كتب المحرّر السياسيّ-البناء
تحرّك الخارج الغربي والعربي نحو الدعوة للإسراع بتأليف الحكومة اللبنانية، وجاء الكلام الفرنسي والمصري ولاحقاً الأميركي ليطرح تساؤلات حول فرص تحوّل هذا التحفيز الإعلامي إلى مبادرات، فيما يستكمل وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أوراق ملفاته، تحت عنواني التبريد بالتوازي بين ساحتي الاشتباك في اليمن وسورية، وتستقبل موسكو وفداً من حزب الله يرقى الى مستوى زيارة دولة، حيث تقول مصادر روسية إن الزيارة تحظى باهتمام القيادة الروسية بصفتها زيارة لحليف وصديق سيتم التشاور معه في ملفات المنطقة وفرص التسويات، ويندرج في السياق البحث في كيفية التعاون في تسريع تشكيل الحكومة، والدفع بعودة النازحين السوريين نحو خطط عمليّة، وفقاً للمصادر الروسية.
المصادر الروسية التي تتحفظ على أي قراءة متفائلة بفرص الوصول الى تسويات، تتحدث عن ضرورة السعي لتبريد الملفات الساخنة، واضعة حركة الوزير لافروف على جبهتي الخليج وتركيا، للدفع بحلحلة على المسار السوري والمسار اليمني، ورسم علامات استفهام حول حدود تأثير العقدة التي تمثلها العلاقات المتأزمة بين واشنطن وولي العهد السعودي محمد ابن سلمان، وتقول مصادر خليجية إن كل ملفات المنطقة تتأثر بعلاقة ابن سلمان وواشنطن المأزومة على خلفية فتح واشنطن لقضية قتل الصحافي جمال الخاشقجي وتحميل اين سلمان المسؤولية، حيث مصير الموقف السعودي من حرب اليمن، ومثله تسهيل ولادة الحكومة اللبنانية، والتعاون في حلحلة ملفات إقليمية عديدة، تتوقف على اطمئنان ابن سلمان لمستقبل علاقته بواشنطن وسعيه تحت الطاولة لعرض مقايضة الملفات الساخنة بسحب ملف الخاشقجي من الصدارة ونقله الى طاولة المساومة.
في هذا السياق تساءلت المصادر عن صحة المعلومات التي تقول إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي ربط زيارته لأبو ظبي بفرص لقائه بولي العهد السعوديّ وقام بتأجيلها تحت أعذار مختلفة كل مرة، يعرف أن اللقاء بولي العهد كان مشروطاً من جانب ابن سلمان بالحصول على ضمانات إسرائيلية من واشنطن بتجميد الملف القانوني لاتهام ابن سلمان بقتل الخاشقجي، وما يمكن ان يصل اليه الملف قانونياً من تجميد أموال وأصول ابن سلمان التي تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، وتقول المصادر إن الأجواء الأردنية المغلقة، كما مرض زوجة نتنياهو حقيقتان، لكنهما ليستا أسباب تأجيل نتنياهو للزيارة، بل فشل نتنياهو بالحصول على ضمانات أميركيّة يريدها ابن سلمان كثمن لسير السعودية بالتطبيع هو السبب الفعلي لتأجيل الزيارة مرتين.
في الملف الحكومي تؤكد مصادر كانت على اطلاع عن قرب بما جرى من مداولات وآراء ومواقف، في بعبدا وبيت الوسط، أن الأمور على حالها، وأن فرص الحلحلة صفر، مع بقاء قضية الثلث المعطل على طاولة بعبدا من جهة، وعدم حماس الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري للتحرّك بمبادرات من جهة ثانية، مكتفياً بالقول عندما يكون عند رئيس الجمهورية جديد يريد إبلاغي به فليتصل، والكلام المنقول عن بعبدا، أن طريق القصر معلوم عند الحريري والأبواب مفتوحة.
نيابياً، حيث ينعقد مجلس النواب بهيئته العامة اليوم لإقرار قوانين قروض من البنك الدولي، وتعديل قانون قرض الصندوق الكويتي، يتصدّر اقتراح القانون الخاص بمنحة مليون ليرة للعسكريين قدّمه النائب علي حسن خليل، ومشروع القانون الخاص بسلفة خزينة لكهرباء لبنان لتأمين شراء الفيول، النقاشات النيابية وتنقسم من حولها الكتل النيابية، ويتوقع أن تشكل مادة سجال خلال الأسبوع المقبل.
