الوقت- فور زيارة البابا فرنسيس الأخيرة للعراق، أصدر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بيانًا دعا فيه إلى إجراء محادثات وطنية بحضور كل التيارات والمعارضين.
ولقيت تصريحات رئيس الوزراء دعم التيارات والقادة السياسيين مثل تيار “الحكمة” الوطني بزعامة “عمار الحكيم” وائتلاف “سائرون” بزعامة “مقتدى الصدر”، وحتى القادة السياسيين في كردستان العراق مثل ناشيرفان بارزاني ومسرور بارزاني.
مع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، لماذا اقترح مصطفى الكاظمي مثل هذه الخطة في الوضع الحالي؟ وما هي قدرات وحدود هذا الاقتراح على طريق التنفيذ؟
خطة لإخراج العراق من تسونامي الأزمات
للوهلة الأولى، قد يبدو أن تصريحات الكاظمي هي محاولة لبناء الوحدة من أجل دفع العراق على طريق النمو والتنمية المستدامين، ولکن إذا ألقينا نظرةً فاحصةً على الوضع السياسي في العراق، فإن خطة رئيس الوزراء محاولة للخروج من الأزمة، أو إدارة المأزق السياسي في البلاد على الأقل.
في الواقع، عراق اليوم، على عكس السنوات الأولى من عام 2003، لم يعد بإمكانه إخفاء أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال مسألة الفترة الانتقالية والحاجة إلى التغلب على بقايا وفلول النظام البعثي.
في ظل الوضع الحالي، فإن المجتمع العراقي والرأي العام، ربما أكثر من أي وقت مضى – وحتى أكثر مما كان عليه الحال خلال النظام البعثي – متشائمون بشأن إدارة ساسة هذا البلد، وخاصةً في المجال الاقتصادي، ويدعون إلى إصلاحات شاملة في البلاد.
وهذا يدل على أن التاريخ السياسي للعراق قد دخل حقبةً جديدةً، واستمراره ، كما في فترات سابقة، ليس مستحيلاً فحسب، بل محفوفاً بالأزمات المتفشية.
علی مستوی آخر، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أنه في العراق بعد عام 2003، تم تأسيس الحكم على أساس ائتلاف حكومي بين الشيعة والأكراد والسنة، باعتباره الركائز الأساسية الثلاث للسلطة؛ ووافقت التيارات السياسية ضمنيًا على الاتفاقات خارج البرلمان باعتبارها مرشدةً للمسار السياسي.
ومع مرور الوقت وتزايد خبرة الأحزاب السياسية في الحكم، تحول العراق تدريجياً إلى أولوية الأهداف العابرة للحدود ومصالح الأحزاب والجماعات والطوائف.
وبمعنى آخر، لم يعد التحالف الكردي – الشيعي – السني سهل المنال، وبعض هذه المجموعات الإثنية تتحرك في اتجاه مطالبها الطائفية، وفي غضون ذلك وُضعت المصالح الوطنية جانباً.
لكن مأساة السياسة في العراق لا تنتهي عند هذا الحد، بل داخل كل من هذه الطوائف بلغت الحرب على السلطة ذروتها، بحيث إنه بين الشيعة والأكراد والسنة الآن، فإن الأحزاب السياسية ليست مستعدةً لقبول قيادة بعضها البعض.
وحتى على نطاق أوسع، أصبحت إمكانية التحالفات والائتلافات بين التيارات السياسية أمرًا صعبًا، بل مستحيلًا في بعض الظروف. ويبدو الآن أن هذه العملية برمتها قد دفعت مصطفى الكاظمي إلى صياغة استراتيجية المفاوضات الوطنية.
ضرورة تقديم خطة المفاوضات الوطنية بشکل واضح وصحيح
هناك إجماع إلى حد كبير علی أن خطة الكاظمي المتمثلة في المفاوضات الوطنية، هي نتيجة الأزمة الموجودة في السياسة والحكومة في البلاد، لكن المسألة الآن هي أن مجرد إثارة موضوع “المفاوضات الوطنية” لا يمكن أن يكون حلاً، ولا يغير المعادلات.
إن مثل هذه الاقتراحات قد تقدَّم بها رؤساء وزراء عراقيون آخرون من قبل، ولا سيما حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، وإن کانت بعناوين أخرى، لكن القضية الآن هي كيف ينوي رئيس الوزراء العراقي إثارة قضية المفاوضات الوطنية الشاملة في العراق اليوم؟
في هذا السياق، من الضروري أن يكشف الكاظمي بشكل صريح وواضح عن الأهداف والتفاصيل والنطاق وحجم القوی الموجودة في المفاوضات ومستوى الفاعلين المشاركين في خطة المفاوضات الوطنية المقترحة، ويحدد للرأي العام والتيارات السياسية المنظور الذي يرسمه من عرض هذه الخطة.
بالتأكيد، إلى أن يصبح مصطفى الكاظمي قادرًا على الکشف عن أبعاد وتفاصيل خطة المفاوضات الوطنية بوضوح ودقة، فلن يكون هناك أمل كبير في تنفيذها.
قدرات وحدود خطة الكاظمي للمفاوضات الوطنية
إن خطة الكاظمي المتمثلة في المفاوضات الوطنية، رغم الحاجة إلى خطة واضحة وصحيحة، يرافقها بعض القدرات والمعوقات في عملية التنفيذ. فيما يتعلق بقدرات هذه الخطة، يمكن ذكر ما يلي:
– إجماع الأغلبية الساحقة من الفاعلين السياسيين في مشهد الحكم العراقي على ضرورة إصلاح الهياكل السياسية وقواعد الحكم في هذا البلد.
– دعم الشخصيات والقادة السياسيين العراقيين المؤثرين مثل عمار الحكيم، مقتدى الصدر، حيدر العبادي، هادي العامري، ناشيرفان بارزاني، مسرور بارزاني وغيرهم، لخطة المفاوضات الوطنية. إذ يمكن لهذه الشخصيات أن تلعب دورًا مؤثرًا في تنفيذ هذا الانفتاح السياسي، إذا كان هناك إجماع بهذا الخصوص.
– دعم الرأي العام والمواطنين العراقيين لإصلاح البنية السياسية للبلاد، والذي يمكن أن يكون بحد ذاته داعماً لبدء المفاوضات الوطنية.
في مقابل القدرات الحالية، يواجه تنفيذ خطة المفاوضات الوطنية عوائق كبيرة أيضًا، أبرزها:
– عمق واتساع الصدع بين التيارات السياسية العراقية في السنوات الأخيرة. حيث أصبحت الخلافات والانقسامات بين التيارات السياسية العراقية، وخاصةً في السنوات الأخيرة، کبيرةً جداً بحيث يمكن اعتبارها عقبةً خطيرةً في طريق المفاوضات الوطنية.
– على صعيد آخر، تأتي خطة مصطفى الكاظمي للمحادثات الوطنية في وقت لم يتبق فيه متسع من الوقت قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق في 16 تشرين الأول 2021، وفي غضون تسعة أشهر من المفاوضات يبدو من غير المحتمل أن يتم التوصل إلى اتفاق شامل بتوافق الآراء.