاسة الجمهورية ولا من مهمّات مستشاريه، وبما أن الرئيس المكلّف أنجز المهمة المكلّف بها، فإن الكرة أصبحت في ملعب الرئيس الذي بات عليه، بموجب الدستور، إمّا أن يصدر التشكيلة بمرسوم، أو أن يرفضها ويطالب المجلس النيابي باستشارات جديدة.
غير أنّ الرئاسة استسهلت اللجوء إلى خيارات أخرى غير دستورية رأت فيها بديلاً من الحكومة المستقيلة ومن تشكيل حكومة جديدة، منها اجتماعات متكرّرة للمجلس الأعلى للدفاع، أو لهيئات أخرى غير ذات صفة كالذي تم مؤخّراً بحضور رئيس الحكومة وبعض الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية ومسؤولين عن الشؤون المالية والمصرفية والصيرفية، أو التشاور مع مسؤولي قطاعات، أو توسيع ملاك المستشارين وتحويله إلى ما يشبه حكومة الظلّ، وهي كلّها هيئات لا ينصّ عليها الدستور، ولا يحقّ لها بالتالي إصدار قرارات، وإن أصدرتها فلن تلزم أحكام الدستور أي جهة بتنفيذها، فتتحول بالتالي إلى أداء استعراضي غير ذي جدوى. يبقى أنّ أسوأ البدائل هو البحث عن مصالحة وتكليف وسطاء وكأنّ الأمر خلاف بلدي بين أولاد الحي.
ولماذا خِلافاً للمنطق؟ فلأنّ المعايير والقرارات غير الدستورية لا تموّه الحقيقة فحسب، بل تعجز عن اجتراح الحلول. هي تعاملت مع الأزمة كأنّها، باللغة الطبّية، نوع من “الفيروس”، واكتفت بمعالجة أعراضها من دون الأسباب، حتّى قيل إنهم يعالجون هموم كوكب أو قارة أو بلد من خارج هذا العالم، ويتجاهلون الأسباب الفعلية لانهيار العملة الوطنية، وهي عديدة، ويتلهّون بملاحقة صغار الصيارفة، ويقفزون فوق حقائق ووقائع صارت من البديهيات، منها أنّ تهريب العملة الصعبة إلى سوريا على شكل نقود أو مواد مدعومة والاستثمار الخاسر في قطاع الكهرباء، هما الأولى بالمعالجة من ملاحقة المنصّات الإلكترونية.
قرارات، عدا عن كونها غير قابلة للتنفيذ ولا حتّى للنقاش، أدانت وأهانت أصحابها، وأثارت زوبعة من السخرية لدى الرأي العام وفي وسائل الإعلام ووسائل التواصل، فشبّهها بعضهم بمن يحاول إسكات الإشارة الصوتية لحزام الأمان في السيارة بدل الالتزام بوضعه، أو بمن يبحث في شارع مُضاء عن نقود أضاعها في شارع مظلم.
مرّة أخرى تثبت الثورة أنّها وضعت إصبعها على الجرح حين رأت أنّ انتهاك الدستور هو مصدر كل الأزمات، وأنّه لا يمكن التوصّل إلى حلّ إلا “بالعودة إلى الكتاب” بحسب العبارة الشهيرة للرئيس الراحل فؤاد شهاب.