فيما لم تُسجّل أي مؤشرات عملية على خط تأليف الحكومة رغم الحراك الداخلي والخارجي، تزداد الأزمات المالية والاقتصادية والحياتية حدة وتأزماً لا سيما مع عودة سعر صرف الدولار إلى التحليق من جديد لامس أمس 11 ألف ليرة رغم كل الإجراءات الأمنيّة والقضائيّة، انفجرت أزمة الكهرباء منذرة بعتمة شاملة البلاد كما «بشّر» وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر إذا لم يُصَر إلى إيجاد الحلول قبيل نهاية الشهر الحالي.
وفي ما بدأت بعض محطات الوقود تقنين التعبئة لزبائنها وبعضها الآخر يرفع خراطيمه كما يحصل في مناطق عدة في الجنوب وبيروت. أعلن غجر من قصر بعبدا أننا «بحاجة إلى مساهمة ماليّة والى سلفة 1500 مليار ليرة لاستيراد الفيول، ونواب في «لبنان القوي» قدّموا قانوناً من أجل إعطاء سلفة ماليّة لشراء الفيول لإمداد المواطنين بالكهرباء». وأضاف «ذاهبون إلى العتمة وأعتقد أنّ النواب لن يقبلوا أن يكونوا شاهدين على هذا الأمر والحلّ بين أيديهم ونحن قمنا بمسؤوليّاتنا ويجب إيجاد مصدر لشراء الفيول ونحن اليوم نستخدم وفر عام 2020 ونحتاج أموالاً في الموازنة الجديدة وبحاجة إلى سلفة من أجل أن نستمر».
وأكدت مصادر مطلعة على ملف الكهرباء لـ»البناء» أن سيناريو العتمة الشاملة واقعيّ إذا لم تحل الأزمة خلال أسبوعين. لكن المصادر توضح أنه ليست المرة الأولى الذي يواجه لبنان نفاد الفيول وعدم توافر الأموال لشرائه. ثم تولد الحلول في اللحظات الأخيرة. فأزمة الكهرباء كباقي الأزمات مُرتبطة بالوضع السياسي في البلد وبالتالي الحلّ سياسيّ.
وأضافت أن أمام الدولة ثلاثة خيارات: إقرار موازنة 2021 وحينها يمكن شراء الفيول من موازنة وزارة الطاقة. وهذا غير متوفر في ظلّ حكومة تصريف الأعمال.
الثاني إعطاء سلفة مالية من وزارة المال لوزارة الطاقة بموجب قانون في المجلس النيابي. وفي هذا السياق تقدّم نواب «تكتل لبنان القوي» بقانون مكرّر معجل من أجل إعطاء سلفة أو مساهمة مالية لشراء الفيول. لكن هذا الاقتراح يواجه صعوبات في ظلّ الخلاف السياسي في المجلس النيابي. لكن القوى السياسية التي تُشكل مجلس النواب ستجِد نفسها مضطرة لاجتراح الحل ولو بمعجزة لتجنب الغضب الشعبيّ العارم الذي سينفجر في الشارع إذا حلت العتمة.
والحل الثالث تسريع تنفيذ الاتفاق مع العراق لاستيراد الفيول.
وأوضح رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب نزيه نجم لـ»البناء» أن «القانون الذي تقدّم به التيار الوطني الحر لا يختلف عن القوانين والحلول العقيمة التي سبق وقدّمها وكلفت الخزينة مليارات الدولارات سنوياً بدل تقديم مشروع قانون لبناء معامل ومحطات لتوليد الكهرباء». مذكراً بالعروض التي قدمتها شركات أجنبية لبناء معامل تعمل على الغاز بسعر 7 سنت للكيلووات وتبقى ملكيتها للدولة بدل 16 سنت ورفضها التيار».
ويتساءل: لماذا يطلب الوزير مبلغ 1500 مليار؟ فالأمر لا يحتاج أكثر من سلفة 300 مليار ليرة على ثلاثة أشهر ريثما يتم تأليف الحكومة والبدء بخطة الإنقاذ المالي والاقتصادي». ويلفت نجم إلى أنه من ضُمن مشاريع سيدر لحظَ مشروع بناء معامل لتوليد الكهرباء. فإلى متى سنبقى نُنفِق الأموال الطائلة من الخزينة لشراء الفيول؟ لا سيما أن كُلّ السلف لم تُرَد أي منها إلى خزينة الدولة بل تذهب ولا تعود وهذا أحد أسباب إفلاس الخزينة اللبنانية.
