روسيا تدعم المبادرة الفرنسية وتتحرّك لتسهيل تشكيل الحكومة عشية التسويات الإقليمية الأنظار تتجه الى زيارة وفد من حزب الله الى موسكو التي تُثبّت دوره المحلي والإقليمي
دوللي بشعلاني-الديار
تتحرّك روسيا على خط تسهيل تشكيل الحكومة في لبنان، من دون أن يكون لديها أي مبادرة خاصّة، كون المبادرة الخارجية الموضوعة على الطاولة اليوم لا تزال المبادرة الفرنسية. وقد ذكّر وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان بوجودها الخميس الفائت، عندما أعلن عن استنكاره تقاعس الطبقة السياسية في لبنان عن التصدّي لخطر «انهيار» بلادها، مشدّداً على أنّه «لا يزال هناك وقت للتحرّك لأنّه في الغد سيكون قد فات الأوان». وتعمل روسيا عشية المفاوضات الأميركية – الإيرانية المنتظرة على التقارب بين الدول الخليجية وروسيا، وبحث ملفات وقضايا المنطقة ككلّ. فأين سيكون لبنان من التحرّك الروسي في المنطقة، وهل سينعكس إيجاباً على تشكيل الحكومة.
أوساط ديبلوماسية عليمة أبدت تفاؤلها بالدور الذي يلعبه الروسي في المنطقة لتبريد الأجواء الساخنة، وذلك من خلال زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف للدول العربية الخليجية، لا سيما الإمارات والسعودية وقطر.. والتي تترافق مع الفرصة السانحة اليوم بين واشنطن وطهران للعودة الى الإتفاق النووي الإيراني. كما يُمهّد الطريق أمام حلّ الأزمة في سوريا على قاعدة قرار مجلس الأمن الدولي 2245 وتنفيذ المبادرة الروسية المتعلّقة بإعادة إعمار سوريا وعودة النازحين السوريين إليها. وقالت بأنّ لافروف يبحث عن تأييد خليجي له، ويبدو أنّ الأبواب قد فُتحت أمام خطوته هذه من خلال ما أعلنته الإمارات – التي سبق وأن أعادت (والبحرين) فتح سفارتها في دمشق في العام 2018 عن ضرورة «التعاون والعمل الإقليمي» لعودة سوريا الى محيطها العربي أي الى مقعدها في جامعة الدول العربية، الأمر الذي يتطلّب رفع الولايات المتحدة العقوبات التي تفرضها عليها من خلال «قانون قيصر» الأميركي. فضلاً عن كلام وزير الخارجية السعودي عن الدور السوري المستقبلي في المنطقة.
وفيما يتعلّق بالوضع الداخلي في لبنان، رأت الأوساط بأنّ الجانب الروسي مهتمّ كذلك بتشكيل الحكومة في لبنان في أسرع وقت ممكن، انطلاقاً من دعمه للمبادرة الفرنسية التي وافقت عليها الأطراف كافة. كما يبدو متحمّساً لتطبيق المبادرة الروسية بشأن عودة النازحين السوريين الى بلادهم، ولتي سبق وأن اطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام 2015، وانتظر الدعم الدولي السياسي المالي لها، غير أنّه لم يحصل على ما كان يتمنّاه.
كذلك رأت الأوساط نفسها في التحرّك اللبناني في اتجاه روسيا والذي أتى من مختلف الأطراف، فرصة جيّدة لمحاولة روسيا التقريب في وجهات النظر المختلفة… فبعد لقاء مستشار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«التيّار الوطني الحرّ» للشؤون السياسية الروسية النائب السابق أمل أبو زيد الأسبوع الماضي بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، التقى الحريري لافروف في أبو ظبي. وجرى التأكيد خلال هذين الإجتماعين على أهمية الإسراع في تشكيل حكومة من الإختصاصيين لا يكون فيها ثلث معطّل لأي طرف، وتكون قادرة على معالجة الأزمات الإقتصادية والمالية والإجتماعية التي وصلت اليها البلاد. فضلاً عن التركيز على مساعدة روسيا للبنان في مكافحة وباء «كورونا» وتأمين لقاحات «سبوتنيك فايف» للبنانيين.
أمّا الأنظار فتتجه يوم الإثنين المقبل، على ما أشارت الأوساط نفسها، الى اللقاءات المرتقبة بين وفد من حزب الله يضمّ رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب السيّد عمّار الموسوي، والبرلمان الروسي ومسؤولي الخارجية، وما سينتج عنها، سيما وأنّها ستتطرّق لملفات المنطقة وفرص التسوية والوضع الحكومي. وأكّدت بأنّ زيارة وفد من الحزب الى موسكو، ولقائه المسؤولين الروس، والتي تأتي تلبية لدعوة رسمية من جانب وزارة الخارجية الروسية بهدف إيجاد حلّ للأزمة الحكومية، تُثبت بأنّ قرار «حزب الله» يعود له وهو في الضاحية، وليس في إيران أو في سوريا، على ما يجري اتهامه من قبل البعض، وإلاّ لكان تكلّم الروس مع إحدى هاتين الدولتين عنه بشكل مباشر. كما تُثبت في الوقت نفسه، مدى مكانة الدور الداخلي والإقليمي الذي يلعبه الحزب على الساحة السياسية، كمكوّن أساسي الشراكة الوطنية، وكمؤثّر على الساحة الإقليمية.
وشدّدت الاوساط على أنّ المنطقة تتجه الى مرحلة التسويات المنتظرة، لهذا دخلت روسيا على الخط الإقليمي لتبريد الأجواء المتلبّدة حاليّاً بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، فذهبت للتفاوض مع الدول الخليجية وإيران و«حزب الله» توصّلاً الى تسوية شاملة وحلّ نهائي للأزمة السورية. هذا الحلّ الذي من شأنه أن ينعكس إيجاباً على لبنان الذي يُعاني على مختلف المستويات، وقد وصل خطّ الفقر لدى اللبنانيين فيه الى نسبة غير مسبوقة هي 50%. علماً بأنّ اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين المقيمين على أرضه يُفاقمون من أزماته، كما من نسبة الفقر والجوع والبطالة. لهذا، فإنّ إعادة اللاجئين والنازحين كلّ الى بلاده، قد يُحسّن الوضع الإقتصادي في لبنان، ويُعيده الى المستوى المعهود.
ومن هنا، يأمل المراقبون أن تكون زيارة لافروف لدول الخليج، فضلاً عن المحادثات الروسية مع الأطراف اللبنانية، ولا سيما مع وفد «حزب الله» الإثنين، مثمرة ومفيدة لجهة التقريب في وجهات النظر بين المتنازعين. فالوقت لم يعد لصالح لبنان واللبنانيين، والمجموعة الدولية تُراقب الوضع اللبناني المتدهور «بقلق»، على ما قال لودريان، مشيراً الى أنّه «إذا انهار البلد، فستكون هناك كارثة على اللبنانيين، كما على اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، وعلى المنطقة بأسرها..
وانطلاقاً من التحرّك الروسي وكلام لودريان الأخير، فإنّ الأوساط الديبلوماسية تأمل بأن يتحمّس المسؤولون اللبنانيون لاستعادة زمام الأمور بيدهم، ويستفيدوا من فرصة التسويات المقبلة، عن طريق التصالح فيما بينهم، والعمل سريعاً على تشكيل حكومة قادرة فعلاً على تنفيذ الإصلاحات اللازمة لإنقاذ الوضع الإقتصادي الآيل الى التدهور.