سفير الشمال-عبد الكافي الصمد
هل ينعكس الإنفراج الإقليمي الذي بدأت بعض ملامحه بالظّهور في الأيّام المقبلة على لبنان، ويترجم ذلك بحصول تقدّم ما على صعيد تأليف الحكومة، وإيقاف الإنهيار المالي وتدهور الوضع الإقتصادي، تمهيداً لإيجاد حلول ناجعة تعيد الأوضاع ـ ما أمكن ـ إلى نصابها السابق، أم يستمر الوضع المتأزّم في لبنان على حاله؟
خلال الأيّام القليلة الماضية سجلت الأحداث في المنطقة تطوّرات بارزة، وأعطت إشارة إلى أن مقاربة جديدة تجري لملفاتها المعقدة، وأنّ بعض الثغرات والإختراقات قد سُجلت فيها، بعد سنوات من الجمود والصدام والحروب التي دمرت بلداناً عديدة، وأدّت إلى حصول إنهيارات مالية وإقتصادية وإجتماعية فيها، عدا عن خلافات سياسية تحتاج المنطقة إلى سنوات وعقود لمعالجتها وإزالة آثارها.
الملف الأبرز في المنطقة هو العلاقات الأميركية ـ الإيرانية، الذي شهد مؤخّراً بشكل غير رسمي إنفراجات جزئية، تمثلت في إفراج مصارف عربية وأجنبية عن أرصدة مالية عائدة لإيران، كانت مجمّدة منذ سنوات، في بادرة لم تكن لتحصل لولا حصول هذه المصارف على ضوء أخضر اميركي، برغم أنّ مشاورات العودة للإتفاق النووي الذي نقضته واشنطن أيّام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ما تزال محور تجاذب بين البلدين، إنّما تحت سقف رغبتهما بالعودة إليه، وإن كان كلّ بلد ينظر إلى ذلك وفق شروطه ومصالحه ورؤيته.
الأزمة السّورية ذات الإلتصاق المباشر بلبنان، شهدت بدورها تطوّرات إيجابية لافتة هذا الأسبوع. فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حطّ رحاله في ثلاث دول خليجية هي: الإمارات والسعودية وقطر على التوالي، ومنها أصدر وزراء الخارجية في الدول الخليجية الثلاث إشارات إيجابية تجاه الأزمة السّورية، من ضرورة عودة سوريا إلى الحضن العربي، ومساعدة السّوريين في تجاوز أزماتهم الصعبة، إلى جانب التأكيد على الحلّ السّياسي للأزمة السّورية مع استبعاد الحلّ العسكري، وهي كلها أعطت دلالات أنّ الأمور سائرة نحو حلحلة ما ستظهر ملامحها وتباشيرها في الأيّام المقبلة، وأنّ خطوات أولى سُجّلت في هذا المجال جديرة بالإهتمام والمتابعة.
هذا الإنفراج الإقليمي ترك إرتياحاً في الداخل اللبناني، في بلد لطالما كان مصيره مرتبطاً بتطوّرات الخارج، خصوصاً دول الجوار المؤثّرة فيه، ما جعل البعض يدير محركاته لمواكبة ومعالجة ملفات كثيرة عالقة، أبرزها ملف تأليف الحكومة الذي يدور في حلقة مفرغة منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيلها قبل نحو 5 أشهر، والإنهيار المالي الذي شمل كلّ نواحي الحياة في لبنان، نظراً لانعكاس ما يحصل في المنطقة من تأزيم على الداخل اللبناني بكلّ تشعباته.
لكنّ ترجمة ما يحصل في المنطقة من إنفراجات على لبنان يبدو أنّه ما يزال يحتاج إلى بعض الوقت، وتحديداً إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية السّورية في 16 نيسان و16 أيّار المقبل، والإنتخابات الرئاسية الإيرانية في 18 حزيران المقبل، وهو إنتظار ظهر جلياً أن أغلب الأطراف الداخلية في لبنان يحاولون، من خلال ضغوطات معينة يمارسونها في الشّارع وفي المواقف السّياسية، فرض بعض شروطهم وتحسين أوضاعهم بانتظار التسوية المرتقبة، وكي لا تأتي على حسابهم، في ظلّ مخاوف لم يكتمها كثيرون من أن تشهد مرحلة الإنتظار هذه تطورات وخربطات أمنية تهدّد الإستقرار الهشّ الذي يعيشه لبنان هذه الأيّام.