وعن خيار إقرار الموازنة يُشير نجم إلى أن «كتلة المستقبل لا تُمانِع انعقاد حكومة تصريف الأعمال وإقرار الموازنة لتسهيل شراء الفيول لكن حتى لو أُقِرّت فلا توجد أموال لتلبية كافة الاحتياجات في ظل الظروف الصعبة، فالحل بتأليف الحكومة والبدء بالإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
ويُحذّر نجم من أن «سياسة الإنفاق غير المُجدي التي يتّبِعها العهد وبعض الوزراء ستؤدي إلى الإفلاس الكامل وتسريع الانهيار. مضيفاً: «فإذا أعطينا سلفة 1500 مليار للكهرباء و700 مليار زيادة على رواتب للقوى العسكرية وبعدها يطالب الأساتذة والقطاع العام بزودة مماثلة، فنحن أمام استنزاف للخزينة التي ستضطر للاستعانة بطبع الأموال وبالتالي انهيار إضافي بقيمة الليرة أمام الدولار».
في المقابل يلفت وزير الطاقة السابق محمد فنيش لـ»البناء» إلى أنه «من الطبيعيّ أن يعود الوزير المعني إلى مرجعية مجلس النواب لكون الحكومة هي تصريف أعمال ولا تعمل، وذلك لتأمين تمويل لشراء الفيول والمشتقات النفطية وهذا يحتاج إلى قانون، وعلى مجلس النواب في هذه الحالة أن يتجاوب مع الطلب بمعزلٍ عن التجاذبات السياسية وهوية وانتماء الوزير المعني».
ويُوضِح فنيش إلى أن «كل الأطراف تعرف العقد التي واجهت خطة الحكومة لبناء معامل ومناقصات التلزيم. ومن غير المفيد العودة إلى تلك الحقبة. اليوم أمامنا أزمة كبيرة وعلينا إيجاد الحل بأقل كلفة ممكنة. فالحكومة لا تعمل ونحتاج إلى فتح اعتماد إضافي أو سلفة وهذا يُحل في مجلس النواب من دون استحضار المناكفات السياسية وتحميل الوزير المسؤولية لأنه ينتمي إلى جهة سياسية ما، كما حصل في ملفات أخرى وفي النهاية يدفع البلد الثمن». وشدد فنيش على أنه «وبعد وضع مشروع القانون على جدول أعمال المجلس النيابي سنُحدّد موقفنا ككتلة الوفاء المقاومة، لكننا بالتأكيد مع أي حل يُبْعِد شبح الظلام عن المواطنين ويؤمّن الكهرباء ليس 24/24 بل بالحد الأدنى وبالتالي كتلتنا النيابية ستؤيّد إقرار السلفة التي يطلبها وزير الطاقة».
وكشفت أوساط معنية بملف الكهرباء لـ»البناء» أن «المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم يُتابع ملف استيراد النفط من العراق ويجري وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق». كما تكشف الأوساط أن «الإشكالية تقنية تتمحور حول تكرير النفط العراقي الذي لا ينسجم مع حاجة لبنان. لذلك يُكثّف اللواء إبراهيم جهوده مع العراق للتوصل إلى اتفاق مع دول أخرى مثل مصر أو الكويت لنقل النفط إليها وتكريره ثم استيراده إلى لبنان. وهذا يتطلب بعض الوقت». وتكشف المصادر أيضاً عن إشكالية أخرى تتمثل بالخلاف على الشركات التي ستستورِد هذا النفط إلى لبنان».
في المقابل يُشير فنيش في هذا الإطار إلى أن «الحل العراقي يحتاج إلى وقت طويل ولن ينتهي قبل نهاية الشهر الحالي، وبالتالي مضطرون إلى تأمين البدائل المالية لشراء الفيول إلى حين نضوج الحل العراقي». ويوضح أن أسباباً عدة تؤخر الحل العراقي:
– نوع الفيول العراقي لا يتناسب مع المواصفات التي يحتاجها لبنان.
– يحتاج إلى اتفاقية إطار وعقود لتحديد طريقة الدفع.
ويكشف فنيش أنه حتى لو أُنجِز الاتفاق فلن يُغطي أكثر من نصف حاجة لبنان من الفيول».
