بإشارة إماراتية، أو بقرار أردني بحت، أو بكليهما، تأجّلت للمرّة الرابعة زيارة بنيامين نتنياهو للإمارات، وهذه المرّة جرّاء رفض أردني لمرور طائرته. ولم تكد تمرّ ساعات، حتى خرج نتنياهو مساءً ليُعلِن أن الخلاف انتهى، مع إقراره بوجوده، مضيفاً إن أبو ظبي سوف تستثمر بعشرة مليارات دولار في إسرائيل قريباً، فما وراء القصة؟
إعلان اللقاء بدا «مصادفة مقصودة»، بعد نشر ولي العهد الأردني السابق، الأمير حسن، رسالة إلى الجمهور الإسرائيلي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، التي وافق يوم نشرها إعلان لقاء عبد الله ــــ غانتس أيضاً. يأتي ذلك كلّه وسط مشهدية يمكن تلخيصها بما يأتي: عمّان تريد «السلام» وتدفع باتجاهه؛ ومعارضو نتنياهو يشيدون بالأردن وبالشراكة معه بعد أكثر من 26 عاماً على توقيع «وادي عربة»، ويتحدّثون دوماً عن الأمن المشترك والمصالح الإقليمية التي لا تخصّ نتنياهو فقط، وهم بذلك يكسبون تأييد عمّان في مشروعهم الانتخابي قبيل أيّام من الانتخابات الإسرائيلية وأسابيع من الفلسطينية؛ ونشاط سياسي في المنطقة من أجل ترتيب الأوضاع مع البيت الأبيض وإدارة جو بايدن.
وفي خضمّ وضع وبائي مُقلِق، ومحدودية اللقاحات، وتمديد ساعات الحظر، وعقب تعديل وزاري ورسالة تحجيم لدائرة المخابرات مقابل تسيُّد القصر المشهدَين الداخلي والخارجي، انسحب ذلك كله على عملية تلميع ولي العهد الحالي، الأمير حسين، بلقاءاته الميدانية الكثيفة في مواقع عدّة، وزياراته المتكرّرة للعشائر، وإجراء المقابلة المتلفزة الأولى له بصفته ولياً للعهد على شاشة التلفزيون الرسمي. ترتيبات سطوع نجم الأمير لم تقف عند هذا الحدّ، بل وصلت إلى مرافقته أباه في الزيارة السريعة التي أجراها أخيراً لولي العهد السعودي المنبوذ، محمد بن سلمان، بعدما توترت العلاقة بينهما في موضوع الوصاية الهاشمية وموقف ابن سلمان آنذاك الذي قيل إنه أغضب عبد الله. وفي السابق، لم تشمل لقاءات الملك في السعودية الأمير حسين، لكن وجوده هذه المرّة يرجّح تسريبات الصحافة العبرية بخصوص أداء الأمير الحجّ هذا العام، ما يعني أن ابن سلمان قدّم إليه دعوة.
يبدو أن مستشاري الملك، وربّما الملكة رانيا، يريدون التجديد لشرعية العائلة الهاشمية بالحكم على أساس ديني في ذكرى مئويتها، ولذلك تَقرّر إجراء أول رحلة للأمير الشاب إلى القدس في ذكرى الإسراء والمعراج، لتكون تأكيداً للوصاية الهاشمية في يوم ديني، وفي وقت حسّاس تعتقل فيه إسرائيل خطيب المسجد الأقصى، عكرمة صبري، وتحاول بسط سلطتها أمنياً على الحرم الشريف. لم يعلن مكتب الأمير ولا الديوان الملكي خبر الزيارة، لكن الصحافة العبرية (المصدر الكثيف لأخبار المملكة) أعلنت تعثُّرها بعدما «أخلّ الجانب الأردني بالاتفاق الأمني مع إسرائيل»، بدعوى أن عدد الحرّاس المرافقين للأمير أكبر مما اتُّفق عليه. في وقت لاحق، أجاب وزير الخارجية، الصفدي، في مؤتمر عقب الاجتماع الوزاري الرباعي في إطار «مجموعة ميونيخ»، عن سؤال في هذا الشأن، بأن الترتيبات مع إسرائيل حول الزيارة تمّت وفق اتفاق على تفاصيلها، ثمّ فوجئ الجانب الأردني في اللحظة الأخيرة بأن تل أبيب فرضت ترتيبات جديدة وغَيّرت البرنامج، ما كان سيُضيّق على المقدسيين في إحياء تلك الليلة في الحرم الذي تشرف عليه السلطات الأردنية، ولذلك ألغيت الزيارة.
لكن من الغريب أن يكون هناك مثل هذا الاتفاق، ولا سيما أن الوزراء الأردنيين وكبار رجال الجيش والدولة يزورون الأقصى من دون تعقيدات، بل الأغرب أن تُحدّد إسرائيل عدد الحرّاس لشخصية بأهمّية ولي العهد، وخاصة أن عواقب منع الزيارة أكبر من تسهيلها. وسواء كانت الرواية العبرية دقيقة أو لا، ارتبط الأمر، أمس، بخبر منع عبور طائرة نتنياهو إلى أبو ظبي في زيارة طال انتظارها. ومع أن عمّان تستطيع بكل تأكيد منع طائرة نتنياهو من التحليق فوقها، فإن السياسة الأردنية الخارجية لا تخرج عن دعم الحلفاء الإقليميين لمواقفها. وإن كانت أبو ظبي قد استقطبت عمّان إلى صفها، فربّما أعطتها الضوء الأخضر لتخليصها من عبء هذه الزيارة قبيل حسم القرار الإسرائيلي في الانتخابات بعد أسبوعين. عموماً، تبدو المملكة الهاشمية في عهد بايدن أكثر حيوية، محتلّة موقعاً بارزاً في المعادلة الإقليمية بالنسبة إلى تل أبيب وأبو ظبي والرياض، في حين أن الأخيرة تسعى إلى موازنة التقارب الأردني ــــ الإماراتي بإغراءات استثمارية تدعم الوضع الاقتصادي المتردّي في عمّان، مقابل ضمان الدعم الأردني للمملكة على مكتب بايدن، إن أُخذ بالحسبان.