وفي إطار الخطوات القضائية لمكافحة مافيات المضاربة في الدولار، طلب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات مساعدة قضائية من السلطات الأميركية تقضي بالعمل على حجب المواقع الإلكترونية لتحديد سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، وذلك لمخالفتها أحكام قانون النقد الوطني والقيام بمضاربات هدفها السيطرة على تحديد سعر صرف الدولار، وزعزعة الثقة بالمالية العامة للدولة اللبنانية، وإفساد قاعدة العرض والطلب عبر الغش. وأرفق طلبه بعناوين المواقع».
وأفادت المعلومات أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة غادر أمس، الى باريس في طائرة خاصة.
وانعكس ارتفاع سعر الصرف على أسعار المواد الغذائية والمحروقات. وبعد الإشكال على كيس «حليب» منذ أيام انتشر أمس فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإشكال حصل داخل سوبرماركت في صيدا، وذلك بسبب السكر المدعوم.
ولاقى اقتراح النائب علي حسن خليل بشأن تقديم مساهمة مالية للعسكريين، اعتراض قوى وظيفية أخرى، إلا أن خليل أوضح أن الاقتراح يتضمن «معالجة اقتصادية لمدة 6 اشهر فقط لإعطاء دفعة مالية للعسكريين ولا نتحدث عن سلسلة ولا عن تصحيح أجور».
على صعيد ملف الحكومة، لم يسجل أي جديد بعد عودة الرئيس المكلف سعد الحريري باستثناء لقاء جمع الحريري والنائب خليل موفداً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري وجرى البحث في الاجتماع الذي دام ساعة ونصف الساعة في الملف الحكومي، وذلك تمهيداً لمبادرة يحضّر لها بري لإعادة تفعيل الحوار والتشاور بين بعبدا وبيت الوسط.
وأشارت أوساط كتلة المستقبل النيابية لـ»البناء» أن «لا حكومة في الأفق إذا لم تلبّ مطالب المجتمع الدولي، وبالتالي لا أموال لإنعاش الاقتصاد اللبناني»، وكشفت أن الاجتماع بين الحريري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إيجابي وأكد أن الحريري يحظى بالدعم الروسي، وبالتالي الدولي لرئاسة الحكومة». وسألت الأوساط إذا كان التيار الوطني الحر لن يمنح الثقة لحكومة الحريري فلماذا يطالب رئيس الجمهورية بستة وزراء؟ وشدّدت الأوساط على أن «موقف التيار سيفرض تركيبة حكومية جديدة»، وكشفت أن الحريري متمسك بثلاثة وزراء لعون وبوزارتي العدل والداخلية وبحكومة من 18 وزيراً».
في المقابل، أكدت مصادر وزارية وسياسية مطلعة في فريق المقاومة لـ»البناء» أن «باب الحكومة لا يزال مقفلاً ولا مؤشرات لحل قريب في ظل تعنت الرئيس المكلف والخلاف مع رئيس الجمهورية فضلاً عن تأثير العوامل الخارجية على الساحة الداخلية»، ونفت المصادر أن تكون زيارة وفد حزب الله الى روسيا تحمل مبادرة للحل الحكومي بل تأتي في سياق التنسيق والتعاون والعلاقة الجيدة بين موسكو وحزب الله.
وفيما خطفت روسيا الدور من باريس، برز موقف فرنسيّ تصعيديّ ضد المسؤولين في لبنان، فقد اتهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان السياسيين اللبنانيين، بعدم تقديم المساعدة لبلدهم الذي يواجه مخاطر الانهيار في وقت يعاني لبنان أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة. ونقلت وكالة رويترز عن لودريان قوله إن «جميع السياسيين اللبنانيين تعهّدوا بالعمل على تشكيل حكومة لا تقصي أحداً كما تعهّدوا بتنفيذ إصلاحات ضرورية كان ذلك قبل 7 أشهر لكن لم يحدث أي شيء»، وأضاف: «الأمر يعود للسلطات اللبنانية كي تقرر مصيرها بيدها وهي تدرك أن المجتمع الدولي يراقب بقلق وما زال هناك وقت للتحرك اليوم، لكن غداً سيكون الوقت قد فات».
على صعيد آخر، التقى وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت محمد جلال فيروزنيا، وجرى استعراض المواضيع ذات الاهتمام المشترك وسبل تحسين وتعميق العلاقات الثنائية بين البلدين.